رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

3 محاكمات في حياة صاحب نوبل

«الدستور» تنفرد بنشر مقدمة كتاب «حضرة المتهم نجيب محفوظ» لأيمن الحكيم

 نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

يصدر عن "دار إنسان" للنشر بالقاهرة، كتابا جديدا للكاتب الصحفي أيمن الحكيم، بعنوان "حضرة المتهم نجيب محفوظ.. الملف القضائي لأديب مصر"، وذلك تزامنا مع معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ52.

 

الكاتب الصحفي أيمن الحكيم، قال إن نجيب محفوظ دخل المحكمة متهما في 3 قضايا، أولها قضية فيلم "الكرنك" سنة 1976 ، في الدعوى التي أقامها صلاح نصر ضد صناع الفيلم بتهمة التشهير به وكان على رأسهم نجيب بوصفه مؤلف الرواية المأخوذ عنها الفيلم، والثانية سنة 1994 في الدعوى التي أقامها محامي من المنصورة يطالب فيها بالتفريق بين محفوظ وزوجته ويتهمه في عقيدته لأنه أضاف اسما جديدا إلى أسماء الله الحسنى (الجبلاوي)، والثالثة سنة 1998 في الدعوى التي أقامها ابن أخت محفوظ يتهمه بالسب والقذف في مذكراته التي كتبها أستاذنا رجاء النقاش.


وعن عمله على الكتاب الجديد، قال أيمن الحكيم: “كان من حسن حظي أنني حصلت على ملفات هذه القضايا التي جرجرت نجيب محفوظ إلي المحكمة، ولذلك أعتبر هذا الكتاب إضافة لتاريخ أديب مصر واضاءة على جانب جديد من سيرته، هذا إذا أضفنا إليها وثائق قضيتين دخل بسببهما نجيب إلى محكمة التاريخ.
 

"الدستور" تنفرد بنشر مقدمة كتاب "حضرة المتهم نجيب محفوظ" لأيمن الحكيم، و الفصل الخاص بقضية الكرنك (على جزئين) - (1-2) 

 

البداية 
 المتهم ..البريء دائما !
 

يظل نجيب محفوظ رجلا وديعا مسالما ساريا كالنسيم حتي يمسك بالقلم، حينها يتحول إلي رجل آخر، جسورا مقاتلا مندفعا كطوفان، لا يفكر في عاقبة  ولا يخشي عقاب، يقول كل ما عنده، لا سقف لحريته، ولا حدود لشجاعته، وأحيانا لتهوره، فإذا ما وضع القلم عاد لطبيعته يفكر في مستقبل بناته، وعناء الوصول إلي مقر عمله في زحام الصباح، وفي مرتبه الذي تستره جنيهاته بالكاد.. وفي كل الأحوال لا تفارقه ابتسامته التي كثيرا ما تحولت إلي ضحكة مجلجلة !


في حياته اليومية العادية كان أديب مصر الكبير رجل شديد الانضباط، بل تضبط الساعة علي تفاصيل يومه، يصحو في موعد محدد، يذهب ويعود من عمله في مواعيد ثابته لا تتغير، لقاءاته الأسبوعية مع حرافيشه محددة المكان والزمان، ميعاد أجازته الصيفية السنوية بالإسكندرية محسوب باليوم والساعة والثانية، لا شيء عنده متروك للصدفة أو الحالة المزاجية، فمهما كانت الظروف  يجلس إلي مكتبه ليقرأ ساعتين ثم يشرع في الكتابة، بل يرغم نفسه علي الكتابة أحيانا لو تمنعت عليه، لأنها طقس يومي لابد أن يمارسه كالأكل والمشي وقراءة صحف الصباح وتناول فنجان القهوة علي مهل وهو يتأمل في وجوه البشر ! 


