رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لأول مرة.. مباحثات مباشرة بين واشنطن وطالبان.. ما الأهداف والدلالات؟

أجرى وفد أمريكي رفيع المستوى، أول محادثات مباشرة مع كبار مسئولي طالبان أمس السبت في الدوحة، للمرة الأولى منذ الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان في أغسطس الماضي.

في الوقت الذي أشارت فيه التقديرات إلى أن نسخة طالبان التي سيطرت على أفغانستان عام 1996هي ذاتها نسخة طالبان التي سيطرت مرة أخرى على أفغانستان عام 2021 ، أثبتت المؤشرات الأخيرة أن هناك تغييراً كبيراً سواء في تحركات طالبان، أو في البيئة الجيوسياسية السائدة الآن.. وهو ما يظهر في المباحثات الحالية ودلالاتها السياسية.

مباحثات طالبان وواشنطن

أجريت المفاوضات المباشرة بين وفد أمريكي رفيع المستوى (برئاسة نائب مدير وكالة المخابرات المركزية ومسئولين من وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومجتمع المخابرات الأمريكية)، ووفد طالبان (برئاسة وزير الخارجية بالوكالة أمير خان متقي، مدير المخابرات بالإنابة عبد الحق وصيق ونائب وزير الداخلية مولوي نور جلال، وكلهم جزء من الحكومة المؤقتة التي قلة من الأعضاء من خارج طالبان) أمس السبت، ومن المتوقع أن تستمر اليوم الأحد.

ركزت المفاوضات المثيرة للدهشة على الخروج الآمن من أفغانستان للأمريكيين المتبقين هناك، وغيرهم من الرعايا الأجانب، إلى جانب الأفغان المعرضين للخطر؛ وكذلك مطالبة واشنطن لحركة طالبان بتشكيل حكومة شاملة واحترام حقوق المرأة، والإفراج عن المواطن الأمريكي المختطف مارك فريريتش.

مطالب والتزامات

قال مسئول كبير في الإدارة الأمريكية لرويترز فضل عدم الكشف عن هويته: "هذا الاجتماع هو استمرار للالتزامات البراجماتية مع طالبان التي أجريناها بشأن مسائل ذات أهمية وطنية حيوية، وستكون الأولوية القصوى الأخرى هي إلزام طالبان بالتزامها بأنها لن تسمح لأفغانستان بأن تصبح مرة أخرى مرتعًا للقاعدة أو غيرهم من المتطرفين".

وفي اتفاق الانسحاب التي وقعته إدارة ترامب مع الحركة في عام 2020 ، تعهدت طالبان بقطع علاقاتها مع فرع القاعدة الصغير نسبيًا في البلاد، لكن وفقًا للمخابرات الأمريكية، لم تفعل ذلك بعد.

قال المسئول الأمريكي إن "هذا الاجتماع لا يتعلق بمنح الاعتراف أو إضفاء الشرعية، ما زلنا واضحين أن أي شرعية يجب أن تكتسب من خلال تصرفات طالبان نفسها. إنهم بحاجة إلى إنشاء سجل إنجازات مستدام، وسيتم تقييم الحركة وفقاً للأفعال وليس الأقوال".

كانت طالبان قد طالبت من جانبها بضرورة مساعدة أفغانستان" في حملة التطعيم ضد فيروس كورونا، فيما رفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على تقارير تفيد بأن الإدارة وافقت على إرسال جرعات لقاح فيروس كورونا إلى أفغانستان.

أهداف المباحثات

تختلف أهداف كل من واشنطن وطالبان من المباحثات المباشرة، فتسعى حركة طالبان إلى كسب شرعية دولية، فالمباحثات مع واشنطن تأتي بالتزامن مع الاتصالات بين طالبان وبريطانيا وروسيا والصين، على خلفية مشاكل إنسانية وأمنية متزايدة، ورغم أن التحركات الدولية لاتعني الشرعية الدولية لطالبان، إلا أن الحركة كما يبدو تريد فتح قنوات اتصال قد تساعدها لاحقاً في كسب شرعية دولية.

من ناحية أخرى، تريد طالبان أن ترسل رسائل بأنها المتحكم الوحيد في أفغانستان، حيث أعلنت أنها غير مهتمة بالعمل مع الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بينما قالت واشنطن، إنها ستواصل عمليات مكافحة الإرهاب في أفغانستان بقدرات "في الأفق" تنطلق من خارج البلاد، وهو ما تحتاجه واشنطن حتى "تجمل صورة الانسحاب" بأنها لم تترك أفغانستان للإرهاب، بل ستسمر في دورها ولكن من الخارج.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن المباحثات مع طالبان، وفتح "صفحة جديدة" حسب وصف الإعلام الأمريكي يقف خلفها رغبة واشنطن في التضييق على الصين، التي عزمت على إقامة موطئ قدم جيوستراتيجي في أفغانستان الجديدة بقيادة طالبان، مستغلة الفراغ الناشئ من الانسحاب الأمريكي، في الوقت الذي أطلقت فيه طالبان على الصين لقب "الشريك الأكثر أهمية" و"الصديق الذي يمكن الاعتماد عليه" في المساعدات والاستثمارات ومشاريع البنية التحتية. 

دلالات المباحثات

أولاً: التفاوض سابقاً بين طالبان والولايات المتحدة على انسحاب القوات الأمريكية ونقل السلطة إلى طالبان، أشار في حينه إلى أن الولايات المتحدة لم تعد نفس القوة المهيمنة التي ترفض "التفاوض مع الإرهابيين" مثل طالبان، وهو الخط الدبلوماسي إلي انتهجته الدبلوماسية الأمريكية لسنوات عديدة، ولكن بدء المفاوضات يثبت أن تلك الدبلوماسية قد تغيرت، والمباحثات المباشرة الحالية تؤكد هذا.

ثانيًا: دخول طالبان للمباحثات تشير إلى تبني الحركة فلسفة سياسية مختلفة، تعطي الأولوية للوسائل الدبلوماسية - وليس العسكرية، وهو خط يختلف عن النهج الذي اتبعته الحركة في التسعينيات.

ثالثًا: اختيار قطر (المعروفة بتحالفها مع إيران) كمكان لإجراء المفاوضات، يدل على أن الأمريكيين قبلوا ليس فقط بالقطريين، بل بالإيرانيين أيضًا، كوسطاء وشركاء محتملين، وكما يبدو أيضا أن الإيرانيين قبلوا أيضاً بطالبان رغم اختلافهم الأيديولوجي العميق،  إذ امتنعت إيران عن انتقاد استضافة قطر للمفاوضات.

رابعا: تريد الولايات المتحدة أن ترسل رسائل حول انسحابها من أفغانستان، بأنه ليس "تخلياً" عن الحكومة الأفغانية، بل إنها ستستمر في توجيه مطالب لطالبان بغرض حماية الأفغان وتقديم المساعدات للحكومة الأفغانية، وهي محاولة لمواجهة الانتقادات بأن واشنطن تتخلى عن حلفائها (الأكراد ثم الأفغان).