رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«قصة السكان والأرض فى مصر».. كتاب يناقش أبعاد وقضايا المجتمع المصرى

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

من قديم الزمان قال هيرودوت فى وصف رحلته إلى مصر إن: "مصر هبة النيل ولكن هذا الوصف لم يكن إلا تعظيما واعترافًا بدور النيل فى حياة المصريين، منذ أن هبط الإنسان المصري من على نهضة منذ عشرة آلاف عام ونزل على هذه الأرض قد اكتسب اسمه من الأرض نفسها" إن هؤلاء المصريين الذين عاشوا فى عصر ما قبل التاريخ المدفونين فى أقدم الجبانات كانوا أقدم مجتمع عظيم على الأرض استطاع أن يضمن لنفسه غذاء ثابتًا باستثناء الوارد البرية من نبات وحيوانات" كلمات بدأ بها المؤلف ماهر فرج الدويري، كتابه "قصة الأرض والسكان في مصر".

ويضم الكتاب بين دفتيه 317 صفحة مقسمة إلى 7 أبواب، مقسمة إلى فصول كل فصل يتحدث عن قضية من قضايا المجتمع، منها الفقر والزواج المبكر والجريمة ووضع المرأة، بينما تتحدث الأبواب السبعة في مجملها عن سكان مصر وتغيرات أوضاع السكان، والنمو السكاني كما فى الفصل الأول، كما يتناول المؤلف في الفصل الثاني الصراع بين الأرض والسكان، والفصل الثالث حول أسباب الزيادة السكانية المطردة، بينما الفصل الرابع عن الخصاص العامة للسكان، والفصل الخامس التأثير الخطير، والفصل السادس والأخير يتناول قضية تحليل القضية، بينما في الفصل السابع يقدم الكاتب العلاج لكل ما قدمه.

وقال الكاتب: في مقدمة الكتاب: "إن هذا الشعب العريق يتمتع بتركيبة سكانية عجيبة لا مثيل لها في العالم، فقد ظل المصريون على اختلاف طبقاتهم وعقائدهم وأوضاعهم شعبًا متماسكًا رغم ما طرأ عليه من أحداث أو ما واجه من غزوات، وقد اندثرت قرى قديمة لأسباب مختلفة، ولكن هذا الشعب استطاع أن يقيم قرى أخرى ضمانًا للإقامة والاستقرار".

واستعرض الكاتب علاقة الإنسان المصري بالأرض والتركيبة السكانية وطبقات المجتمع، وفروق السن بين الأجيال، وقصة التعامل مع الأرض والحياة الاجتماعية والأمية ومدى التأثير عليها، وكشف عن التوزيع الخاطئ للسكان في بعض العصور.

وأكد الكاتب ماهر فرج أن الشعب المصري أول ما عرف المدنية، وأول من بنى حضارة متعددة الجوانب فى مجالات الزراعة والصناعة والعلوم والآداب والفنون لأنه التصق بهذه الأرض فإنه أحسن إدارتها والانتفاع بها، ولذلك راح ينظم مشروعات الرى من النيل وقنواته، وأن يعرف كيف يزرع محاصيل متنوعة تكفى احتياجاته على مدار العام، وأن تكون له أسرة مستقرة يعمل فيها الزوج والزوجة مع الأولاد الذين يتعلمون أو يعملون، وأن يكون للمرأة وضع متميز عن وضعها عند الشعوب الأخرى فهى تظهر مع الرجل في اللوحات المرسومة جنبًا إلى جنب.

وأوضح المؤلف كان فن الهندسة عند المصريين أرقى من كل ما عرفه عنه اليونان والرومان أو عرفته أوروبا قبل الانقلاب الصناعى ولم يتفوق فيه إلا عصرنا الحاضر.

وضمن محاور الفصل الباب الثالث، فى الفصل الرابع يتحدث الكاتب ماهر فرج عن ظاهرة الزواج المبكر، التي ربطها المؤلف بعدة عوامل منها: الفقر والجهل وطريقة التسنين، قائلًا: "إن بعض الأسر المصرية التي تقع تحت خط الفقر تجد فى زواج البنت فرصة للتخلص من أعباء إعالتها، وخاصة إذا كان العريس ميسورًا، وهذه الظاهرة واضحة في قرى الريف والأحياء الشعبية في المدن.

وتابع الكاتب: "أن الفقر هنا يرتبط أساسًا بواقع صعب تعيشه الأسرة وهو ناجم بطبيعة الحال من أسباب قهرية ضاغطة ، فقد يكون العائل متعطلًا عن العمل ولا يستطيع الحصول على دخل يكفى توفير احتياجات الأسرة الضرورية، وقد يرجع هذا بسبب كثرة الأبناء عن الحد المعقول وبالتالي تكثر مطالبهم فى جميع مراحل العمر، والفقر هنا لا يمثل وضعًا شائًكا للأسرة ولكنه يعبر عن حالة خطيرة ترزح تحت وطأتها شريحة كبيرة من السكان، وهذا الزواج لا يمثل خطرًا على الفتاة فحسب بل على المجتمع".

كما تطرق الكاتب إلى مفهوم العزوة هذه الفكرة تسود فى الريف وخاصة فى الصعيد، حيث يفتقد الناس إلى الأمن الاجتماعى أو الشعور بضرورة أن يكون لديهم عائلات كبيرة العدد يمكن أن توفر لهم الحماية وصد عائلات أخرى، وهذا واضح فى أن الصدام يكثر بين العائلات الكبيرة أكثر من العائلات الصغيرة، وعلى مدار أجيال فى العصر الحديث وقعت أحداث بين عائلات كبيرة فى الريف وتحولت إلى عادات ثأر فيما بينهما.

كما أن هذه الصدامات أخذت أبعادًا أخرى فى التمتع بقوة النفوذ والحصول على مواقع معينة فى مؤسسات الدولة، وقد يكون هناك اتجار فى المنوعات أو الاستيلاء على صفوف الآخرين.

وهكذا تتحول العزوة من مجرد الحصول على عائد أو حماية للأسرة إلى ما يشبه الحصانة الاجتماعية بل تصبح غرفًا شائعًا فى مقابل القانون العام بل أحيانًا تتحول إلى ما يشبه الانقلاب عليه، وإن العزوة الحقيقية تتحقق فى ظل مبدأ أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون، وأن كل فرد له من الحقوق ما يستحقه وعليه من الوجبات ما يؤديه، هذا ما تؤكده الاتجاهات العامة فى الدساتير والقوانين والتشريعات.

واستعرض الكاتب أيضا خلال صفحات الكتاب بعض الظواهر السلبية فى المجتمع مثل ظاهرة التسول ورصد لحالة الجريمة والانفلات الأخلاقى، ظاهرة أطفال الشوارع، البطالة وأنواعها، وخطورتها ومواجهة البطالة، والهجرة، والهجرة إلى الخارج، والهجرة غير الشرعية.

ومن الظواهر التي تناولها الكاتب ظاهرة وضع اليد التي ظهرت هذه الفكرة فى القرن العشرين، وتعنى أن أي شخص وضع يده على قطعة أرض فضاء أو صحراء لمدة أكثر من 15 عامًا ولم يتعرض له أحد، فإن هذا الواقع يتيح له أن يصبح حائزًا لشىء لم يرثه ولم يدفع فيه ثمنًا، وهذا الوضع فتح الباب أمام أقوياء للاستيلاء على أراض والتصرف فيها مع مرور الزمن، وهناك صعوبات فى استردادها بعد أن ضاعت معالمها وتعددت التصرفات فيها.