رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الورد اللى فتح فى جناين مصر

مصممو الأغلفة الشباب: تأثرنا بأعمال الرواد والتكنولوجيا أصبحت بطلًا فى فن التصميم

مصممو الأغلفة الشباب
مصممو الأغلفة الشباب

أحمد الصباغ: الغلاف الجيد يثير الفضول ويكون غير مـألوف ولا يشبه غيره

منار عادل: لا نملك الحرية الكاملة.. واعتبارات التسويق رقم مهم فى معادلة التصميم 

عبدالرحمن محمد: نجيب محفوظ كاتبى المفضل.. وطورت موهبتى باستخدام الموبايل 

إسلام أحمد: القراءة الجيدة للعمل قبل تصميم الغلاف مهمة لضمان النجاح

حين تتأمل غلاف أول طبعة من كتب مثل «فى الشعر الجاهلى ١٩٢٦»، أو رواية «زينب» ١٩١٤.. أو غيرهما من كتب هذه الفترة.. ستجد أن الغلاف كان عبارة عن ورق أبيض مكتوب عليه اسم الكتاب والمؤلف بخط جميل.. مع تطور إمكانات الطباعة.. ومع مزيد من الانفتاح على العالم، أصبح لدينا فن مستقل اسمه فن تصميم الأغلفة.. وهو فن مستقل عن فن الرسم الصحفى الذى ازدهر فى مصر منذ الأربعينيات على يد أجانب مثل الإسبانى «سانتس»، ومصريين من أصول أجنبية مثل رخا وصاروخان..تطور فن تصميم الغلاف فى مصر مع اتجاه فنانين مصريين كبار لاحترافه قادمين من خلفية الرسم الصحفى والإشراف الفنى على الصحف.. وهما الرائدان «حلمى التونى» و«محيى الدين اللباد» اللذان منحا الكتاب المصرى هوية فنية مميزة منذ الثمانينيات، من خلال إصدارات متعددة لدور نشر مختلفة.. مع هذا الجيل وبعده ظهر جيل آخر فى التسعينيات وبداية الألفية وجيل آخر وسيط.. حتى وصلنا إلى الجيل الأحدث من فنانى صناعة الأغلفة وهو ابن التطورات التكنولوجية القوية والانفتاح على المنتج العالمى عبر الإنترنت.. وهو ما جعل تصميم الغلاف يتأثر بفن «الجرافيك» بأكثر من أى فن آخر بما فيه فن الرسم الكلاسيكى.. «الدستور» تحاور فى هذا العدد أربعة نماذج مختلفة من الجيل الأحدث من فنانى الأغلفة المصريين ضمن مشروعها لتقديم المواهب الشابة فى مصر، وهو مشروع نكتفى فيه بتقديم نماذج واعدة من «الورد اللى فتح فى جناين مصر» دون أن نغلق الباب أمام إمكانية تقديم نماذج أخرى من المبدعين فى نفس المجال فى أجزاء أخرى مقبلة.

«الكتاب بيبان من غلافه».. حقيقة واضحة لا تقبل أى شك، خاصة فى زمننا الحالى، الذى يتميز بقارئ سريع يريد أخذ نبذة سريعة عن العمل الإبداعى الذى يشتريه، فيكتفى فى كثير من الأحيان بالعنوان والغلاف، وقد يمر بصورة سريعة على التصدير والفهرس، لذا أصبح صنع غلاف الكتاب إحدى الركائز الأساسية بالنسبة لدار النشر والكاتب، للتعبير عن تسويق أفكارهم بصورة أسرع.

وعبر التاريخ كان تطور الغلاف يتزامن مع تطور صناعة النشر وشكل الكتاب بشكل عام، وفى العصر الحديث ظهر العديد من الرسامين الذين أدركوا أن الكتاب جزء من القوى الناعمة والمكونات الرئيسية للثقافة والفنون، وعليه يجب التعبير عن محتواه من خلال شكل آخر من أشكال الفن وهو الرسم.

«الدستور» تواصلت مع بعض أهم صناع الأغلفة والرسامين الشباب على الساحة الثقافية، ليتحدثوا عن بداية دخولهم عالم صناعة الأغلفة، والمقومات التى يجب أن يكون عليها الغلاف الجيد، والمميزات التى يجب على صانع الغلاف أو الرسام أن يتمتع بها لكى تصبح أعماله مميزة، وغيرها من التفاصيل فى السطور التالية.

