رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحذير.. مناهج دراسية بها سم قاتل!

جريدة الدستور

تزداد كل يوم المطالبات لتغيير المناهج الدراسية والتعليمية في العالم العربي ويخلط البعض بين التحسين والتغيير وفكرة التطوير والتجديد (الإحلال والتبديل) وفق المستجدات العصرية التي يمر بها العالم الإسلامي الآن. 


ويربط الغرب مؤخرا بعد سلسلة العملية الإرهابية في بعض العواصم الأوروبية بين الدين الإسلامي والإرهاب ومن ثم وجهت سهام النقد والاتهام إلى بعض المناهج الدراسية التي تحض على الكراهية وعدم قبول الآخر.


بعض هذه الاتهامات ليست وليدة اليوم، بل تتردد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتعتبرها بعض المؤسسات الغربية ضمن أسباب التطرف والإرهاب ومنها وجود مناهج دراسة في التعليم الديني وخاصة الأزهر، والزيتونة في تونس، تدفع الشباب العربي إلى الانتماء للجماعات الإسلامية ومن ثم إلى ممارسة العنف والإرهاب فيما بعد.

جدل يثار حول فكرة تجديد وتطوير المناهج الدراسية، ومن هنا يدفع البعض إلي فكرة استبدال مصطلح تغيير المناهج الدراسية إلى مصطلحات مثل هندسة وتحسين وتطوير المناهج، وفق منهجية علمية صحيحة وأن يستند إلى أسس فلسفية واجتماعية وتربوية صحيحة، لا وفق الإملاءات الغربية أو الاتهامات البعيدة عن مفاهيم الهوية والثقافة العربية والإسلامية الصحيحة.

ومن هذه الاتهامات ما نشرته صحيفة "الوشنطن بوست "في عام 2016 بعنوان "المناهج السعودية بعد إزالة التعصب " وكان المقال لمديرة مركز الحريات الدينية بمؤسسة فريدوم هاوس في وشنطن حيث استهلت مقالها بزعم إن مناهج التعليم فى المدارس الحكومية السعودية تناوئ الغرب وتكفر أصحاب الديانات الأخري من المسيحيين واليهود وغيرهم من المختلفين مع السعودية عقائديًا.


وكذلك أشار تقرير بعنوان مناهج التعصب السعودية صادر عن معهد الأمن العالمي بأمريكا والذي يتكون من 38 صفحة قام بترجمته ونقده الباحث شريف علي حماد في دراسته المقدمة للجامعة الإسلامية بالمملكة السعودية بعنوان تحديات تغيير المناهج الشرعية في العالم الإسلامي، بأن جميع النماذج الموجودة في الكتب الرسمية للدراسات الإسلامية المستخدمة في العام الدراسي 2006 تكشف أن أيديولوجية الكراهية ضد المسيحيين واليهود لازالت قائمة في النظام التعليمي السعودي وكل التصريحات حول إزالتها أو تعديلها واهية.

وينتقد مركز الحريات الدينية الكتب الدراسة ويعتبرها تعلم الطلاب أن العالم ينقسم إلي مؤمين وكفار مما يجعل المؤمنين يقتلون الكفار.

الأمر تطور فوصل إلي مصر فقد انتقد عدد من التربويين المصريين مؤخرا ولاسيما بعد حادثة قتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة علي يد التنظيمات الإرهابية، قصة تحمل عنوان "طيور في خطر" في مادة اللغة العربية في الصف الثالث الابتدائي. تتحدث القصة عن ملك العصافير والطيور، يضع خطة معهم لحرق الصقور الأشرار، فيستدرجهم داخل الخيمة الصغيرة ويحرقهم، ثم تغني الطيور نشيد "بلادي بلادي" ما دفع وزارة التربية والتعليم إلي حذف النص من كتاب النصوص.

كذلك يوجه البعض سهام الانتقادات إلي الأزهر بسبب ثلاث كتب هم "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" وهو في الفقه الشافعي الذي يدرسه طلاب الأزهر، والذي توضح بعض صفحاته جواز أكل الإنسان لبعض جسمه وقت المجاعة، وللمسلم قتل المرتد وأكله، وقتل الحربي ولو صغيرًا، أو امرأة وأكلهما، لأنهما غير معصومين!.

كذلك كتاب "الروض المربع في زاد المستقنع" والذي يعتبر دم المرأة وحياتها أرخص من دم الرجل وحياته، فدية المرأة نصف الرجل، ولا تغليظ إلا في الإبل.

