رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل هادئة على رءوس الصواريخ بين إسرائيل ولبنان

القصف بين لبنان واسرائيل
القصف بين لبنان واسرائيل

خلال الأسبوعين الماضيين، ارتفعت حدة التوتر على الحدود بين إسرائيل ولبنان، حتى بدا أنها ستخرج عن السيطرة، وذلك فى أعقاب القصف الإسرائيلى لمناطق فى الجنوب اللبنانى، ردًا على قذائف أطلقت من هذه المناطق تجاه مستوطنة «كريات شمونة»، وأدت لاندلاع حرائق دون وقوع إصابات.

القصف الإسرائيلى، الذى توقع البعض أن يشعل حربًا جديدة مع تنظيم «حزب الله» اللبنانى، مر بسلام، دون أن يسفر عن خسائر فعلية، ما فتح الباب أمام حديث مختلف عن نشاط الفصائل الفلسطينية فى جنوب لبنان، ومسئولية عناصرها عن إطلاق تلك الصواريخ، والسيناريوهات المحتملة للتصعيد فى المنطقة الحدودية خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

قصف محدود دون خسائر فعلية.. ورد فاتر من طرف «حزب الله» 

ترى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أنه لا علاقة لتنظيم «حزب الله» اللبنانى بحوادث إطلاق الصواريخ من الجنوب اللبنانى، التى استدعت رد سلاح الجو الإسرائيلى عليها، دون التورط فى قصف أى أهداف تابعة للتنظيم.

ويؤكد المحللون العسكريون الإسرائيليون أن مطلقى الصواريخ، خلال الحوادث التى تكررت خلال الأشهر الأخيرة، هم أعضاء فى منظمات فلسطينية صغيرة، يقيمون بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين القريبة من مدينتى صور وصيدا فى الجنوب اللبنانى.

ورغم أن الجيش اللبنانى و«حزب الله» هما من يسيطران على المنطقة، إلا أن تأثر الجيش بالأزمة الاقتصادية اللبنانية وتأخره عن عدم دفع الرواتب لجنوده، إلى جانب النقص فى توفير الغذاء للقوات، جعله يقلص من نشاطاته ويفقد بعض سيطرته فى الجنوب، خاصة أن عناصر الجيش والتنظيم يترددان فى الدخول إلى مناطق المخيمات لفرض النظام فيها.

ووفقًا لتقارير عسكرية، فإن عناصر التنظيمات الفلسطينية فى لبنان تبحث حاليًا عن إثبات الوجود، خاصة فى ظل استمرار إثارة مسألة ملكية المنازل والأراضى فى حى الشيخ جرّاح بمدينة القدس المحتلة، فى المنطقة التى تحمل أهمية دينية خاصة نظرًا لقربها من الحرم الإبراهيمى، ما جعلها تتسبب فى التصعيد والمواجهة العسكرية التى نشبت بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية فى مايو الماضى.

من أجل ذلك، يرى المحللون فى إسرائيل أن تنظيم «حزب الله» اختار عمليًا «غض البصر» عن إطلاق النار بعد رده الفاتر على القصف الإسرائيلى، مشيرين إلى تزامن القصف مع الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت، الذى تسبب بمقتل المئات ودمر أحياء كاملة فى العاصمة اللبنانية، واعتبر كثيرون أن «حزب الله» هو المسئول عنه بإهماله، ما سمح للتنظيم بتحويل انتباه الرأى العام اللبنانى عن ذكرى الانفجار.

فى المقابل، اختارت طائرات سلاح الجو الإسرائيلى، التى هاجمت لبنان لأول مرة منذ ٨ أعوام، قصف أماكن إطلاق الصواريخ، بالقرب من مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، الذى يبعد نحو ٥ كيلومترات عن مدينة صور، كما قصفت طريقًا داخليًا قريبًا فى قرية المحمودية، بعدما اكتشفت مرور سيارة كانت تحمل منصة إطلاق للصواريخ، بقُطر ١٢٢ ملليمترًا، على هذا الطريق قبل أن تتمركز وتطلق صواريخها.

