رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف ترى إسرائيل سقوط كابول فى يد «طالبان»؟

طالبان
طالبان

فى نهاية خاطفة، بعد ٢٠ عامًا من الصراع، سحبت الولايات المتحدة جنودها من أفغانستان، ما سمح لحركة «طالبان» بالاستيلاء على كامل البلاد خلال عدة أيام، فى مشهد أصاب معظم دول العالم بالارتباك، نظرًا لطبيعة الحركة المتشددة، والدور الذى لعبته على مدار العقود الماضية. وأثار الوضع الأفغانى الجديد قلقًا هائلًا فى إسرائيل من احتمالات تمدد «طالبان» إلى دول المنطقة، عبر تحول أفغانستان لوطن مريح للتنظيمات الإرهابية، يسمح لعناصرها بالإقامة والتدريب قبل الانطلاق لإشعال الشرق الأوسط بأكمله، ما يحتاج لاستعدادات خاصة وتنسيق مع باقى دول المنطقة، وذلك رغم بعض الآراء التى ترى أن تمدد «طالبان» يتيح الفرصة لشغل إيران بجوار أكثر اضطرابًا، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.

مخاوف من تجدد الهجمات ضد الأهداف الأمريكية والإسرائيلية 

رغم امتناع معظم المسئولين فى إسرائيل عن التعليق على مشهد الانسحاب الأمريكى السريع من أفغانستان، وسقوطها فى أيدى حركة «طالبان»، فإن العديد من المصادر أكد أن تل أبيب اعتبرت ما حدث بمثابة «يوم أسود» فى تاريخ المنطقة.

ونقل موقع «Breaking Defense»، المتخصص فى الشئون العسكرية والاستراتيجية، عن مصادر فى وزارة الدفاع الإسرائيلية قولها إن الطريقة التى تهرب بها الولايات المتحدة وتترك بلدًا لفظائع «الجماعات الإرهابية» هى علامة سيئة ستكون لها آثار كبيرة على بعض البلدان.

وأضافت المصادر أن الانسحاب الأمريكى من المنطقة وسقوط أفغانستان فى يد «طالبان»، إلى جانب عدوان إيران على عدد من دول المنطقة وعدم الاستقرار السياسى فى لبنان، كلها تشير إلى احتمالات اشتعال المنطقة، وسط مخاوف من سقوط دول مثل العراق أو الأردن فى يد الجماعات المتطرفة.

وأكد الموقع، فى تقرير له، أن العديد من المسئولين الإسرائيليين أبدوا، بشكل مباشر، استياءهم من تعامل إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، مع الأوضاع فى أفغانستان والمنطقة، مع الإشارة إلى أن انهيار الحكومة الأفغانية سيمكن تنظيمات من بينها «القاعدة» من تجديد هجماتها الإرهابية ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية حول العالم.

ولفت إلى أن المصادر الإسرائيلية ترى أن الشعور السائد بين حركتى «طالبان» و«القاعدة»، وغيرهما من التنظيمات المتشددة، هو أن الباب أصبح مفتوحًا على مصراعيه لشن هجمات إرهابية من داخل أفغانستان بعد هزيمة الولايات المتحدة فيها.

كما نقل عن بعض المصادر قوله إن الولايات المتحدة عليها أن تستعد لعمليات تستهدفها فى المستقبل القريب، مع استغلال بعض التنظيمات الإرهابية الأوضاع الأفغانية من أجل تجنيد مزيد من المتطرفين لتنفيذ عمليات ضد المصالح الأمريكية. 

تفاؤل حذر بتزايد أعباء إيران الاقتصادية والأمنية رغم احتمالات التنسيق مع الحركة

إلى جانب المخاوف الإسرائيلية من تجدد العمليات الإرهابية، يرى بعض الأصوات فى تل أبيب أن التقديرات الخاصة بتصدير «طالبان» الإرهاب فى منطقة آسيا الوسطى، لاستهداف جوار روسيا والصين، لا يمنع احتمالات تسببها فى زعزعة الأوضاع فى الجوار الإيرانى، خاصة أن تمدد الحركة الأصولية السنية قد يتسبب فى قلق النظام الشيعى فى طهران.

وتمتلك إيران حدودًا بطول ٩٥٠ كيلومترًا مع أفغانستان، فى مناطق مفتوحة على مصراعيها للمهربين واللصوص، وكذلك بعض الميليشيات المحلية التى تعارض النظام الإيرانى، وتشن ضده أحيانًا بعض الهجمات المسلحة.

وإلى جانب ذلك، فإن أفغانستان هى أكبر مصدر للمخدرات فى العالم، خاصة الهيروين والأفيون، ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة فإن ٨٤٪ من إنتاج الأفيون فى العالم فى السنوات الخمس الماضية جاء من أفغانستان، وتم تهريب معظمه عبر إيران إلى تركيا ثم أوروبا.