بدأت تجربة الكاتب والمصمم أحمد الصباغ فى صناعة الأغلفة منذ ٨ سنوات، وقبلها قضى فترة طويلة فى حب الكتب والكتابة، إلى جانب التصوير الفوتوغرافى.

وقال «الصباغ»: «أنا لست أحد خريجى كلية الفنون الجميلة، لكنى ظللت سنوات أقرأ بصورة دائمة حتى أستطيع تكوين فكر عن الفنون، ووجدت أن الفنون تبدأ بحب وشغف وموهبة، ثم بالدراسة والممارسة، فإذا امتلكت هذه الأشياء، قد تكون مصمم أغلفة جيدًا».

وأضاف متحدثًا عن نظرته وتعريفه لغلاف الكتاب: «فى رأيى أن غلاف الكتاب بشكل ما هو منتج تسويقى، أو هو عمل فنى بغرض التسويق العملى، لكنه يظل عنصرًا تسويقيًا فى المقام الأول، لأنه يخاطب عميل المنتَج وهو القارئ».

وتطرق إلى المقومات التى تجعل قيمة الغلاف الفنية عالية، قائلًا: «من الضرورى أن يناشد الغلاف الذوق العام، وأن يدرك صانع الغلاف أن الذوق العام شىء متغير من فترة إلى أخرى، فصانع الغلاف يجب أن يكون شخصًا لديه قراءة واعية لذوق الجمهور فى فترة معينة، وعليه مناشدة هذا الذوق». 

وتابع: «بالتالى الغلاف المميز هو الغلاف المناسب للذوق العام فى فترة معينة. فمثلًا بعض لوحات كبار الفنانين فى العالم قد لا يصلح لأن يكون غلافًا لكتاب، لأنه يخاطب فئة معينة، بينما فى الغلاف تجب مخاطبة الفئة الأكبر من الجمهور دائمًا».

وشدد على أن الفن التشكيلى يُمكِن أن يُوظَف فى صناعة الغلاف، كما أن هناك تطورًا فى تقنيات الطباعة، وأصبحت هناك إمكانية لاستخدام الفوتوغرافيا والألوان الجيدة، منبهًا إلى أن الغلاف الجيد يحتوى على قدر من إثارة الفضول، ويجب حين تراه أن تشعر أن لا شبيه له من قبل، أى يكون غير مألوف، ويجب أن تكون ألوانه جذابة، وهذه معادلة صعبة تواجه صانع الأغلفة، وهى توليف الألوان، فيجب أن يكون الغلاف خاطفًا، حتى لو كان بسيطًا. 

ونبه إلى ضرورة أن يقرأ مصمم الغلاف العمل بشكل كامل قبل البدء فى تنفيذه، حتى يستطيع الوقوف على الخطوط الرئيسية للعمل، ويكون محيطًا بأكبر قدر من تفاصيله.

واعتبر أن صناعته أغلفة أعمال دوستويفسكى وشكسبير وباقى الكتاب العالميين، من المراحل المهمة فى تجربته مع صناعة الأغلفة، إلى جانب كتب الدكتور يوسف زيدان، مضيفًا: «كل أغلفة الكتب التى صممتها قريبة لقلبى».

وكشف عن تأثره بكثير من المصممين والرسامين عبر التاريخ، مثل حلمى التونى وجمال قطب ومحيى الدين اللباد وأحمد اللباد، كما أنه يتعلم من بعض المصممين الموجودين حاليًا، مثل أحمد مراد وكريم آدم، وكل من يقدم له وسيلة للتغذية البصرية.

ورأى أن الغلاف تعاظم دوره فى الوقت الحالى، مع وجود ثورة معلوماتية وتكنولوجية وبصرية موجودة، متابعًا: «لو نظرت إلى تاريخ صناعة الغلاف فى مصر والعالم، ستجد أن الغلاف يتطور ويتعاظم دوره.. فى أزمنة سابقة كان الغلاف عبارة عن صفحة بيضاء، أما الآن فيتم بذل مجهود كبير فى صناعته، حتى نستطيع أن نقول إن الغلاف الآن قد يكون مكملًا للعمل، وإن جذب العيون صناعة مهمة، باعتبارها عنصر جذب أو نفور للقارئ».

واختتنم بقوله: «أؤمن أن الغلاف عمل فنى وامتداد بصرى للعمل وعنصر تسويقى مهم، ولكى يحقق المصمم كل هذا عليه بتقريب وجهات النظر مع الناشر والكاتب، وتوظيف جميع الأمور من ألوان وفوتوغرافيا وخطوط للخروج بالغلاف فى أفضل شكل».

