رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة «الألبينو».. «الدستور» تكشف معاناة «أعداء الشمس»: نار تحرق أجسادهم

بينما تبدو قضية تغير المناخ من القضايا النخبوية التى لا تهم الجمهور، فإن آثار ارتفاع درجات الحرارة تطال الجميع، وتتحول إلى كارثة مدمرة وكابوس ينغص حياة مرضى «الألبينو» أو «المهق»، أولئك الذين تحترق جلودهم تحت أشعة الشمس، بسبب طفرة جينية ينتج عنها غياب صبغة الميلانين، وهى الصبغة الطبيعية التى تنتجها خلايا خاصة فى الجسم تسمى الخلايا الصباغية، لمنح لون معين لكل من الجلد والشعر والعيون، وتلعب دورًا مهمًا فى حماية الجلد من الأشعة فوق البنفسجية.

ولا يعانى مرضى «المهق» من ارتفاع حرارة الجو فحسب، لكن تكويهم الأسعار الباهظة للكريمات الواقية من أشعة الشمس، إضافة إلى معاناتهم من ضعف الإبصار، واضطرارهم لارتداء ملابس شتوية فى الصيف لحماية بشرتهم من الاحتراق، وزيادة احتمالية إصابتهم بسرطان الجلد، وكلها أمور تضاعف من معاناتهم.

«الدستور» التقت مجموعة من مرضى «الألبينو» أو «المهق»، وهو مرض وراثى لا يفرق بين رجل وامرأة، وذلك لنتعرف على معاناة هؤلاء الذين يطلق عليهم «أعداء الشمس» خاصة فى فصل الصيف، واستطلعت رأى مجموعة من المتخصصين حول هذا المرض المؤلم.

أحمد: مضطر للخروج فى أى وقت.. وأنبوبة «واقى الشمس» بـ400 جنيه

فوق بشرة «أحمد» تكونت بقع تحول لونها من الأزرق الغامق إلى البنى المحروق.. البقع تروى جزءًا من معاناته فى فصل الصيف بسبب تعرضه لأشعة الشمس حتى لدقائق معدودة.

«أحمد»، الذى ينتمى إلى صفوف «أعداء الشمس» «الألبينو»، يروى، لـ«الدستور»، أنه لا يقدر على توفير الاحتياطات اللازمة لحماية جلده من حروق الشمس القاتلة التى قد تؤدى إلى إصابته بمرض سرطان الجلد، كما هو معروف عن مخاطر تعرض «الألبينو» للشمس، إذ إنه، ولكونه واحدًا من مرضى «الألبينو»، فإن لديه بشرة تحتاج وقاية خاصة من أشعة الشمس خاصة فى فصل الصيف.. لكن تحقيق هذا صعب.

يقول: «الشغل ما بيرحمش، وأنبوبة واقى الشمس الواحدة بـ٤٠٠ جنيه».. موضحًا أن عمله بوظائف عدة من أجل كسب لقمة العيش كان السبب وراء «البقع»، إذ إنه فى كل وظيفة لا يعترف المسئولون بما يعانيه مرضى «الألبينو» والظروف الخاصة التى يجب أن يعيشوا فيها.

آخر تلك الوظائف، حسب أحمد، هى وظيفته الحالية، إذ يعمل مندوب توصيل بإحدى شركات الشحن، ومن ثم يكون مجبرًا على الخروج فى أى وقت من اليوم وإلا فهو مهدد بالطرد من العمل.

أمام كل هذا لا يستطيع «أحمد» حماية نفسه وبشرته، إذ إنه حاول اللجوء لشراء واقٍ من الشمس، بما يتناسب مع حاجة «الألبينو»، لاستخدامه بفترات النهار، ولكن وجده باهظ الثمن وأعلى من قدراته المادية.

كما أن العبوة لا تكفى لأكثر من ٣ أيام فقط، لأنه يجب أن يُدهن كل جزء من أجزاء البشرة حتى ولو كان صغيرًا.