ويعتقد المراقبون أن مواقع القصف وحجم الخسائر ليست لها أهمية فعلية، لأن الهدف الحقيقى كان إرسال رسائل للبنان توضح أن تل أبيب قادرة على ضرب البنى التحتية اللبنانية إذا استمر إطلاق الصواريخ تجاهها، مع تحميل الجيش اللبنانى المسئولية عن الصواريخ، التى تنطلق من أرضه.

كما يوضح المراقبون أن إسرائيل اختارت أن تضرب مواقع إطلاق الصواريخ بدقة، لترسل رسالة إلى الفصائل الفلسطينية حول قدراتها الاستخباراتية والعسكرية، بالإضافة إلى التلميح بأن الرد سيكون أقوى فى المرات المقبلة، ما يعنى أن على اللبنانيين الذين لا يريدون إشعال مناطقهم الحرص على ألّا يطلق الفلسطينيون من المخيمات أى صواريخ على إسرائيل.

فرض الهدوء على حدود الشمال لمنع صرف الأنظار عن المشكلة الإيرانية

تشير التقديرات فى الجيش الإسرائيلى إلى أن هناك احتمالًا كبيرًا بأن يواصل النشطاء الفلسطينيون إطلاق الصواريخ من الجنوب اللبنانى على إسرائيل خلال الفترة المقبلة، وذلك من أجل الدفع نحو تصعيد كبير ومواجهة بين تل أبيب و«حزب الله».

وتعمل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بشكل مكثف على جمع معلومات استخباراتية عن النشطاء الفلسطينيين فى مخيمات اللاجئين، مع بحث مسألة توجيه ضربة مباشرة إلى هؤلاء النشطاء، ما قد يرفع مستوى التوتر على الجبهة الشمالية لعدة أشهر.

وفى ضوء ذلك، بدأت الحكومة الإسرائيلية، فى أول أغسطس الجارى، إقامة عوائق فى المنطقة الحدودية مع لبنان، بالإضافة إلى تحصين المبانى السكنية والعامة التى تقع على بعد كيلومتر واحد من منطقة الحدود، مع تزويد المنطقة بوسائل تكنولوجية وكاميرات ومجسات، تشبه تلك المستخدمة فى منطقة الحدود مع قطاع غزة.

وتوضح التقارير الأمنية الإسرائيلية أن الهدف من تلك العوائق هو خفض التصعيد على الحدود اللبنانية لأقصى درجة، حتى لا ينصرف الاهتمام الدولى عن الهجمات الإيرانية على السفن الإسرائيلية فى المنطقة، خاصة أن طهران قد تشجع «حزب الله» على بدء القتال والتصعيد لتخفيف الضغط الدولى عليها، وهو ما لا ترغب فيه إسرائيل فى الوقت الحالى.

ويتخوف بعض الآراء داخل المؤسسة العسكرية فى إسرائيل من اضطرارها للتصعيد فى جنوب لبنان ردًا على قصفها من الفصائل الفلسطينية، مع بحث مسألة كيفية الرد بقوة وحزم يجبران الجيش اللبنانى و«حزب الله» على التحرك ضد الفلسطينيين فى جنوب لبنان.

كما تتخوف المؤسسة العسكرية من الاضطرار للتورط فى قصف أهداف داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، الأمر الذى يؤدى لنتائج غير مرغوب فيها، خاصة أن تلك المخيمات مكتظة بالسكان، الأمر الذى قد يتسبب فى وقوع أعداد كبيرة من الضحايا، ما يسبب أزمة كبيرة لإسرائيل أمام المجتمع الدولى، ويعرضها لكثير من الانتقادات، فى ظل رغبة بعض الدول فى الدفع لمحاكمتها أمام المحكمة الجنائية الدولية.

من ناحية أخرى، فإن قصف مخيمات اللاجئين فى عمق الأراضى اللبنانية سيورط إسرائيل أيضًا فى تصعيد مباشر مع «حزب الله»، الذى يسيطر على الجنوب اللبنانى، الأمر الذى سيجعل التنظيم يرفض الوقوف مكتوف الأيدى أمام تلك الهجمات، خاصة أنه من غير المعروف ما إذا كان «حزب الله» قد وافق من الأساس على إطلاق العناصر الفلسطينية للصواريخ ضد إسرائيل أم لا.