رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"مسجد في ميونخ".. تفاصيل استغلال الغرب لانتهازية الإخوان

جريدة الدستور

يرصد كتاب "مسجد في ميونخ" لمؤلفه إيان جونسون، تاريخ علاقة الإسلاميين بالغرب، وتدور فكرته الرئيسية حول كيفية زراعة الجماعات الإسلامية الراديكالية جذورها المتطرفة في التربة الغربية.
وُلِدَ "إيان جونسون"، مؤلف الكتاب، في كندا عام 1940، عمل مراسلًا بصحيفة "وول ستريت" في ألمانيا والصين، له مؤلفان "العشب البري"، و"مسجد في ميونخ".
قَسَّم "جونسون" كتابه إلى 16 فصلًا في 442 صفحة، أظهر فيها تنافس نشطاء ألمانيا الغربية والاستخبارات المركزية الأمريكية على المجموعة التي انشقت من مسلمي الاتحاد السوفيتي؛ لاستغلالها كلٌّ لخدمة أهدافه.

ويتمثل الجانب الأهم في هذا الكتاب في عدة أمور ناقشها "جونسون"، منها: أهداف بناء المسجد؛ حيث يرى "جونسون" أن الطوائف التي دعمت بناء المسجد ثلاث؛ الأولى: مفكرون نازيون يعملون مع المخابرات النازية، خططوا لاستخدام الإسلام كسلاح سياسي خلال الحرب العالمية الثانية، ووسّعوا تلك الاستراتيجية لتمتد إلى مرحلة الحرب الباردة، الثانية: أعضاء في المخابرات المركزية الأمريكية لاستغلال الإسلام في محاربة الشيوعية، الثالثة: مجموعة من المسلمين الأصوليين وجدوا في الجامع موطئ قدم وقاعدة لعملهم وسعيهم لتحقيق ما يؤمنون به، وهو حلم الخلافة الإسلامية- هدف جماعة الإخوان- فلم يكن المسجد للدعوة، بل كان مركزًا للنشاط السياسي ولممارسة العنف، ويوضح التقسيم السابق دور المخابرات النازية والأمريكية في نشوء التنظيم الدولي لجماعة الإخوان؛ حيث التقت مصالحهم في ميونخ.

تطرق "جونسون" إلى زواج المصلحة؛ حيث أظهر الكاتب أن هناك علاقة بين جماعة الإخوان والاستخبارات الأمريكية، فيما سُمّى بـ"الحرب المقدسة"- الحرب على الشيوعية عام 1956- لكن لم يتطرق الكاتب إلى أُطر التعاون بينهما، أو إلى طبيعة الاتفاق الرسمي الذي بُني عليه التعاون، وربما يرجع ذلك إلى سرّية الوثائق التي توضح علاقة الاستخبارات الأمريكية بالحركات الإسلاموية وبجماعة الإخوان تحديدًا.

وأشار الكاتب، في الفصل الثامن، إلى أن عالمية التنظيم- جماعة الإخوان- بدأت بوصول سعيد رمضان- أحد الرعيل الأول من قيادات الجماعة وزوج ابنة حسن البنا والسكرتير الشخصي له، ومن قادة الإخوان في أوروبا- إلى ميونخ هربًا من السجون في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، واعتبر أن تلك السجون هي السبب في إنتاج كوادر الإسلامويين؛ نظرًا للعنف المستخدم ضدهم.

وحاول الكاتب طرح دوافع وأسباب تبني جماعة الإخوان أفكارًا متطرفة، ولكنه أغفل طبيعة الأسباب التي أدت إلى نشأة التنظيم 1928 كرد فعل لتفكك الدولة العثمانية 1924، وأنها بالفعل كونت أفكارها ونظمت حركاتها، ولم ينظر الكاتب للخطر الذي مثلته الجماعة في تلك الحقبة، والذي تَجَسَّدَ في هدم الدولة، إضافة إلى سعيهم الحثيث لبناء دولة داخل الدولة، كما تجاهل الكاتب ما فعله عبدالناصر كرد فعل على جرائم الجماعة.

وفي الخاتمة، أرجع الكاتب سبب تنامي تلك الجماعات وانتشارها إلى فشل الأنظمة الحاكمة في إحكام السيطرة الأمنية عليها، رغم أن الأنظمة الحاكمة لو اتبعت الفكر الناصري في التعامل مع الجماعة لما ظهرت مرة أخرى.
وذكر الكاتب أن الجماعة بدأت في إعادة تشكيل نفسها من جديد في السبعينيات، ومنذ ذلك الوقت أصبحت علاقة الجماعة بالسلطة متذبذبة، وهذا يوضح لنا فهم الكاتب الجيد لحقبتي "السادات، ومبارك"، ويظهر ذلك في وصف الكاتب لعلاقة النظام بالجماعة بأنها متذبذبة؛ حيث لا يوجد محدد ثابت للعلاقة، فهي تأخذ تعاونًا أحيانًا، وصراعًا أحيانًا أخرى.

وأجاب الكتاب على تساؤل مهم حول كيفية استخدام الغرب للمسلمين؛ وأوضح أن الغرب استخدم المسلمين بواسطة الإخوان؛ استغلالًا لانتهازية الجماعة واستخدامها للدين، وكانت قوة الإعلام الغربي وسيلة قصف لعقول المسلمين واحتلال ضمائرهم لتحويلهم إلى أدوات تخدم مطامع الغرب وانتهازية الإخوان.

ويرى البعض أن السيناريو نفسه قد يكون له علاقة بشكل أو بآخر بما حدث في ليبيا من دمار، ونشر الفوضى في تونس، ومحاولات تهديد كيان مصر، ودفع سوريا إلى الانهيار والسقوط.
ويظهر في الكتاب جامع ميونخ بأنه كان مركزًا لحشد الإخوان، وانطلاق تنظيمهم الدولي المتعاون مع الغرب، لذلك فإن تحالف الإخوان مع المخابرات الغربية تحالف شيطاني، يستخدم الإسلام ليدمِّر بلاد المسلمين، وهذا ما جعل جامع الضرر تعبيرًا رمزيًّا عن جامع ميونخ.