دراسة: 66.37% من المرضى «زواج أقارب»

نشرت المجلة المصرية لعلم الوراثة البشرية الطبية دراسة استخدم فيها الباحثون فهرس العيادات الخارجية لتحديد الحالات المشخصة بـ«المهق»، والمُحالة من أقسام الأمراض الجلدية وطب العيون ذات الأمراض الجلدية الجينية المختلفة على مدى ٤٣ عامًا. وأجريت الدراسة بأثر رجعى لتحديد التكرار والأنواع والعرض السريرى والأخطاء الجينية المرتبطة بمرضى «الألبينو» وأقاربهم، بالتنسيق مع عيادات الوراثة، ومستشفيى جامعتى عين شمس والقاهرة. وتبين أن معدل الإصابة بـ«المهق» فى الدراسة ٢٠.٤٪ من مرضى الجلد الجينى و١ لكل ٥٨٤٣ مريضًا يحضرون إلى مستشفى الأطفال. كما تم الإبلاغ عن زواج الأقارب بين والدىّ ٦٦.٣٧٪ من المرضى، والإبلاغ عن تاريخ عائلى إيجابى فى ٤٦.٠١٪ منهم، وحتى الآن لا توجد إحصائية واضحة عن أعداد مرضى «الألبينو» فى مصر.

محمد مختار: نضطر لارتداء «ملابس ثقيلة» فى الصيف

«معاناتنا أضعاف معاناة الشخص الطبيعى مع فصل الصيف خاصة فى ظل ارتفاع درجات الحرارة الملحوظ بالسنوات الأخيرة».. يقولها محمد مختار، محفّظ قرآن «ألبينو» بمحافظة دمنهور، موضحًا أنه «فى الوقت الذى يرتدى فيه الجميع الملابس الخفيفة وأحيانًا (النص كم) بهذا الفصل نرتدى نحن ملابس ثقيلة نحاول فيها حجب أشعة الشمس عن أجسادنا إلى حد ما.. وكل ملابسنا بـ(كم كامل)».

وأضاف: «عليك أن تتخيل كم الحرارة المرتفعة التى نضطر لتحملها لكى نحمى بشرتنا».

أما فى حال إذا استسلم مريض «المهق» لأشعة الشمس أو أجبرته الظروف على ذلك يصبح حال المريض وكأن «كلابًا تنهش فى لحمه وبشرته».. هكذا يصف «محمد» المعاناة.

الأمر لا يتوقف عند معاناة مرضى «الألبينو» من عدم استطاعتهم توفير الكريمات الواقية من الشمس فى فصل الصيف تحديدًا فقط، بل إنهم يعانون بشكل عام من ضعف فى الإبصار بصورة كبيرة، وفى فصل الصيف بشكل خاص، وذلك نتيجة إصابتهم بما يعرف بـ«رأرأة العين» التى تزيد مع التعرض لأشعة الشمس. وأشار إلى أن ضعف الإبصار هذا يستلزم أن يتابع المريض باستمرار مع أطباء العيون، لكن مع ارتفاع أسعار «كشف الأطباء» يحتاجون إلى «أطباء عيون بصورة مجانية أو مُدعمة». ويقول «محمد»: «الدولة ترعى الكثير من الفئات ونتمنى أن تلتفت إلينا أكثر»، لافتًا إلى أن الكثير من المواطنين لا يعرفون شيئًا عن «الألبينو».. ليس فقط على مستوى ضرورة تقبلهم بالمجتمع وعدم التنمر عليهم، بل على مستوى الرعاية الصحية والطبية التى ينبغى أن تتوافر لهم.

عفاف: قادرون على العمل فى الظروف المناسبة

«عفاف» فتاة فى العشرينات من عمرها، تعمل حاليًا فى مجال التدريس بعد تنقلها بين عدد من الوظائف بسبب كونها هى الأخرى من مرضى «المهق».

تقول إن من لديه المقدرة المادية فقط من مرضى «الألبينو» هو من يستطيع حماية نفسه من سرطان الجلد إلى قدر كبير، وكذلك حماية نظره من تدهور تام به، بل والدفع به إلى شىء من التحسن التدريجى. وأوضحت أن هؤلاء قلة، وذلك لأن التكلفة المادية لحفاظ مرضى «الألبينو» على أنفسهم من الإصابة بالعديد من الأمراض كبيرة، وتحتاج إلى أن يكون مريض «الألبينو» لديه فرصة عمل يستطيع من خلالها توفير دخل يساعده على ذلك، لكن الأزمة أن هؤلاء يكاد يكونون غير مرحب بهم على الإطلاق فى سوق العمل. وأضافت: «حاولت العمل فى عدة جهات، ولكن كان هناك دائمًا تنمر علىّ واعتبار أننى من ذوى الاحتياجات الخاصة، وأنا لست كذلك»، مشيرة إلى أن «الأغلبية تعتبر مرضى (المهق) لا يستطيعون الإنتاج أو إنجاز الأعمال المختلفة، على عكس الصحيح، إذ إن كثيرًا من مرضى (الألبينو)، كما تقول، قد أثبتوا تفوقًا فى عدد من مجالات العمل حين توافرت لهم الظروف التى تساعدهم مثل العمل مساءً». وتمنت «عفاف» من الدولة أن تتبنى إنشاء كيان أو «نقابة» تختص بمتابعة «الألبينو» وتهتم بأمورهم وتنقل احتياجاتهم، وعلى رأسها الاحتياجات الصحية، مثل توفير تأمين صحى خاص لهم يمكن من خلاله صرف الأدوية والفيتامينات المختلفة التى تعوض نقص تعرضهم للشمس. ودعت إلى توفير أدوات طبية مدعمة لهم، مثل بعض النظارات الواقية وغيرها، بالإضافة إلى تبنى هذا الكيان عرض احتياجات هؤلاء الفئة الاجتماعية، ومن بينها ضرورة توفير فرص عمل ملائمة لهم. كما دعت «عفاف» أن يكون لهذا الكيان دور فى تعريف المجتمع بـ«الألبينو» بشكل مفصل، موضحة أن هناك نقصًا كبيرًا فى المجتمع المصرى كافة فى الوعى عن «الألبينو»، وهو سبب رئيسى فى أغلب مُشكلاتهم، خاصة مع الزيادة الواضحة فى عددهم.

