رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى أزمة أرمينيا وأذربيجان.. فتش عن أردوغان

"ناغورنو كاراباخ".. تلك المنطقة المجهولة بالنسبة للأغلبية، سرعان ما تصدر اسمها عناوين الأخبار كل دقيقة، فهى واحدة من مناطق الصراع المكتوم الذي انفجر فجأة، وتوالت الأحداث.. أذربيجان أعلنت تحريرها كاراباخ، المتنازع عليها، وعلى الجبهة الأخرى، أرمينيا تنفي، اجتمع العالم للتهدئة، حتى مجلس الأمن اجتمع.. ظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منحازًا لأذربيجان وقال: "إنه وقت الحساب"، لم تصمت أرمينيا ورد رئيسها: "لن نسمح بمذبحة أخرى في حقنا"، واتهم أنقرة بإرسال جنود ومرتزقة لإقليم"كاراباخ" المتنازع عليه، استخبارات عالمية هى الأخرى قالت إن الميليشيات الموالية لأردوغان في سوريا تحديدًا كُلفت بحماية مناطق حدودية مقابل مبالغ مالية.

أردوغان يسعى بكل السبل لإعادة ما يسميه أمجاد العثمانيين، عبر التعدي على سيادة الدول، فبالأمس القريب أرسل مرتزقة وميليشيات لخراب ليبيا وسوريا، والآن هو في "كاراباخ"- المتنازع عليه في الأساس- ولن ينتهي هذا الصراع حتى لو استقل الإقليم، على الأقل، لن يحدث مجازر جديدة، فأردوغان- على ما يبدو- متعطش لمزيد من الدماء. 

تاريخيًا، بعد الثورة البلشفية في روسيا أصبحت العديد من الدول القوقازية جمهوريات سوفيتية، ناغورنو كاراباخ كانت ضمن دول الاتحاد السوفيتي، وكانت تحت سيطرته حتى الثمانينيات، لكن الاتحاد انهار في 1991، وكانت نسبة الأرمن في كاراباخ في هذا التوقيت 76%، وأعلن الإقليم استقلاله عن أذربيجان في 1992، من هنا اندلع الصراع، وانضمت ميليشيات مرتزقة من أوكرانيا والشيشان وروسيا وأفغانستان للصراع الدائر بين البلدين المستقلين عن الاتحاد السوفيتي، أرمينيا وأذربيجان.

في عام 1994، رعت روسيا بروتوكول "بيشكيك"، وعلى إثره تم رسم ما يسمى خط وقف النار وهو ما ترك لأذربيجان 9% من أراضي "كاراباخ"، وهى المنطقة التي تعترف أرمينيا بتبعيتها لأذربيجان، إلى هنا و الأمور تبدو طبيعية، لكن ظهر النفط في أذربيجان، في 2008، وانقلبت الأمور رأسًا على عقب، واندلعت الاشتباكات التي بدت أكثر نظامية، وحدثت خروقات لوقف إطلاق النار كان آخرها العام الجاري.

تركيا، داعم رئيسي لأذربيجان، رفضت إقامة علاقات دبلوماسية مع أرمينيا، وانحازت لحليفتها، كما أن حدود تركيا مع أرمينيا مغلقة منذ 1993.. في ألمانيا عام 2009 تم توقيع بروتوكول بهدف إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين- الأعداء- إلا أن هذا البروتوكول كأن لم يكن. 

أردوغان لم يتدخل للتهدئة في القوقاز، أو حتى المطالبة بها، لكنه تدخل لتهييج الأوضاع بين الدولتين، واللافت للنظر، فالتدخل التركي في أزمة "كاراباخ" غريب.

وفي حقيقة الأمر، أردوغان يعلم جيدًا ما يريده من التدخل بهذا الشكل في الأزمة بين البلدين، إلا أنه يسعى لكسب نقطة أمام روسيا، هو يسعى لتعقيد الأمر وربط الأزمات، فلا تُحل أزمة إلا ويبيت في الأخرى.

العلاقات بين تركيا وأذربيجان كانت على مايرام، ووصلت لذروة التعاون في عهد أردوغان ونظيره الأذري إلهام علييف، والحقيقة تركيا لديها "حساسية" من حليفة أرمينيا الأهم، روسيا، والتي تستضيف أرمينيا قاعدة عسكرية لها في إحدى المدن التي تبعد 10 كيلومترات عن الحدود التركية، فالقاعدة تشكل تهديدًا للأتراك من الناحية الشرقية، أرمينيا استغلت حساسية الأتراك من القاعدة الروسية وحافظت على سيطرتها في ناغورنو كاراباخ، بدعم روسي واضح، العثمانلي أردوغان يتوغل، ويسعى لتحقيق أهدافه- حتى لو كانت على جثث ودماء الأبرياء- إلا أن أرمينيا بدعم روسيا تواجه.

لعبة المرتزقة- على مايبدو- عششت في عقل أردوغان، تضفي جوًا من الإثارة على الأرض، وتجني أموالًا، فدفع بمرتزقته في سوريا إلى ليبيا، ثم نقلهم إلى أذربيجان، ولا يزال موجودًا في سوريا بلعبة قذرة أبطالها من "الدواعش".

نقطة أخرى تلوح في الأفق، أمريكا تفكر في نقل قواتها وأسلحتها من قاعدة "إنجيرليك" في تركيا، إلى حليفتها الجديدة، اليونان، فأردوغان حاول اللعب في شرق المتوسط، لكنه لم يربح، حاول كذلك التمدد في سوريا، فواجهته روسيا هناك، وفعل هذا أيضًا في ليبيا لأجل إمبراطوريته "العثمانية".

سر آخر يجعل أردوغان حليفًا- يمكن بالإكراه- لأذربيجان، في 2010 أبرم الطرفان اتفاقية للشراكة والدعم المتبادل، يلتزم فيها كل طرف بالتعاون والتنسيق مع الطرف الآخر حال حدوث عدوان على أي دولة منهما- كما في حلف الأطلسي.. بند آخر في الاتفاقية يوفر الأساس القانوني للتعاون العسكري المشترك، إلى جانب الشراكة الاقتصادية بين البلدين، فأذربيجان أصبحت هذا العام أكبر مورد للغاز الطبيعي للسوق التركية، وتوصل البلدان لصفقة بقيمة 200 مليون دولار لبيع طائرات تركية دون طيار لأذربيجان. 

الأمر في بلدىّ القوقاز محير، والجبهات مشتعلة، روسيا تراقب، بل على أهبة الاستعداد، إيران هى الأخرى منزعجة وهددت بالتصرف حال سقوط مزيد من القذائف في أراضيها، وأردوغان يحاول فتح ثغرات لـ"حساب مزعم"، ومحاولات لتخفيف وطأة المعارضة التي اتهمته بتوريط أنقرة في حروب كثيرة بغير داعٍ، ليرته في انهيار مستمر وكارثي، أما الأرمن فهم مستعدون لـ"محاسبة" أردوغان نفسه، وأوروبا متفرج ينوي التدخل بعقوبات على العثمانلي.