رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«نهر النيل».. كتاب يجيب عن سؤال: لماذا النيل هو شريان الحياة للمصريين؟

جريدة الدستور

 

إذا كانت مصر هى هبة النيل، فإن النيل هو هبة الإنسان، الله منحهما الإيمان بالزمان والمكان، والقدرة الخارقة على استشراف كنوز الأرض وما عليها، من هنا كان الكاتب الدكتور أحمد خالد عبدالحميد مستشعرًا الخطر الذى يتعرض له نهر النيل الذى شق مجراه وسط الصحارى القاحلة منذ أربعين ألف سنة ويزيد، ليحوّل الكنانة إلى واحة خضراء، والدنيا من حولها إلى جنات.

وفى ٢٢٢ صفحة من القطع الطويل، فى كتابه «نهر النيل.. ما له وما علينا» أبرز الكاتب هذه الأهمية الكبرى لنهر النيل والمخاطر التى يتعرض لها، حيث أكد أن النيل هو المصدر الأهم للمياه فى مصر، وذلك نتيجة طبيعة مصر المناخية والجغرافية والجيولوجية التى جعلت مصادر المياه الأخرى المحدودة فى مقارنة غير متكافئة مع مياه النيل، ذلك النهر العظيم الذى قدّسه المصرى القديم وأسس على مواسم فيضانه حضارة عظيمة فى امتدادها الزمنى وتأثيرها العالمى، ولكن بالرغم من ذلك، فإن حصة مصر من مياه النيل محدودة إلى جانب كون استقرارها فى المستقبل مهددًا بفعل عدة عوامل أهمها التغير المناخى. 

وأكد الكاتب على حتمية تسليط الضوء على قضايا نهر النيل الداخلية والإقليمية واعتبرها أمرًا واجبًا بهدف نشر الوعى المجتمعى فى مصر، وسعى إلى وضع صورة شاملة لقضايا النيل مستهدفًا المجتمع غير المتخصص قبل المتخصص، وذلك بهدف معرفة الدور المحورى لنهر النيل فى مصر وإقليمه ككل، وأن الماء هو أصل الحياة على الأرض، حيث يلعب دورًا محوريًا فى الدورات المناخية والبيئية المختلفة على الكوكب وبسبب كون الماء العذب متاحًا بقدر محدود جدًا كما أثبتت الدراسات العلمية التى استعان بها الكاتب خلال صفحات الكتاب. وتطرق إلى التحديات التى تواجه المجتمعات فى الحفاظ على مياه النيل والتى عدها الكاتب ومن أبرزها: تلويث المياه واستنزاف مواردها، كما أكد على أن ترشيد استهلاك المياه وحمايتها من التلوث واجبان لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المحدودة وضمان استدامتها للأجيال القادمة. وتضمن الكتاب ٤ أبواب رئيسية متفرعة إلى فصول، كل فصل يناقش قضية هامة من قضايا نهر النيل، وتحدث الكاتب فى الباب الأول عن عوامل ومراحل نشأة نهر النيل والمجتمعات البشرية الأولى المستقرة على ضفافه، كما تناول الباب دور نهر النيل فى الحضارة المصرية القديمة، كونها الحضارة الأقدم ازدهارًا على ضفافه والأكثر ارتباطًا به دينيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وفنيًا وعمرانيًا.

كما أبرز الباب دور فيضان النيل على مدى تاريخ مصر وتأثيره البالغ المتفاوت بين الإيجابى والسلبى على الحضارات والممالك المصرية المتعاقبة، ومن الأمور التى ركز الكاتب عليها خلال هذا الباب مدينة القاهرة وتطورها العمرانى بامتدادها التاريخى حتى مدينة منف عاصمة مصر القديمة كمثال على تأثر تخطيط المدن بنهر النيل وتغيراته مع الزمن.

بينما تناول الباب الثانى الخصائص والمقومات المختلفة لحوض النيل من تنوع بيئى ومناخى وهيدرولوجى وحيوى، بالإضافة إلى تسليط الضوء على قضايا المياه المعاصرة لدول حوض النيل والعوامل المؤثرة من نمو سكانى وإنتاج للغذاء والطاقة ومدى توافر موارد المياه واستهلاكها بمختلف القطاعات، إلى جانب مفاهيم المياه الافتراضية والبصمة المائية. كما يركز الباب أيضًا على قضايا التغير المناخى وتأثيرها الكبير على موارد مياه حوض النيل، مع عرض الفرص المقترحة للتكيف. ويُختتَم الباب بتناول سياسات المياه بحوض النيل من معاهدات ونقاط خلافية وعوامل الصراع وسبل التعاون.