 

مصطفى همام: نقص صبغة «الميلانين» السبب فى معاناتهم

قال الدكتور مصطفى همام، استشارى الأمراض الجلدية، إن نقص الصبغة المسئولة عن لون الجلد «الميلانين» لدى هؤلاء الأشخاص تتسبب فى حدوث أعراض المهق، وعدم وجود أى شىء يحميهم من أضرار أشعة الشمس، ما يعرضهم لخطر الإصابة بسرطان الجلد وحروق خطيرة.

وأضاف «همام»: «يعد استخدام الكريمات الواقية من الشمس عالية التركيز (٥٠+) أمرًا ضروريًا لهم، والكريمات ذات التركيز الأقل من ذلك لا جدوى لها، وأدعو وزارة الصحة لتوفير هذه الكريمات لهم، وإطلاق حملات للكشف عليهم والتأكد من عدم إصابة أحد منهم بسرطان الجلد»، مؤكدًا أن زواج الأقارب من أسباب انتشار هذا المرض.

أيمن سمير: سعر الكريم يبدأ من 389 جنيهًا

كشف أيمن سمير، صيدلى، عن أن كريم الوقاية من الشمس المناسب لبشرة مريض «الألبينو» سعره يبدأ من ٣٨٩ جنيهًا، ويجب أن يدهن فى كل المناطق المعرضة للشمس بالكامل كل ساعتين.

وقال «سمير»: «الأنواع الأخرى من كريمات الوقاية من الشمس غير الأصلية لا تفيد مريض المهق، فهو يحتاج إلى تركيز عالٍ لتكوين طبقة حماية جيدة لبشرته».

نهلة عبدالوهاب: يعانون من نقص فيتامين «د»

أكدت الدكتورة نهلة عبدالوهاب، استشارى المناعة بجامعة القاهرة، أن مرضى «الألبينو» يصابون بنقص فى عدد من الفيتامينات الضرورية، بسبب عدم تعرضهم لأشعة الشمس، وعلى رأسها فيتامين «د» المهم للجسم، ما يصيبهم بالخمول الشديد لهم وآلام المفاصل إضافة إلى التأثير على معدلات النمو لديهم. وشددت على ضرورة المتابعة الطبية الدورية لهؤلاء المرضى، خاصة الكشف عن نسبة فيتامين «د»، وإجراء فحوصات أخرى مثل الكشف عن الأورام.

إيهاب سعد: لا توجد تقنية لتحسين نظرهم حتى الآن

ذكر الدكتور إيهاب سعد، استشارى أمراض العيون، أن ذوى البشرة البيضاء «الألبينو» لا يرون الأشياء إلا من على بُعد ٤ سم فقط، مشيرًا إلى أنهم لا يرون كل تفاصيل الأجسام بل يميزون بعض العلامات فقط.

ولفت إلى أنه لا توجد حتى الآن تقنية لعلاج ضعف النظر لدى «أعداء الشمس»، لكن هناك بعض التعليمات التى يجب اتباعها كى لا تزداد حالتهم سوءًا، من بينها ارتداء نظارات داكنة اللون لتحمى أعينهم من أشعة الشمس بأكبر قدر ممكن.

وأضاف أنه يجب على الدولة تقديم خدماتها الطبية والعلاجية لهذه الشريحة، أسوة بغيرهم من الفئات، وتتمثل أبرز الخدمات التى يحتاجون إليها فى الكشف على العيون وعمل النظارات مجانًا.