مصمم الأغلفة إسلام أحمد بدأت تجربته قبل خمس سنوات تقريبًا، بعد أن تأثر بأغلفة عدد من الكتب التى كان يحرص على قراءتها واقتنائها.

وقال: «كنت من محبى جمع وأرشفة أغلفة الكتب العربية القديمة والبحث فى سير فنانيها وتقصى أخبارهم، ودرست الأدب العربى فى الجامعة، وبالتوازى مع دراستى الجامعية درست التصميم بشكلٍ مستقل، وبدأت تغذية خيالى بالعناصر البصرية المهولة التى كنت أملكها من الأغلفة القديمة، وحاولت تطويرها لإنتاج أغلفة جديدة».

وأضاف: «العلاقة بين الرسم التشكيلى وصناعة الأغلفة كأى علاقة بين نوعى فن متشابهين فى تقديم رؤية بصرية وعالم مختلف، حيث يمكن توظيف الرسم التشكيلى فى فن الغلاف طبعًا، لكن للغلاف خصوصية كبيرة، لأنه يخضع لعدة عوامل، ليس فقط مخيلة الفنان، وإنما إلى جانب مخيلة الفنان روح النص المصمم له، وعوالم الكاتب المستقاة منه، وطبيعة العصر، وهكذا».

وأشار إلى بعض العناصر التى يجب أن يتمتع بها الغلاف الجيد مثل التعبير عن روح النص، ووجود رؤية فنية حديثة تتماشى مع التقدم الهائل فى مجال التصميم الجرافيكى عالميًا، والتباين والتناسق بين ألوان النص وخطوطه، وأن يكون قريبًا من القارئ، وجاذبًا لعينه وخياله.

وواصل «أحمد»: «هناك ضرورة إلى أن يقرأ المصمم العمل قبل أن يبدأ عملية التصميم، وبالتأكيد قراءة العمل مهمة جدًا وتحدد الشكل النهائى للغلاف، ويتوجب على المصمم التفكير فى أحداث العمل وطريقة تنفيذ الغلاف بشكل أفضل، وهذا لن يتأتى من دون أن يملك المصمم معلومات وافية عن الكتاب».

وعن الأشياء التى أثرت فى تكوينه الفنى، قال: «تأثرت أولًا بطرق التصميم القديمة، وكانت معقدة وتجعل عملية تصميم الغلاف وإخراجه صعبة، لأن الأساليب الحديثة كالبرامج ومواقع التصميم لم تكن موجودة، فكانت عملية التجميع والكتابة من أصعب ما يكون. أحببت محيى الدين اللباد الأستاذ الكبير، والرسام جمال قطب، ولوحات حلمى التونى، ومصممى أفيشات الأفلام القديمة».

وتابع: «الغلاف كان وسيظل المدخل الرئيسى لأى كتاب، وأول ما تراه العين، فإما أن يكون عامل جذب للقارئ أو سببًا فى النفور. أعتقد أن كثيرًا من دور النشر حاليًا يولى اهتمامًا كبيرًا بأغلفة الكتب، وبالتأكيد ليست كلها اهتمامات فنية بحتة، لكنها تخدم تسويق الكتاب وتساعد على انتشاره».

وعن مشروعه الأخير فى تقديم أغلفة أعمال الكاتب الفلسطينى الكبير غسان كنفانى، قال: «اعتكفت مؤخرًا على إعادة تصميم أغلفة أعمال الكاتب الفلسطينى غسان كنفانى، وكانت من أنجح المشروعات بالنسبة لى، لأننى طوعت تيمة الكاتب وعالمه فى قالب حداثى وألوان عصرية، والأغلفة لاقت قبولًا بين القراء».

وأضاف: «قرأت قبل سنوات جزءًا كبيرًا من أعمال غسان كنفانى، لكن مع بداية عملى فى مشروع إعادة تصميم أغلفة كتبه أعدت قراءة أجزاء كبيرة من أعماله، إضافة لقراءة مقالات ودراسات عنه، وآراء القراء على كل كتاب، وجميعها أمور أسهمت فى تكوين صورة وافية فى ذهنى لعالمه».

وعن الأعمال التى أثرت فيه ويرشحها للقراء من أعمل «كنفانى» قال: «رواية رجال فى الشمس، والمجموعة القصصية موت سرير رقم ١٢، من أحب أعماله إلى قلبى».