ويستعرض الباب الثالث والأخير الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية المتاحة فى مصر، كما يتناول العوامل المؤثرة على الموارد المائية من نمو سكانى وثلوث مائى وتغير مناخى وغيرها من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويسلط الباب الضوء على حاضر ومستقبل الطلب على المياه فى مصر لمختلف القطاعات. وذلك إلى جانب عرض آليات مقترحة لتنمية وإدارة موارد المياه فى مصر مستقبلًا من خلال التوعية والرقابة والمشاركة المجتمعية ومشروعات تنمية الموارد داخليًا وخارجيًا بحوض النيل، كما يُختتَم الباب بتوصيات لترشيد استخدام المياه فى قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والعمران.

وخلال الفصل الخامس من الباب الثالث الذى جاء بعنوان «ترشيد استخدام المياه» فقال الكاتب إنه فى ضوء أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر للأمم المتحدة، أطلقت الحكومة المصرية استراتيجة التنمية المستدامة ٢٠٣٠، وتشمل الاستراتيجية مجموعة من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المخطط إتمامها بحلول عام ٢٠٣٠، التى قد يقيد تنفيذها فى السنوات المقبلة تحدى الشح المائى الذى تواجهه مصر، فطبقًا لتقديرات التعداد السكانى، يتوقع انخفاض نصيب الفرد السنوى من موارد المياه المتجددة بمصر إلى ٥٠٠ متر مربع، بحلول عام ٢٠٣٠، وهو ما يعرف بالشح المائى الشديد فى «مؤشر فالنمارك».

وطبقًا للخطة القومية للموارد المائية حتى عام ٢٠١٧، تواجدت ثقافة الحفاظ على المياه كأحد العناصر الأسياسية فى السياسة المصرية، حيث ارتكزت على ثلاثة مسارات رئيسية، وهى رفع كفاءة استخدام المياه، الحفاظ على جودة المياه، والتحكم فى التلوث وتنمية مصادر المياه، كما استهدفت الخطة إيجاد مصادر جديدة من مياه جوفية عميقة، وتحلية مياه بحر ومشروعات مائية مشتركة مع دول منابع النيل، إلى جانب تعزيز إدارة الموارد من خلال إعادة الاستخدام ورفع كفاءة الرى وزراعة محاصيل أقل شراهة للمياه.

وقد استهدفت استراتيجية تطوير وإدارة موارد المياه فى مصر لعام ٢٠٥٠، تحقيق الأمن المائى طويل المدى لمصر، وذلك من خلال بعض السياسات الهادفة إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب على الموارد المائية المحدودة فى ظل الانتقال المتوقع من حالة الفقر المائى إلى حالة الندرة المائية، حيث ارتكزت الاستراتيجية على المحاور التالية: خفض فاقد المياه فى أعالى النيل وتطوير موارد المياه الجوفية، الحفاظ على المياه فى جميع القطاعات، وإعادة تأهيل البنية التحتية لشبكات الرى والصرف، والحد من تلوث المياه، التكيف مع تأثيرات التغير المناخى على موارد المياه، وتشمل ارتفاع منسوب البحر، واستهداف إدارة متقدمة وعالية الكفاءة للموارد المائية. وتم تطوير هذه الاستراتيجية باستخدام سيناريوهات تفاؤل وتشاؤم بناءً على التنمية الاقتصادية والنمو السكانى والتغير المتوقع فى الطلب على المياه بمختلف القطاعات، إلى جانب عوامل الضغط الخارجية كتأثيرات التغير المناخى وقدمت بعض إجراءات التكيف لنهر النيل والمناطق الساحلية إلى جانب معدلات الأمطار على السواحل وزيادة معدلات البخر وتغير مواسم الزراعة. ووضع الكاتب حلولًا لترشيد استخدام الموارد المائية بدءًا من رفع كفاءة البنية التحتية القائمة من شبكات إمداد وصرف بهدف تقليل الفاقد من التسريب، وذلك من خلال تتبع التسريب وتحسين كفاءة توزيع ونقل المياه، حيث يعتبر الفاقد فى مياه الشبكات بمصر كبيرًا جدًا، مما يستوجب اتخاذ خطوات للحفاظ على المياه من قِبل جميع المستخدمين والحد من الاستخدام المهدر للمياه قدر الإمكان، وبذلك تساهم ثقافة الحفاظ على المياه فى خفض العجز المائى بمصر.

ووجّه الكاتب فى خاتمة كتابه دعوة إلى الحفاظ على مياه النيل من خلال آليات مختلفة، من أهمها الحد من تلوث الموارد وترشيد استهلاكها، وذلك من خلال رفع كفاءة استخدام المياه فى قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والعمران.