رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«البحث عن السلام».. دول عربية وإسلامية على «رادار التطبيع» مع إسرائيل

التطبيع
التطبيع

بعد أن توسطت الولايات المتحدة لعقد سلسلة من اتفاقات تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب، خلال عام ٢٠٢٠، بدعم من إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، تتطلع إسرائيل إلى دعم إدارة الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن لعقد اتفاقات تطبيع علاقات جديدة مع عدد من الدول العربية والإسلامية، لتحقيق إنجاز يُحسب لرئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى نفتالى بينيت. 

 

وتتحدث الصحف الإسرائيلية عن تقدم المحاولات الدبلوماسية الإسرائيلية والأمريكية المشتركة لحث عدة دول عربية وإسلامية، من بينها جزر القمر وإندونيسيا وباكستان، وغيرها، على التوصل لاتفاق شامل مع إسرائيل، مشيرة إلى اقتراب هذه الدول من الموافقة على تطبيع العلاقات مع تل أبيب، خلال الأشهر المقبلة، وهو ما نرصده فى السطور التالية. 

إندونيسيا  تكهنات بقرب الاتفاق مقابل استثمارات أمريكية وعلاقات استخباراتية

قبل أسبوعين، قال موقع "أكسيوس"، الإخبارى الأمريكى، إن أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، بحث مع مسئولين فى دولة إندونيسيا، خلال زيارته الأخيرة إلى جاكرتا، إمكانية تطبيع بلدهم علاقاته مع إسرائيل، رغم عدم الإعلان عن ذلك رسميًا.

ونقل الموقع الأمريكى عن نيد برايس، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، قوله عن ذلك: "نبحث دائمًا فرصًا إضافية للتطبيع، لكننا سنبقى هذه المشاورات وراء الأبواب المغلقة حتى اللحظة المناسبة".

وأشار إلى أن إندونيسيا، ووفقًا لمسئولين سابقين فى إدارة الرئيس ترامب، كانت من بين الدول التى حاولت الإدارة الأمريكية السابقة جرها إلى توقيع اتفاقات التطبيع فى عام ٢٠٢٠، غير أن المباحثات بهذا الخصوص تعثرت فى النهاية إثر طلب إندونيسيا إبرام اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة مقابل اتخاذ خطوات فى هذا السبيل، وفقًا لما ذكره "أكسيوس".

وبدأ الحديث عن تطبيع العلاقات بين إندونيسيا وإسرائيل قبل أكثر من عام، ففى الأسبوع الأخير من ديسمبر ٢٠٢٠ قال آدم بوهلر، الرئيس التنفيذى للمؤسسة الأمريكية لتمويل التنمية الدولية، فى تصريح لوكالة "بلومبرج"، إن الولايات المتحدة يمكن أن تزيد مساعداتها التنموية لإندونيسيا بمقدار ١ إلى ٢ مليار دولار إضافية فى إطار الاعتراف بإسرائيل، وهو ما نفته جاكرتا حينها.

وخلال الأسابيع الأخيرة، ازدادت تكهنات الصحف الإسرائيلية حول قرب التوصل لاتفاق تطبيع العلاقات مع جاكرتا، مع الإشارة إلى أن بدء برنامج للإصلاح الاقتصادى فى إندونيسيا يمكن أن يصب فى صالح قبولها توقيع اتفاق سلام شامل مع إسرائيل مقابل استثمارات ومساعدات أمريكية. 

كما أشارت الصحف الإسرائيلية إلى أن نشاط التنظيمات المتطرفة فى إندونيسيا يمكن أيضًا أن يمثل عاملًا إضافيًا يصب فى صالح إسرائيل، فى ظل بحث جاكرتا عن مساعدات استخباراتية ولوجستية. 

وفى الأسبوع الماضى، قال مسئول رفيع المستوى فى الخارجية الإسرائيلية، لصحف عبرية، إن واشنطن تدفع لتقريب وجهات النظر بين إسرائيل وإندونيسيا، فى إطار سعى إسرائيلى أمريكى شامل لتوسيع اتفاقات التطبيع لتشمل دولًا أخرى، من بينها السعودية وقطر والكويت وموريتانيا وجزر القمر والمالديف وماليزيا وسلطنة بروناى، ومالى والنيجر، وغيرها.