أثبت نجيب محفوظ بالتجربة أن الإبداع ليس مجرد إلهام ينزل من السماء، بل هو في الأساس جد وكد واجتهاد ومثابرة، والمبدع ليس شخصا بوهيميا فوضويا يجلس منكوش الشعر في انتظار فيض السماء حين ميسرة، بل يمكنه أن يكون شخصا طبيعيا ينام مبكرا ويذهب إلي وظيفة يومية ويمارس حياته العادية، لكنه قادر كذلك علي أن يكون مخلصا للكلمة، يستولد الإبداع بالمعاناة في القراءة والتأمل والمتابعة والرصد والزهد في مسرات الحياة !


لم يبالغ أستاذنا الناقد الجليل رجاء النقاش، وهو المعروف بعشقه لنجيب محفوظ شخصا وإبداعا، حينما كتب عنه: "إن نجيب محفوظ يعمل بدقة متناهية، ويلتزم بنظام لا يخرج عليه، ويفعل ذلك بلا توتر ولا عصبية، ولذلك كانت غزارة إنتاجه مع احتفاظه بمستوي هذا الإنتاج.. وقد ساعده علي ذلك أنه منذ اختار مهنة الكتابة مجالا لعمله الأساسي فإنه قد قام بنوع من ( التركيز ) الشديد علي هذه المهنة، وفرض علي نفسه – طائعا وسعيدا – قدرا عاليا من ( الاستغناء ) عن أي شئ آخر، فلم يشغل نفسه بجمع مال، ولم يحرص في يوم من أيام حياته علي الجري وراء مناصب عالية مهمة، بل ترك نفسه يتدرج في وظائفه المختلفة بصورة طبيعية لا افتعال فيها، أما بالنسبة للأشياء الأخرى التي يسعي الناس إلي امتلاكها والحرص عليها، فقد نفض نجيب محفوظ يده منها، فهو لا يملك "سيارة ".. كما أنه يسكن في شقة عادية من شقق الطبقة المتوسطة في مصر.. ومثل هذا ( الاستغناء ) المليء بالرضا وعدم السخط والانصراف عن الدخول في أي مقارنة بينه وبين الآخرين، قد أعطي لنجيب محفوظ قدرا كبيرا من صفاء الذهن وهدوء الأعصاب، كما أتاح له أن يفكر ويتأمل في المشاكل الكبرى للإنسان مما أعطي لأدبه عمقا وقيمة ".


لكن الأمر لم يكن بتلك الصورة ( الوردية ) و ( المثالية ) التي كتب عنها رجاء النقاش، فلم تكن الحياة عند محفوظ بهذا القدر من الصفاء الذهني وهدوء الأعصاب، فقد تسببت رواياته وما بها من ( ألغام ) في أزمات ومشكلات وعواصف عصفت بهذا الصفاء ومزقت ذلك الهدوء، فقد كاد نقده للسلطة ولاستبداد الحكم في زمن عبد الناصر يكلفه حريته وسنوات من الاعتقال، وكاد غضب التيار المتأسلم علي روايته ( أولاد حارتنا ) يكلفه حياته، لولا لطف الله ونجاته بمعجزة من محاولة اغتياله الآثمة في 14 أكتوبر 1994 !


وفوق غضب السلطة وغباء مهاويس الدين لاحقت نجيب محفوظ الدعاوي القضائية، ووجد نفسه متهما ب ( ازدراء الأديان )، و يطلب خصومه التفرقة بينه وبين زوجته مثلما فعلوا مع د. نصر أبو زيد، ومرة متهما ب ( السب والقذف ) ويطلب صاحب الدعوي الذي هو ابن شقيقته تعويضا ماليا وحذف أجزاء من مذكرات ( خاله )، ودعاوي أخري وجد نجيب محفوظ نفسه طرفا فيها رغما عنه مع سبق الإصرار والترصد !


