رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار الاقتصادى أولًا

تستعد مصر لانعقاد جلسات "الحوار الوطنى" خلال أسابيع قليلة.. الحوار فريضة فى كل وقت وتخفيف الاحتقان السياسى أمر محمود لا شك فيه.. تتوالى الإفراجات عن عناصر كانت محبوسة على ذمة قضايا يمكن تصنيفها كلها فى إطار "مساعدة جماعة الإخوان" إما بالقول أو بالفعل أو باتصالات فعلية مع عناصر الجماعة فى الخارج.. الإفراجات تراعى أن الظروف تغيرت وتراهن على أن المفرج عنهم ليسوا متورطين أساسيين فى نشاط الجماعة وبالتالى فإن استمرار الحبس ليس مطلوبًا فى حد ذاته.. الحوار مع أهل الاختصاص مفيد بلا شك لصانع القرار كما أنه يعطى صاحب الاختصاص إحساسًا بالقيمة والتقدير فى بلده وهذا أيضًا أمر محمود ومطلوب ولا غبار عليه.. المشكلة أننا كعادتنا فى النخبة المصرية نحاول تحويل كل ظرف لمصلحتنا الشخصية كأفراد أو كجماعات حتى لو لم ندرك هذا.. الرئيس دعا إلى "حوار وطنى".. لكن بعض الأطراف تعامل مع الأمر وكأنه دعوة إلى "مفاوضات"! هناك فارق كبير بين الحوار وبين "التفاوض".. الحوار يسمع فيه كل الأطراف بعضهم البعض، وتسمع المعارضة أيضًا من الدولة كما تسمع الدولة من المعارضة.. فى التفاوض يتخيل البعض أن لديه مطالب لا بد من تنفيذها وأنه جاء ليتحدث فقط دون أن يسمع.. وهذا خطأ كبير فى تصور الحوار وفى تصور حقائق القوة على الأرض.. بمعنى أننى يمكن أن أسأل ما هى القوى الاجتماعية التى تعبر عنها هذه الأحزاب المدعوة للحوار وهل تجعلها ندًا للدولة فى حالة إقرار سيناريو "التفاوض"؟

النقطة الأهم أنه فى هذه المرحلة الحرجة فإن الحوار الاقتصادى لا يقل أهمية عن الحوار "السياسى".. الحوار الاقتصادى يقتضى نوعًا من الواقعية الشديدة.. النخب الاقتصادية المصرية أصبحت أمرًا واقعًا.. هذه النخب أعيد تشكيلها بعد قرارات الانفتاح الاقتصادى واختلط فيها ما هو طيب بما هو خبيث.. وما هو حلال بما هو حرام.. العشر سنوات الأخيرة من حكم الرئيس مبارك شهدت تجاوزات وفسادًا واستيلاءً على أراض وشركات وأموال بنوك ربما لم يكن محل رضا منه هو نفسه.. الأمر لخصه عالم الاقتصاد د. محمود عبدالفضيل فى تعبير "رأسمالية المحاسيب".. غابت كل مميزات الرأسمالية من تنافس وتكافؤ فرص وإمكانية الصعود لأى موهوب وبقيت العيوب والخطايا.. كل هذا معروف ويدركه الرئيس السيسى أكثر من غيره ويعرف ماذا حدث بالجنيه والمليم.. لكن الواقعية تقتضى أن نفسح الفرصة مرة أخرى بقواعد لعب جديدة ونظيفة.. ما حدث قد حدث بالفعل، والمليارات التى تراكمت يجب أن تعمل كلها فى السوق المصرية ليستفيد منها المصريون وفق قواعد لعب جديدة وشفافة.. تتيح للجميع الكسب لا النهب والعمل لا اصطياد الفرص.. من المدهش جدًا أن يفصح الرئيس عن أن الدولة منذ توليه تتيح للمطورين العقاريين الأرض مقابل نصف وحدات المشروع.. ما كان يحدث قبل هذا أن الدولة منحت أحد رجال الأعمال آلاف الأفدنة مقابل ثمانية جنيهات للمتر!! هذا الرجل يعمل وفق قواعد الدولة الجديدة ويربح أيضًا الكثير.. والمعنى أنه كان يدفع فى الماضى أيضًا ولكن من "تحت الترابيزة".. لو لم يفعل السيسى شيئًا سوى القضاء على نهب مقدرات الدولة لكفاه وكفانا فخرًا.. ما أريد أن أقوله إن السياسة ليست مثالية.. مطلوب الاعتراف بالأمر الواقع.. مطلوب حوار مفتوح مع أصحاب رءوس الأموال حتى لو كنا نعرف أن بعض الماضى ليس مشرفًا.. مطلوب الاستماع لكل المشاكل وحلها.. هناك أجيال جديدة صعدت لإدارة ممتلكات المائة عائلة التى قيل إنها كانت "تملك معظم الثروة فى مصر"، هذه الأجيال مطلوب الحوار وفتح الجسور معها.. أعرف أن ما أقوله يتم تنفيذه بالفعل وأن الرئيس مثلًا قابل بعض رجال الأعمال لتحيتهم على تبرعهم لمشروع "حياة كريمة" وتشجيعهم على هذا المسلك.. وأنه بالتأكيد هناك قنوات للحوار.. المطلوب توسيع هذه القنوات وتدعيمها ودعوة رؤساء الاتحادات والجمعيات التى تمثل رجال الأعمال للحوار العلنى وتشجيعهم على أن يطرحوا مشاكلهم وأن يدخلوا فى أنشطة التصنيع الجديدة.. موزعو السيارات ومستوردوها مثلًا.. مطلوب توجيههم ومساعدتهم للمساهمة فى أنشطة تجميع وتصنيع السيارات الجديدة فى بورسعيد.. بحيث لا نخسر رءوس أموالهم الموجودة فى السوق ولكن فقط نعيد تدويرها.. نفس الأمر بالنسبة لرجال الأعمال المهتمين بالزراعة يجب التفاوض معهم حول المشاركة فى مستقبل مصر والدلتا الجديدة فى مقابل السماح لهم بالعمل فى المجالات الأكثر ربحًا مثل التطوير العقارى والمطاعم والسياحة.. إلخ.. ما أريد أن أقوله إن الحوار الاقتصادى لا يقل أهمية عن الحوار السياسى وإننا يجب أن نتعامل معه بواقعية وأن نرفع شعار "اللى فات مات" وأن نتعامل بسياسة "نشاط تنموى" مقابل "نشاط ربحى"، بمعنى أنك كرجل أعمال لو لديك مليار جنيه، سأشجعك كدولة فى مشروعاتك الربحية مثل المطاعم والمقاهى والكومباوند وكل ما تجيده وتريده مقابل أن تدخل معى بالنصف مليار الآخر فى أنشطة صناعية وزراعية أحتاجها كدولة.. علينا أن نتحاور مع القطاع الخاص على الهواء مباشرة ونسمع مشاكله ونطلب منه المشاركة فى التنمية.. وبعدها يكون لكل حادث حديث.