وأوضح المسئول الإسرائيلى أن عملية التوصل لاتفاقات ربما تكون بطيئة وتستغرق الوقت والجهد، إلا أن تل أبيب تتمنى أن تنجح فى ذلك.

وإندونيسيا هى أكبر دولة إسلامية فى العالم، وحوالى ٨٦٪ من سكانها، البالغ عددهم ٢٦٧ مليون نسمة، من المسلمين، غالبيتهم من السنة، كما أنها عضو بارز فى منظمة التعاون الإسلامى، ولم تربطها أبدًا أى علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، وكانت داعمًا منذ فترة طويلة لتطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة.

ورغم تكرار الحديث من مسئولين إسرائيليين، على مدار سنوات، عن اتصالات سرية مع إندونيسيا ومباحثات لتطبيع العلاقات، إلا أن الحكومات الإندونيسية عادة ما تنفى ذلك.

جزر القمر مساعدات سخية ومعونات لمساعدة الدولة الفقيرة

فى أكتوبر الماضى، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن وزارة الخارجية الإسرائيلية تعمل على إقامة علاقات دبلوماسية مع دولة جزر القمر، الواقعة على الساحل الشرقى للقارة الإفريقية، واصفة المباحثات بين البلدين بـ"المتقدمة"، وأنها تقوم على أساس "مساعدات سخية" ومعونات من إسرائيل.

وأشارت إلى أن تلك الاتصالات حول التطبيع ليست الأولى، لافتة إلى اتصالات بين إسرائيل وجزر القمر فى عام ١٩٩٤، فى أعقاب توقيع اتفاقية أوسلو. 

وزعمت التقارير العبرية أن المباحثات وقتها كانت قد وصلت لمراحل نهائية، وكان من المقرر توقيع مراسم الاتفاق بين البلدين فى السفارة الإسرائيلية فى باريس، إلا أن جزر القمر تراجعت فى اللحظات الأخيرة، استجابة لضغوط بعض الدول.

ونوهت إلى أن تجدد الاتصالات، فى الأشهر الأخيرة، يأتى بعد فترة من التوتر إثر رفع جزر القمر، فى عام ٢٠١٣، دعوى قضائية ضد إسرائيل فى المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى، إثر الهجوم الإسرائيلى على سفينة مرمرة التركية التى أبحرت إلى قطاع غزة تحت علم جزر القمر.

وتقع جزر القمر قبالة سواحل شرق إفريقيا، بين مدغشقر وموزمبيق، وهى عضو فى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامى، وكانت مستعمرة فرنسية واستقلت فى عام ١٩٧٥، وتتكون من ٣ جزر، وجميع سكانها من السنة.

باكستان حديث عن اتصالات سرية للتعاون فى مواجهة الإرهاب

فى ديسمبر ٢٠٢٠، نفت وزارة الخارجية الباكستانية تقارير أشارت إلى أن إسلام أباد تستعد لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وقال رئيس الوزراء الباكستانى، عمران خان، إنه يتعرض لـ"ضغوط" من عدد من الدول للاعتراف بإسرائيل. ووقتها، ظهرت تقارير عن لقاءات سرية بين مسئولين فى الجيش والمخابرات الباكستانية مع نظرائهم فى إسرائيل، وقالت صحيفة "إسرائيل اليوم" إن عددًا من مسئولى دولة إسلامية زاروا تل أبيب سرًا للتمهيد لتطبيع العلاقات. وحاليًا، تكهنت عدة صحف إسرائيلية بقرب تطبيع العلاقات مع باكستان، على خلفية التطورات فى أفغانستان المجاورة، واحتياج إسلام أباد لتنسيق شامل فى مواجهة التنظيمات المتطرفة، بالإضافة إلى بحثها عن دعم للخروج من الأزمة الاقتصادية وارتفاع الديون وانخفاض الاحتياطات الأجنبية. 