وهذا الكتاب هو الأول من نوعه الذي يجمع ( الملف القضائي ) لنجيب محفوظ ، ويوثق الدعاوي القضائية التي كان  أديب مصر طرفا فيها : متهما غالبا، ومجنيا عليه أحيانا، وبريئا دائما ..!
وينفرد الكتاب بنشر مذكرات دفاع نجيب محفوظ كاملة في قضيتين من أخطر القضايا التي أقيمت ضد كاتبنا الكبير، كانت الأولي بسبب روايته الأشهر ( أولاد حارتنا ) وطالب فيها صاحب الدعوي بالتفريق بين نجيب محفوظ وزوجته، لأنه حسب ادعائه أضاف اسما جديدا إلي أسماء الله الحسني : الجبلاوي !! وهو ازدراء بالدين من وجهة نظره يستوجب تفريقه عن زوجته، ورغم أنها دعوي غريبة ومريبة بل وهزلية، لكن ما تتضمنه من تفاصيل ووثائق يمنحها أهمية خاصة وموقع فريد في الملف القضائي لنجيب محفوظ !


والدعوي الثانية كانت بسبب مذكرات نجيب محفوظ ، التي كتبها أستاذنا رجاء النقاش وأصدرها في صيف العام 1998، وأحدثت دويا هائلا وردود أفعال واسعة، لكن محفوظ والنقاش فوجئا بدعوي قضائية تقودهما إلي المحكمة بتهمة السب والقذف، من آخر شخص يتوقعانه : ابن شقيقة نجيب محفوظ ، يطالبهما بتعويض مالي ضخم، ومصادرة المذكرات لحذف أجزاء منها رأي أنها تتضمن اساءة بالغة له ولأسرته !


وقد كانت الخطة الأولي للكتاب تميل إلي التحديد، وأن تقتصر فصوله علي ملفات القضايا التي ذهب فيها نجيب محفوظ إلي المحكمة، سواء متهما ومشكوا في حقه، أو حتي مجنيا عليه مثلما كان الحال في محاولة اغتياله الآثمة في 14 أكتوبر 1994، إلا أننا رأينا أن نوسع الدائرة قليلا ونضيف فصولا أخري لا تبتعد كثيرا عن الموضوع الأصلي بل تضيف إليه وتعمقه، وفيها وقف نجيب محفوظ متهما كذلك، ولكن ليس أمام القضاء، وإنما أمام جمهوره ومحبيه وهم بالملايين، وأفردنا هنا مساحة لقضيتين أو قل معركتين بالذات كنت طرفا فيهما، واشتعلت شرارتهما بعد حوارين أثارا جدلا واسعا، وتجمعت عندي بسببهما وثائق مهمة وتفصيلات جديدة تخص منطقتين شديدتا الحساسية في مسيرة نجيب محفوظ :


- موقفه من ثورة يوليو 1952 والاتهامات التي طاردته طويلا بالعداء للثورة وزعيمها جمال عبد الناصر وتجربته !


- موقفه من إسرائيل ، وحقيقة العلاقات التي ربطته بالنقاد الإسرائيليين وزياراتهم له بالقاهرة بعد معاهدة السلام ، التي كان نجيب محفوظ أحد أشد مؤيديها وكبار المتحمسين لعقدها !


ففي الفصلين يمكنك أن تقف علي تفاصيل جديدة ومعلومات مختلفة وحقائق ربما تثير دهشة الكثيرين !


كما أنهينا الكتاب بقائمة من الملاحق والوثائق والصور نتصور أنها اضافة مهمة لموضوعه ، وبينها ما ينشر لأول مرة ..


ولا يتبقى سوي كلمة شكر وتحية واجبة للدكتور أحمد السيد عوضين محامي نجيب محفوظ ، الذي قدم لنا كل عون وزودنا بوثائق تنشر لأول مرة من الملف القضائي لموكله نجيب محفوظ، وقد رأينا أن نبدأ فصول الكتاب بحوار مطول معه، يحكي فيه إجمالا عن الدعاوي القضائية التي قادت نجيب محفوظ إلي المحكمة وترافع فيها عنه، لأن الحوار هنا أشبه بخريطة طريق للكتاب كله ..
الذي نظن أنه  عمل يقدم جانبا جديدا وغير مسبوق من سيرة نجيب محفوظ ..الذي عاش يملأ الدنيا وسيظل بعد رحيله يشغل الناس!


والله من وراء القصد
 

أيمن الحكيم