رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شريك جديد وتهديدات قديمة

السياسة مجنونة، لا توجد لها حدود ولا تنجح لها توقعات.. من كانوا يتقاتلون، أمس، يشربون القهوة، اليوم، فى فنادق فاخرة، ويبحثون عن سبل التعاون.. والحقيقة أن الاقتصاد يحرك كل شىء، وحده من يجعل أعداء الأمس هم أصدقاء اليوم.

مَن كان يصدق أن إسرائيل ولبنان «حزب الله» يتوصلان لاتفاق؟! حتى لو كان التوقيع لم يتم بعد، لكن المباحثات نفسها شىء يثير الإعجاب، ويؤكد لنا أن السياسة ليس لها «كتالوج».

التفاصيل الكاملة لم تُنشر بعد، لكن الحديث شيق والتنازلات التى يقدمها الطرفان لم تكن متوقعة، الاقتراح الأمريكى يستند إلى الخط ٢٣، الموجود إلى أقصى الشمال، وهى ذات الصيغة التى طرحها اللبنانيون قبل عدة أعوام، فيما يقع «كاريش» إلى جنوب غربى هذا الخط، بما معناه أنه سيبقى تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، الحقل الموجود فى الشمال الشرقى، قانا، سيعُطى إلى لبنان، والمفاوضات تدور حول حصول إسرائيل على تعويضات مقابل استخدام جزء صغير من الحقل من قبل لبنان فى مياهها الإقليمية.

تجنبًا للخلافات التى تتعلق بالحدود الساحلية، فإن الأمريكيين اقترحوا أن الاتفاق لن يحسم هذه القضية، وسيتركها مفتوحة. 

من المقرر الآن، أن يبدأ ترسيم خط الحدود على بُعد عشرات الأمتار غربى الشاطئ، حيث تتنازل إسرائيل عن مساحة- كانت ترفض التنازل عنها سابقًا- سيكون بإمكان لبنان أن تدشن منصة بها، وفى المقابل تتوقع إسرائيل تحقيق شىء ما، وهو الردع: فى المنطقة ستكون هناك منصتا غاز، واحدة إسرائيلية وأخرى لبنانية، وهى أداة ردع متبادل فى الجبهة الشمالية، والقاعدة ستكون: إذا هاجمت منصتى، سأهاجم منصتك.

المعادلة السابقة، تحمل تهديدات لإسرائيل، ترك الساحل دون حسم واضح سيكون بؤرة توتر مستقبلًا، هكذا علمتنا التجربة السابقة فى مزارع شبعا والحدود البرية، حيث توجد ١٣ نقطة متنازعًا عليها بحدود مفتوحة دون حل.

من ناحية أخرى، فإن الحديث يدور عن وضع جديد بين إسرائيل وحزب الله، جرى فيه التقاء المصالح الاقتصادية، النزاع على الحدود الوطنية، ليس هو الأزمة الآن، بل إن الحديث عن الأرباح الاقتصادية هو المحرك الأساسى، ولكن هذا لا يعنى أن مسألة الحدود لن تكون فرصة للاشتباك.

من ناحية أخرى، فإن نظرية «ردع المنصات» السابق ذكرها، تفترض أن إسرائيل ستهاجم المنصة اللبنانية حال هاجم حزب الله المنصة الإسرائيلية، والحقيقة أن هذا سيكون مثيرًا للانتقادات حيال إسرائيل من المجتمع الدولى، وسيجعلها تأخذ الموقف بعين الاعتبار، فحزب الله يتحرك كتنظيم فى أغلب الأحوال، وبإمكانه ضرب المنصة، وفى هذه الحالة الحكومة اللبنانية لن تُوجه لها انتقادات دولية، لكن إذا ضربت إسرائيل المنصة فإنها ستتلقى الانتقادات.

المعضلة هنا أنه- بالنسبة لإسرائيل- فإن ميزان الردع القائم بين إسرائيل وحزب الله غير متعادل، تلعب إسرائيل أمام صندوق فارغ. لم يبقَ لدى لبنان الكثير كى يخسره، أما إسرائيل فلديها. 

المعضلة الثانية، أن الاتفاق الجديد الذى يغيّر الموازين، يضع إسرائيل أمام شريك جديد، حسن نصر الله، وليس الحكومة اللبنانية، جميعنا نعرف أن الحزب هو الذى يضع المعايير وبنود الاتفاق، ومكان وضع منصات الغاز، وتوجيه أرباح التنقيب.

حتى لو تم التفاوض، ونجح الاتفاق المبنى أساسًا على مكاسب اقتصادية، فهذا لا يعنى أن التهديدات غير قائمة، وأن الحديث يدور حول شركاء حقيقيين، هناك من لديه الرغبة أن يكون شريكًا للشيطان من أجل الاقتصاد والأموال، لكن من الخطأ الاعتبار أن تلك الشركة هى البديل عن الحل السياسى. هذه شراكة مؤقتة.