رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملاحظات على الزيارة

الساعة الدولية تدق بصورة أسرع، لا يوجد يوم بلا دراما، لا يوجد أسبوع بلا حدث، فعندما نعيش فى القرية العالمية كل شىء يكون مكشوفًا، والكل يشاهد، كل يوم، ما يجرى فى كل مكان، فى حينه لا يمكننا الاكتفاء بالمراقبة من المدرجات.. فهل نحن مستعدون لأن نقرأ العنوان على الحائط ونستنتج الملاحظات؟

منذ زيارة بايدن السابقة إلى إسرائيل فى ٢٠١٦، حين شغل منصب نائب الرئيس أوباما، تغيرت أمور كثيرة فى الشرق الأوسط، وما كان يهرب منه بايدن خلال السنوات الأخيرة أصبح هو ما يذهب إليه الآن.. الأمور لا تستدعى العجب .. فهذه هى السياسة.

مع السعودية، كانت العلاقات متوترة بسبب مقتل جمال خاشقجى، واليوم يريد بايدن ترميم العلاقات مع الرياض كى يضمن تزويد السعودية الغرب بالنفط وخفض أسعاره بهدف لجم صعود التضخم.. فى اللحظة الحرجة يتفوق الاقتصاد على الأيديولوجيات.

وما كانت واشنطن تركز عليه من موضوعات مثل النووى الإيرانى، والحرب فى اليمن، وإرهاب الحوثيين الذين أزالت الولايات المتحدة تنظيمهم من قائمة التنظيمات الإرهابية- أصبح فى ذيل قائمة أولويات بايدن الآن، ليس هذا فقط، بل تتوقع دول من الولايات المتحدة استئناف تزويدها بصواريخ دقيقة مضادة للصواريخ، بعد أحاديث عن وقف صفقات السلاح الأمريكى لدول المنطقة.

حتى «اتفاقات إبراهيم» التى حققها ترامب ونتنياهو، وتعامل معها بايدن وأنصاره، حينما كانوا فى موقع المعارضة، بشىء من التحفظ واللامبالاة، تحولت الآن إلى حجر الأساس لكل الخطوات التى يجرى التخطيط لها من قبل رجال البيت الأبيض.

والحقيقة سواء اعترف بايدن أو لا، فهو يتبنى توجه نتنياهو وترامب بشأن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربى، لكنه يريد أيضًا الدفع قدمًا بتسوية مع الفلسطينيين من دون التخلى عن حل الدولتين.. وكلنا نفهم أن عليه أن يتحدث عن حل الدولتين انطلاقًا من أيديولوجية الحزب الديمقراطى.

اللحظة المهمة الآن هى التحول من فكرة الخروج الأمريكى من الشرق الأوسط قبل سنوات، والعودة إليه الآن، والفضل يعود إلى «حرب روسيا على أوكرانيا».. وحتى لو اتضح أن هذه التوقعات مبالغ فيها وسابقة لأوانها، فالتلميحات من واشنطن بأنها لن تتخلى عن الشرق الأوسط- وهى تقر بالمخاوف الأمنية لحلفائها- تعتبر تطورًا إيجابيًا، والزيارة ضمن أهدافها المركزية التشديد على أن واشنطن لا تزال تولى الشرق الأوسط أهمية.

بالنسبة لإسرائيل فإن أهمية زيارة بايدن تنبع من مجرد القيام بها، ومن إجرائها على الرغم من التطورات السياسية فى إسرائيل، وعلى الرغم من وجود رئيس وزراء لحكومة انتقالية.

فالزيارة تحمل «رمزية» خاصة ورسالة مفادها أن الولايات المتحدة لا تزال إلى جانب إسرائيل، فزيارة بايدن «القبة الحديدية»، حيث قررت واشنطن تقديم رزمة مساعدة بمليار دولار لإسرائيل لتعبئة مخزون صواريخ الاعتراض الخاصة بالقبة الحديدية بعد حملة حارس الأسوار- تحمل رمزًا بأن القيادة الأمريكية لا تزال ملتزمة بأمن إسرائيل.

وزيارة بايدن الأماكن الدينية المسيحية فقط، مثل كنيسة المهد وبيت لحم، وعدم زيارته رام الله، تعطى انطباعًا بأن الزيارة للفلسطينيين دينية وليست لأهداف سياسية.

والملاحظة الأخيرة أنه رغم أن السعودية هى المحطة الرئيسية فى زيارة بايدن، فإن توقفه فى إسرائيل نابع من تعلم بايدن من تجربة أوباما عندما زار السعودية وتخطى إسرائيل، وما كلفه هذا من خسارة كبيرة، ليس فقط داخل إسرائيل بل أيضًا وسط اليهود فى أمريكا، ومع خسارته هذه الثقة تآكلت أيضًا قدرة أوباما على التأثير.. وأصبح الحزب الديمقراطى وإسرائيل بقيادة نتنياهو فى موقع مواجهة، الآن يتم تصحيح هذه الأخطاء.