من ناحية أخرى، فإن الانفلات الأمنى على الحدود كان وراء تسلل ملايين الأفغان عبر العقود الماضية إلى إيران بحثًا عن فرص عمل، كما أن تزايد تدفق اللاجئين فى الأسابيع الأخيرة يعنى أن طهران ستدفع ثمنًا اجتماعيًا واقتصاديًا كبيرًا لاحتواء اللاجئين، فى وقت يواجه فيه الاقتصاد الإيرانى أزمة بسبب العقوبات الدولية وانتشار وباء كورونا.

وتنظر إسرائيل إلى تسبب الأفغان فى مزيد من الأعباء الإيرانية بتفاؤل حذر، خاصة أن طهران نجحت فى السنوات الماضية فى تجنيد كثير من المرتزقة من الأفغان، ودفعتهم، عبر مرتبات شهرية وإقامة رسمية، للخدمة فى ميليشياتها العاملة فى سوريا واليمن والعراق. 

ورغم ذلك، يراهن كثيرون فى إسرائيل على احتمال اندلاع صراع طائفى وأيديولوجى بين إيران الشيعية و«طالبان» السنية، ويرى المؤرخ الإسرائيلى ديفيد ميناشرى، المتخصص فى الشئون الإيرانية، أن ما يحدث حاليًا فى أفغانستان سيمثل صداعًا للنظام الإيرانى، لأن مكاسب طهران من هزيمة أمريكا يوازن خسائرها من انتصار «طالبان».

فيما يرى المحلل الإسرائيلى مردخاى كيدار، أن إيران ستبذل جهودًا كبيرة لزيادة نفوذها فى أفغانستان، رغم أن بعض الجماعات الإسلامية فى أفغانستان قد يجد أرضية مشتركة فى استهداف بعض الدول غير الإسلامية.

الاستعداد لمزيد من التعاون مع العرب بعد انسحاب واشنطن من المنطقة وابتعادها عن التدخل العسكرى المباشر

بعيدًا عن حسابات الربح والخسارة المباشرة من المشهد الحالى فى أفغانستان، يرى كثيرون فى إسرائيل أن على تل أبيب أن تستعد لتحول عميق فى السياسة الأمريكية، فى ظل سوء معالجة الإدارة الأمريكية الحالية للقضايا الإقليمية.

ويعتقد المراقبون فى إسرائيل أن المشهد الراهن، والمرجح أن يستمر مستقبلًا فى ظل انتهاء عصر التدخل الأمريكى فى الشرق الأوسط، يدفع لمزيد من التعاون مع الدول العربية، وعلى رأسها مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت.

ويؤكدون أن واشنطن ستستمر فى تقديم الدعم الدبلوماسى والاقتصادى والاستخباراتى لتلك الدول، دون دعم عسكرى مباشر، وهو ما يتيح الفرصة أمام إسرائيل لتستفيد من هذا الواقع الجديد وتجعل نفسها العمود الفقرى للدعم العسكرى والاستراتيجى للعالم السنى، الذى يخشى من عودة الإرهاب والتمدد الإيرانى.

وقال عاموس يادلين، اللواء المتقاعد الذى شغل سابقًا منصب رئيس المخابرات العسكرية، لموقع «Breaking Defense»: «سيكون التأثير على الشرق الأوسط سيئًا، كل دولة فى المنطقة تعتبر نفسها حليفة للولايات المتحدة تدرك الآن أنها لا تستطيع الاعتماد على واشنطن فى أى أزمة عسكرية، وربما يؤدى ذلك إلى وضع تعزز فيه هذه الدول من علاقاتها الدفاعية مع روسيا والصين».

وأشار إلى أن سقوط أفغانستان فى يد «طالبان» يمكن أن يتيح مساحة لإسرائيل لتقوية علاقاتها الدفاعية مع الدول العربية.

وفى الإطار نفسه، قال مسئول سابق بالاستخبارات الإسرائيلية: «الاستراتيجية الأمريكية التى ميزت الإدارات الثلاث الأخيرة، فى عهود باراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن، ترى أن كل ما أنتجه الشرق الأوسط لأمريكا هو نفقات ضخمة وتوابيت، ولا شىء جيد، وأنه حان الوقت لإنهاء التدخل العسكرى الأمريكى فى المنطقة».

وأشارت إلى أن المعدات العسكرية التى قدمتها الولايات المتحدة للجيش الأفغانى وقوات الأمن على مدار العقود الماضية تقدر بنحو ٨٣ مليار دولار، لافتة إلى أن معظمها من طائرات دون طيار وعربات مدرعة جديدة وطائرات هليكوبتر وذخيرة قد سقط حاليًا فى أيدى حركة «طالبان»، بعد أن هجرتها وحدات الجيش الأفغانى.