ثم كتاب "الاختيار لتعليل المختار" في فقه الأحناف حيث يعتبر الكتاب انه لا نفقة على من تم اغتصابها.. من غصبها غاصب فلا نفقة لها، ولو سُلّمت له مريضة فلا نفقة لها أي إن المرأة التي يتم اغتصابها عنوة لا يصرف لها الزوج نفقة!.

يقول الباحث علي جمال الدين والمهتم بقضية تنقية التراث الإسلامي عن بعض هذه المناهج أنه منذ فترة شاهد فيلما مصورًا لمن قام بعملية تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة ويستعرض فيه الفيلم العديد من النصوص الدينية والرويات التي يستند إليها تنظيم "داعش" الإرهابي في القيام بتلك العمليات الدنيئة والتي هزت أركان مصر كلها.

وأضاف أنه من الواجب على المجامع الفقهية الإسلامية في سائر البلاد وعلي رئسها الأزهر الشريف القيام بحصر تلك الرويات والأراء الفقيهة من كتب التراث، وعلي الأخص المشهورة والمتداول منها وتضمينها في كتاب يفند تلك الآراء والرويات، ويقوم بتوضيح مدى مخالفتها لأصول وقواعد الإسلام ليكون ذلك مرجعًا موثقًا لكل من اطلع على طعن هؤلاء في مناهج الأزهر أو من يستقي رويات مغلوطة بفهم محدد عن الدين والشريعة.

وقد اعتبر جمال الدين صاحب كتاب "ضرورة تنقية كتب التراث " أن هناك تقصيرًا من المجامع الفقهية المتعارف عليها في عرض الصورة الصحيحية للإسلام ويدعو تلك المجامع والمؤسسات القيام بدورها في هذا الصدد.

هذا ما ناقشه الشيخ خالد محمد خالد المفكر الإسلامي المعروف في رسائله الست المشهورة إلى شيخ الأزهر عام 1951م، ولم ياخذ برأيه في هذا الوقت أحد معتبرا أن بعض الكتب الأزهرية من كتب التفسير والحديث والفقه نجد فيها تحريمات لأشياء ليست من ضرورات الحياة فحسب بل ومن مقومات الإنسانية أيضًا ومنها نص " أنه من قال لزوجته أنت طالق نصف تطليقة أو قال أنت طالق إن شئت " تعد طلقة، ومن قال " أنت طالق إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة قبل كسرها" فلم تخبره يقع الطلاق؟

واعتبر الشيخ خالد محمد خالد أن ذلك تحريض على "البحبحة" والاستسهال في تطليق النساء وهو الطامة الكبري التي نعاني منها اليوم.

وأضاف خالد محمد خالد في رسائله لشيخ الأزهر أن هناك كتاب فقه يدرسه الذين هم علي وشك التخرج من جامعة الأزهر تعتبر من وضع يده في إناء الماء وهو جنب، ولم ينوي الاغتراف فإن الماء نفسه يصبح جنبا، أو من كان صائما وابتلع خيطا بالليل بعضه داخل جوفه وبعضه خارجه، فإن ترك الخيط لم تصح صلاته لاتصاله بالنجاسة في جوفه، وإن نزعه بطل صومه لانه ضرب من القيء، والطريقة إذًا أن ينزع الخيط من فمه وهو نائم أو يجبره الحاكم علي إخراجه بالقوة فيكون إخرجه مكرهًا.

والحقيقة أن الأزهر يخطو خطوات كبيرة جدا هذه الأيام في هندسة وتحسين وتطوير المناهج وقد دافع الدكتور عبدالحليم منصور أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر عن المناهج التعليمية الأزهرية، مشيرا إلى أن أكثر من ١٢٠ دولة تعلم طلابها في تلك المؤسسة الدينية العريقة وهي الأزهر ولم يسلكوا العنف، ولم يخرجوا عن المألوف.

ولفت منصور، إلى أن الأزهر بالفعل يقوم بتطوير نفسه منذ ما يقرب من ست سنوات، في ظل وجود لجان منعقدة بشكل دوري لتنقيح المناهج الازهرية في جميع المراحل التعليمية المختلفة والأشياء المثيرة للجدل، مشيرًا فى الوقت ذاته إلى أن الهجوم على الأزهر دون الأخذ في الاعتبار ما قام به من خطوات في التطوير، يجعل الاتهامات في غير سياقها، ويصب في صالح الهجمة الإعلامية دون أسانيد.

حتى الآن يحتاج تحسين وتطوير المناهج في مصر والعالم العربي إلي خطوات سريعة لتحل محل مناهج عفى على بعضها الزمن والبعض الآخر يدرس بطريقة التلقين والاستظهار بدون تطوير الوسائل والأهداف التربوية السليمة مما يصب في صالح التطرف والتشدد والإرهاب.