وأشارت الصحف العبرية إلى أن ذلك الاتفاق سيمثل منعطفًا تاريخيًا مهمًا، خاصة أن باكستان، التى تشكلت قبل عام واحد من إعلان دولة إسرائيل عام ١٩٤٨، لم تعترف بها، ولا تزال جوازات السفر الباكستانية تحمل ختمًا يعلن أنها صالحة لجميع البلدان فى جميع أنحاء العالم باستثناء إسرائيل.

موريتانيا ضغوط أمنية واقتصادية تغذى التقارب الرسمى مقابل رفض شعبى واسع

تربط بين إسرائيل وموريتانيا علاقات تاريخية، ففى عام ١٩٩٩ أصبحت موريتانيا ثالث دولة عضو فى الجامعة العربية "إلى جانب مصر والأردن" تعترف بإسرائيل كدولة ذات سيادة، ثم تم تجميد العلاقات ردًا على الحرب على غزة فى ٢٠٠٩.

وكشفت تقارير عن أن واشنطن تضغط على موريتانيا من أجل التطبيع مع إسرائيل، وفيما يخص موقفها من التطبيع، أعلنت موريتانيا عن دعمها دولة الإمارات فى المواقف التى تتخذها وفق مصالحها ومصالح العرب والمسلمين وقضاياها العادلة.

وتربط موريتانيا والإمارات علاقات قوية وروابط اقتصادية كبيرة، وهو ما قد يسهم فى تسريع عملية التطبيع، خاصة مع وجود علاقات بينهما لمواجهة التحديات الأمنية فى فضاء الساحل الناتجة عن الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتهريب، إلى جانب الهشاشة الاقتصادية وضغوط التصحر والجفاف.

ولكن فى الوقت نفسه فإن هناك تيارات سياسية داخل موريتانيا رافضة بشدة التطبيع مع إسرائيل وصلت لحد المطالبة بسن قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل.

ولا تزال العلاقات الموريتانية الإسرائيلية تستهدف أن تبقى قائمة فى المجال الأمنى بين الدولتين، والعمل ضمن منظومة أمنية مشتركة لمواجهة خطر الإرهاب بالمنطقة. 

وسبق لموريتانيا أن أقامت علاقات مع إسرائيل تحت ضغوط أمريكية عام ١٩٩٩ فى عهد الرئيس معاوية ولد الطايع، وظلت هذه العلاقات مرفوضة من كل أطياف الشعب الموريتانى، ومحل انتقادات من جانب السياسيين الذين ظلوا يطالبون بوقف التطبيع مع إسرائيل، معتبرين أنه أحد الأسباب الرئيسية التى أدت إلى الانقلاب على حكم ولد الطايع، وهو ما يجعلها لا تتسرع فى عملية التطبيع، لكنها لا تزال ضمن دائرة الاحتمالات.

سلطنة عمان  لعب على ورقة الطموحات الاقتصادية المشروعة

فى أكتوبر الماضى، لمّح مسئولون فى الخارجية الإسرائيلية عن قرب سلطنة عمان من التطبيع مع إسرائيل، وبالنسبة لعمان فإن علاقاتها الوطيدة مع إيران هى التى عطلت الاتفاق إلى الوقت الحاضر، وهناك عدة مؤشرات إيجابية تشير إلى إمكانية تحقيق اتفاق تطبيع مع إسرائيل، فبداية أعربت عمان عن دعمها اتفاقية التطبيع الإسرائيلية مع المغرب، وكانت قد قدمت المملكة ثناءً مماثلًا لـ"اتفاقيات إبراهيم" الموقّعة بين إسرائيل والبحرين والإمارات.

وقالت مصادر مطلعة، شاركت فى مراسم افتتاح "مركز فريدمان للسلام" بالقدس فى أكتوبر الماضى، إن "اتفاقية تطبيع مع دولة عربية اكتملت ولم يتبق سوى الإعلان عنها بالوقت المناسب".