ظهرت موهبة منار عادل فى الرسم فى سن مبكرة جدًا، حيث طورت نفسها من خلال التجربة الشخصية ولم تلجأ إلى الدراسة الأكاديمية.

وأوضحت: «دخلت المجال الثقافى من خلال الرسم للمنصات الثقافية وأبرزها مشروع نوتة، الذى يعيد نشر واكتشاف أعمال كبار الشعراء والأدباء والفنانين بأسلوب فنى جديد على (يوتيوب) وعلى منصات التواصل الاجتماعى».

وقالت: «أنا أعتبر نفسى من مؤسسى نوتة، وأتولى حاليًا منصب المدير الفنى لها، وأعمل على إنجاز غالبية مهام الرسم، إضافة إلى تصميم أغلفة مجلة عالم الكتاب من ٢٠٢٠ تقريبًا وإلى الوقت الحاضر».

وأضافت: «أغلفة عالم الكتاب تعتمد بشكل كبير على فن البورتريه، ولى تجارب سابقة فى رسم الأغلفة ورسم الكتب عامة مثل كتاب (لمسة ولمسة) ضمن مشروع توعية أطفال الصعيد ضد التحرش، ومشروع ضخم بعنوان (حواديت جيكو وزوزو) مع الطبيب النفسى الكبير الدكتور أحمد ضبيع، وهى سلسلة حواديت ضمن مشروع العلاج النفسى بالتراحم، إضافة لأغلفة عديدة رسمتها وصممتها مع دور نشر متنوعة».

تفضل منار الرسم التشكيلى لتصميم الأغلفة على حساب التصميم باستخدام التكنولوجيا، لأنها تؤمن بأن الفارق كبير بين المنتج النهائى للطريقتين، وأن الروح البشرية التى ترسم من البداية إلى النهاية أقرب للقلب من دمج الصور باستخدام برامج الحاسوب.

وقالت: «الفن التشكيلى يستوعب جميع الأشياء التى تتعلق بالإبداع المرئى المصنوع باليد البشرية».

وعن كيفية تصميم غلاف جيد، أوضحت أنها معادلة ليست سهلة، لأنه بإمكان الفنان أن يرسم لوحة عظيمة جدًا، لكنها غير جاذبة، والأمر نفسه يتعلق بالأغلفة.

وتابعت: «يمكن من خلال لمسة بسيطة جدًا تصميم غلاف جذاب، لكن اعتبارات التسويق رقم مهم فى المعادلة، وأحيانًا تقيد الفنان، وهذا ما يفعله كثير من أصحاب دور النشر مع المصممين، يرفضون منحهم الحرية الكاملة، ويجبرونهم على الأخذ فى الاعتبار بملاحظات الكاتب ونظام دار النشر نفسها واعتبارات كثيرة أخرى، والرضا التام للفنان عن الغلاف ليس شيئًا مضمونًا».

وعن الشروط الواجب توافرها فى مصمم الأغلفة قالت: «أولًا الموهبة، وثانيًا أن يكون متمكنًا من أدواته، وأن يطور من نفسه طوال الوقت من خلال التغذية البصرية لخياله، وأن يتحلى باتساع الأفق والصبر والمرونة لتقبل التعديلات والانفتاح على أعمال فنانين من جميع الثقافات».

دخل عبدالرحمن محمد عالم تصميم الأغلفة قبل عامين فقط، وكان وقتها مجرد هاوٍ، لكنه كان شغوفًا بالفن بشكل عام والرسم والتصميم بشكل خاص.

وقال: «لم أكن أجيد الرسم فى البداية، وتدريجيًا بدأت أنجذب أكثر لأغلفة الكتب خاصة أغلفة روايات وقصص نجيب محفوظ، لأنه كاتبى المفضل، ثانيًا لأن معظم أغلفة كتبه صممها الفنان الكبير حلمى التونى وكانت مبهرة بالنسبة لى، وكانت قادرة على جذب انتباهى والتعبير بدقة عن روح العمل، وبعدها بدأت أجرب تصميم الأغلفة على الموبايل وطورت من أدواتى وأصبحت محترفًا».

وعن الفارق بين صناعة الأغلفة فى الماضى والوقت الحاضر ذكر: «لا أرى أن التكنولوجيا تسببت فى تدهور هذا الفن ولكن العكس، أرى أنها أسهمت فى تطويره وسمحت للمصممين بالتعبير عن تفاصيل دقيقة ونقاط جمالية كانت غائبة عن الأجيال الأولى».