رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كفى متاجرة بالأديان

الدين غير الإيمان . فالدين هو مسمى العقيدة التى اختارها الإنسان إيمانا بها واتباعا لمقاصدها العليا سواء كان هذا اختيارا أو ميراثا. أما الإيمان فهو تلك العلاقة التى تتم بين الله وبين الإنسان على أساس هذا الدين وتلك العقيدة . ولذا فالمشاركة فى الدين الواحد لا تعنى التماثل فى حالة وطبيعة الإيمان الخاص والذاتى.
وهنا يمكن أن نقول إن استغلال الدين واستعماله فى الصراعات والمواجهات والملاسنات الدينية . فهذا تحويل للدين من عقيدة دينية تنتج إيمانا حقيقيا وصحيحا يوقر فى القلب ويصدقه العمل ليمجدوا الله الذى فى السموات- إلى أيديولوجية فكرية صراعية ترضى النفس وتحقق الذات بعيدا عن هذا الإيمان والعلاقة الخاصة مع الله. فالإيمان هو التجسيد الصحيح لإرادة الله التى أرادها فى التعددية الدينية حتى للذين يعلنون عدم إيمانهم بالله. هو الاقتناع بأن الله خلق البشر حبا حتى إنه سخر له هذا الكون اللا نهائى. هو إعطاء الآخر ذلك الحق الذى تعطيه لنفسك فى الإيمان والاقتناع بصحيح دينك دون عقائد الآخر. هو عدم تصورك أنك الحاكم والفاحص لإيمان الآخر حتى إنك تحكم عليه بالإيمان أو الكفر بالرحمة أو العذاب!!! ولذا فهل يكون من حق أى مؤمن بدين أن يخرج الآخر من دائرة الإيمان بالله؟ وإذا حدث هذا فهل يكون له أى علاقة بالإيمان بالله الواحد الأحد الذى سيحاسب الجميع والذى من حقه وحده أن يرحم الجميع حسب إرادته العليا؟ ولأن الجميع يتاجر بالأديان وليس بدين معين لأن الإنسان هو الإنسان والأديان كلها هى الأديان بالنسبة لمعتنقيها سماوية وغير سماوية كما نصفها نحن. هنا نرى أن الجميع ينصب نفسه حاكما على من هم على غير دينه بل من هم على غير عقيدته فى الدين الواحد. فوجدنا أخيرا بعض القسس المرضى بالصراع الدينى والعقيدى تصورا منهم أنهم يدافعون عن دينهم وعقيدتهم الصحيحة دون باقى الأديان والعقائد. يقول هذا المريض (إن الزواج البروتستانتي يعتبر زنى !!!)  لماذا ياسيدى؟ لأنه تم خارج الكنيسة الأرثوذكسية. أى أن الأرثوذكسية هى الحقيقة المطلقة والصحيحة على سائر الأديان والعقائد!! بالرغم أن سر الزواج لم يكن موجودا أصلا قبل القرن الخامس الميلادي فى الكنيسة.  ماشى ياسيدى أنت حر فى اعتقادك المريض هذا . ولكن من أعطاك التفويض أن تحكم على زواج تم بالقبول والرضا والإعلان العام بأنه زنى؟ !! وطبعا الزانى لن يعاين ملكوت السموات ..يعنى قد أصبحت الحاكم على من الذى سيدخل أو لا يدخل!! دى المصيبة الأدهى فهذا يعنى أن الأرثوذكس البالغ عددهم عدة ملايين هم الضامنون للجنة دون مليارات البشر الثمانية!!!  فهل هذا إيمان بالمسيحية الحقيقية التى تدعو إلى حب الآخر حتى لو كان عدوا أى أن تحب له الخير. وهل يوجد خير غير أن يعاين الإنسان السماء برحمة الله لكل العالم المؤمن وغير المؤمن؟ وعلى ذلك وعلى ذات القياس نرى أن المسيحى لا يستحق الرحمة ولن يدخل الجنة لأنه غير مسلم!! وهذا يعنى تحويل الدين إلى أيديولوجية صراعية بين الأديان والطوائف فى الدين الواحد نتيجة لحالة المتاجرة بالأديان. والمتاجرة هذه تعنى مبدأ المكسب والخسارة . فمن يأتى إلى دينى فهو مكسب لى وخسارة للآخر!!! فنجد الأخبار والمعلومات المختلقة التى تتدفق على مدار الساعة للإعلان عن عشرات ومئات الذين اعتنقوا هذا الدين أو ذاك !! والأحسن أن يكونوا شخصيات عامة والأهم أن يكونوا ذوي مناصب ومواقع فى الدين السابق!! فوجدنا تحويل كأس العالم فى قطر إلى الدعاية والإعلان عن  أسلمة العشرات عند سماع الأذان . فهل هذا يليق بالإسلام؟ وهل اعتناق أى دين يتم بهذه الصورة وتلك السهولة خاصة إذا كانت الحالة انتقالا من دين إلى دين؟ وهل الإسلام أو أى دين يحتاج إلى هذه الدعاية؟ هذه استهانة بالأديان هنا وهناك حيث إن الممارسات هى ذات الممارسات . هى ذات المتاجرة. وذات الاستهانة . كفى متاجرة بالأديان بل كفى إساءة للأديان . الله خلق الإنسان وأعطاه الحرية فى أن يؤمن أو لا يؤمن وهو الذى سيحاسب الجميع . كن مؤمنا حقيقيا بدينك واترك الحق الآخر بذلك حتى نعلى من القيم الإنسانية التى أرادها الله . فالإنسان والإنسانية قبل الأديان . والأديان ركيزتها الأساسية هذه الإنسانية . حفظ الله مصر وشعبها العظيم بأديانه وإنسانيته.