رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أقدم كراهية فى العالم

من جديد تم إشعال الضوء الأحمر لمعاداة السامية، ودق ناقوس محذرًا من أن ثمة شيئًا لا يزال يتحرك تحت السطح فى أوروبا. على الرغم من الميزانيات الضخمة التى تضعها إسرائيل فإن معاداة السامية موجودة وواضحة وتأتى الإشارات عنها كل فترة، ورغم اعتبارها «أقدم كراهية» فى العالم فإنها لا تزال هنا.

خلال الأيام الأخيرة، ذكّرتنا «هنجاريا» بأنها مكان تترعرع فيه معاداة السامية فى شرق أوروبا، فى أعقاب عدد من الأحداث ضد السامية كرسم الصليب على مدخل كنيس فى بودابست وإلى جانبه لافتة كتب عليها «الموت لليهود»، وحادثة أخرى، سيطر فيها قراصنة هنجاريون على جهاز الإعلان للقطار فى بودابست وأطلقوا عبره تحريضات قاسية ضد اليهود.

الدبلوماسيون الإسرائيليون وممثلو الجالية اليهودية فى بودابست قالوا إن موجة اللا سامية هذه التى تجتاح هنجاريا تنبع من الخطاب التحريضى لرئيس الوزراء الهنجارى فيكتور أوربان، والذى كانت فيه لزمات متكررة نازية واضحة.

ضوء أحمر آخر جاء من اليونان- الدولة الصديقة لإسرائيل- حيث عينت مؤخرًا نائبة فى المحكمة العليا تدعى مرينتى فجوتالى، كان لديها مدونة خاصة كتبت فيها ضمن أمور أخرى: «اليهود ملاعين، ليت هتلر محاهم تمامًا».

الحادثتان تتسقان مع الدراسات والتقارير التى تؤكد ارتفاع معدلات اللا سامية فى أوروبا ودول العالم. 

فى أبريل الماضى كشفت دراسة أجرتها جامعة تل أبيب عن أن عدد الحوادث المعادية للسامية فى جميع أنحاء العالم قد زاد بشكل كبير عام ٢٠٢١- لم يصدر بعد تقرير عام ٢٠٢٢- وتحدد الدراسة الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وألمانيا وأستراليا من بين الدول التى شهدت ارتفاعًا حادًا. 

وجدت الدراسة أنه فى الولايات المتحدة، التى تضم أكبر عدد من السكان اليهود خارج إسرائيل، بلغ عدد جرائم الكراهية ضد اليهود المسجلة فى عام ٢٠٢١ فى كل من نيويورك ولوس أنجلوس ضعف ما كان عليه فى عام ٢٠٢٠. فى فرنسا، ارتفع عدد الحوادث المعادية للسامية المسجلة بنحو ٧٥٪ مقارنة بعام ٢٠٢٠. فى كندا، أفادت مجموعة يهودية رائدة بـ٤٠ عامًا من العنف الجسدى المعادى للسامية فى شهر. فى المملكة المتحدة، ارتفع عدد الاعتداءات الجسدية المسجلة ضد اليهود بنسبة ٧٨٪ مقارنة بعام ٢٠٢٠، وكذلك فى ألمانيا وأستراليا.

ما قد لا يكون واضحًا على الفور هو أن معاداة السامية المعاصرة يجب أن تكون مصدر قلق كبيرًا ليس فقط لليهود، الذين تؤثر عليهم بشكل مباشر أو غير مباشر، ولكن أيضًا لأولئك خارج المجتمع اليهودى، ورغم أنها تدل على كراهية الشعب اليهودى، فإن معاداة السامية تهدد فى الواقع جميع المجتمعات، وهى مؤشر على مشاكل أكبر. لقد أظهر لنا التاريخ، مرارًا وتكرارًا، أن الخطاب الذى يستهدف اليهود فى البداية سرعان ما يتسع ليشمل أعضاء آخرين فى المجتمع. من ناحية أخرى، فإن ظهور معاداة السامية لا يرتبط بحجم أو وجود الجالية اليهودية، ففى بعض الأحيان تظهر فى مجتمعات أعداد اليهود فيها قليلة. ووفق ما قالت المديرة العامة لليونسكو أودرى أزولاى، فإن الأمر لا «يتطلب حتى وجود جالية يهودية للتكاثر»، بل: «إنه موجود فى أشكال ومظاهر دينية واجتماعية وسياسية، على جميع جوانب الطيف السياسى».

على سبيل المثال، يتم الهجوم على اليهود لكونهم «رأسماليين» وكذلك «شيوعيين»؛ لكونهم أغنياء أو فقراء، لكونهم منعزلين أو عالميين، إنهم متهمون بالسيطرة على العالم، أحيانًا من خلال شخصيات دمى، وإدارة وسائل الإعلام والحكومات والاقتصادات سرًا. 

ولكن بقدر ما تضع معاداة السامية «اليهود» فى مركز كل ما هو سيئ فى العالم، فإن الخطاب المعادى للسامية لا علاقة له باليهودية كديانة.