كان رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق، بنيامين نتنياهو، قد أجرى زيارتين إلى عُمان فى عامى ٢٠١٨ و٢٠١٩ لإجراء محادثات مع السلطان قابوس بن سعيد الذى توفى فى يناير ٢٠٢٠، رغم انتقاد إيران للزيارة، وهو ما يشير إلى أنه فى بعض الأحيان تتخذ عمان قرارات لا ترضى إيران.

ويعتمد الاقتصاد العمانى على النفط والغاز الطبيعى الذى يشكل ٩٠٪ من صادراتها، كما أن عمان تهتم بالتنمية الزراعية، وهى دولة منتجة للنفط غير عضو فى "أوبك".

وتسعى السلطنة لتسويق منطقة الدقم الاقتصادية على مسافة ٥٥٠ كيلومترًا جنوب العاصمة مسقط، باعتبارها مميزة؛ إذ تقع على بحر العرب قرب طرق الملاحة الرئيسية التى تمر بالبحر الأحمر إلى آسيا وإفريقيا، وتقع خارج مضيق هرمز المزدحم بالحركة، ومن المتوقع أن تلعب الصفقات الاقتصادية والاستثمارات دورًا فى تسريع عملية التطبيع.

جيبوتى لاعب فى استقرار القرن الإفريقى

تعد جيبوتى دولة مهمة لإسرائيل التى لديها بالفعل حضور قوى فى القرن الإفريقى الذى يضم إثيوبيا وإريتريا وجيبوتى والصومال، وتحظى جيبوتى بموقع جغرافى مميز، جعلها مُسيطرة على الممر المائى والملاحة البحرية المارة بمضيق باب المندب. ومع كل توتر يشهده باب المندب وخليج عدن، فى ضوء الاستهداف الذى يقوم به الحوثيون لحركة التجارة البحرية الدولية، يبرز الدور الجيبوتى فى عمليات تأمين هذا الممر المائى العالمى بوصفها الضفة المقابلة المطلة عليه أمام اليمن الذى تحول إلى عنصر قلق ومهدد للمضيق الذى يمر منه أحد أهم أنواع الحركة التجارية، نظرًا لمرور ناقلات النفط العربى إلى أوروبا، فضلًا عن مرور كابلات الاتصالات والإنترنت المغمورة التى تربط القارة الأوروبية بالجزيرة العربية وشرق إفريقيا وشبه الجزيرة الهندية.

جيبوتى كان لها دور فى دعم قوات التحالف العربى لمواجهة الخطر الحوثى فى اليمن ومنع تهديد المصالح العربية، خاصة أن السعودية وقّعت مع جيبوتى ٢٥ اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز الشراكة الاقتصادية، وإطلاق منطقة تجارية سعودية حرة فى جيبوتى لتصدير المنتجات السعودية إلى القارة الإفريقية، فيما وقّع البلدان عدة اتفاقيات للتعاون العسكرى المشترك، وسبق لجيبوتى أن قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران فى يناير ٢٠١٦ تضامنًا مع السعودية.

من ناحية أخرى، فإن رئيس جيبوتى، إسماعيل عمر جيله، أكد سابقًا أن بلاده لا تدرس إمكانية السير على خطى الدول العربية والإسلامية التى بادرت إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكنه أشار فى الوقت نفسه إلى عدم وجود أى مشكلة لدى جيبوتى مع اليهود وإسرائيل كدولة.

ولفت إلى أن بعض الإسرائيليين يزورون جيبوتى بجوازاتهم لممارسة الأعمال، فيما يملك مواطنو الدولة الإفريقية منذ ٢٥ عامًا فرصة السفر إلى إسرائيل. ولدى جيبوتى علاقات جيدة مع القوى الغربية والعالم العربى، والقواعد العسكرية على أراضيها تدلل على هذا الأمر، وهو ما قد لا يجعلها متعجلة لتوقيع الاتفاق، لكن فى الوقت نفسه هناك فرصة لاتفاق مثل هذا.