رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دستور مصر الحديثة


لا شك أن اللجنة الدستورية الثانية والمعروفة إعلامياً بلجنة الخمسين سوف تواجه امتحاناً ليس سهلاً إذ جاءت لجنة الخمسين بعد لجنة المائة ورغم وجود عدد ليس بقليل من أعضاء لجنة الخمسين كانوا فى لجنة المائة إلا أن امتحان الثانية أشد صعوبة من اختبار اللجنة الأولى، إذ لم يكن للأولى من يتربص بها حتى من المنسحبين منها ونحن منها إذ آثروا السلامة وانسحبوا قل النهاية بأيام معدودة لقناعتهم أن المسار تغير مع قرب النهاية وإرادة الأغلبية كانت لها الغلبة مما دعا الفريق المدنى للانسحاب الهادئ.

لهذا السبب نرى أن اللجنة الحالية وهى لجنة الخمسين وهى تبذل الجهد لإخراج دستور غير معيب قدر الاستطاعة مراهنين فى ذلك على الإرادة الشعبية الواعية والتى لن تخضع لضغط من أحد إلا للضمير والعقل والصالح العام، آملين أن تكون لجنة الخمسين عند حسن تقديرهم وتقدير عموم شعب مصر الذين ينتظرون من اللجنة دستوراً يفخر به كل مصرى، فمصر من أقدم الدول التى عرفت الدساتير إذ عرف المصريون القدماء فى عصر الملك مينا أول دستور فى عام 4200 قبل الميلاد وأطلق عليه قانون تحوت.

ثم عاصرت القوانين المصرية القديمة العراق بتشريع حمورابى ثم بعد مصر والعراق بآلاف السنين دستور دراكو فى اليونان عام 621ق.م، ذلك الدستور الذى أدخل عقوبة الإعدام لأول مرة.

وكان الفيلسوف أرسطو هو من أدخل تعديلات جوهرية عام 350ق.م. إذ فصل بين ما يمكن أن يطلق عليه أحكام دستورية وما تختص به القوانين الوضعية.

أما الدساتير التى تلت تاريخ ما قبل الميلاد والتى أطلق عليها دساتير حديثة فقد وضعها الرومان واليونان والألمان واليابان ثم وثيقة المدينة فى السنة الأولى للهجرة بهدف تنظيم الحياة والعلاقات بين المهاجرين والأنصار.

أما آخر دساتير القرن الأول للميلاد فهو القانون الذى أطلق عليه دستور ويلز الصادر عام 950ميلادية.

وعودة إلى مصر الحديثة التى عرفت ما يطلق عليه اللائحة الأساسية للمجلس العالى الصادرة من محمد على باشا فى عام 1825، وتليها أخرى فى يوليو 1837 فيما عرف بقانون «السياستنامة»، وفى زمن حكم الخديو إسماعيل صدرت لائحة تأسيس مجلس شورى النواب فى 22 من أكتوبر 1866، وأطلق عليها فى زمانها اللائحة أو الدستور العصرى.

وفى زمن الخديو توفيق صدرت اللائحة الأساسية فى 7 فبراير 1882 والتى تضمنت كيفية انتخاب مجلس النواب، ثم صدر الدستور فى ذات العام، ثم جاء الاحتلال البريطانى لمصر ليوقف ذلك الدستور الحديث إلى أن صدر الدستور فى 19 أبريل 1923، والذى لم يستقر العمل به إلا نحو سبع سنوات، إذ ألغى فى 22 من أكتوبر 1930 ليعود العمل بدستور 1923 وحتى قيام الثورة 1952.

وعاشت مصر بين الإعلانات الدستورية أو دستور الوحدة مع سوريا الذى لم يعش طويلاً حتى إعلان دستور 1971 والذى أجريت عليه تعديلات كثيرة فى أعوام 1980، و2005، والذى اشتهر بالمادة المعدلة رقم 76، وعلى إثرها جرت انتخابات رئاسية فى مصر فى 26 مارس 2007، واستحدث قانون الإرهاب وفقاً للمادة 179.

ثم حدثت ثورة 25 يناير 2011، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة للجنة تعيد دراسة الدستور، وتدخل ما تراه من تعديلات بلغت فى جملتها ثلاثاً وستين مادة، تم استفتاء الشعب عليها فى 19 مارس 2011، وها نحن أمام لجنة دستورية تدعى لجنة الخمسين لإجراء التعديلات الدستورية أو إن شئنا أن نقول لتقديم مسودة للدستور اللائق بعد الثورة الثانية التي جرت فى 30 يونيو 2013، وبناء على الإعلان الدستوري فإن للجنة الخمسين أن تنهي مراجعة المواد التي اقترحتها للجنة العشرة فى ثلاثين يوماً وتسعي لجنة الخمسين لإجراء التعديلات، أو كما يراها البعض تقديم دستور جديد، مع أننا نسير وفقاً لأبواب ومواد دستور 2012، والذى بدوره لم يخالف كثيراً دستور 1971 من حيث الأبواب، وترتيب الفصول، ولم نستحدث إلا القليل الذى يمكن أن نضيفه، لاسيما فى مواد الحقوق والحريات حتى تأتى المواد الجديدة محققة لطموحات الذين دافعوا عن حقوق مصر والمصريين، ودفعوا أغلى الثمن وهو حياتهم، مما يضع على أعناقنا ديناً ثقيلاً لا نستطيع الفكاك منه إلا بدستور عصرى مدنى، يسمح لهذا الشعب الأصيل أن يمارس حياته، وينعم بخيرات بلده، ويتحرر من كل قيد إلا الخلق الكريم، والعيش الملائم، والحياة الراقبة، ولتكن المواد الدستورية كافية وكفيلة لهذه المقاصد السامية، إذ كفانا قيوداً وغموضاً لصالح الأقلية قبل الغالبية، فالغالبية عادة ما لا تحتاج إلى قوانين تحمى إلا من تسلط الحاكم الذى - عادة - ما يكون من بين صفوف الأغلبية، إلا أنه ما لم يحصن بالمواد الحاكمة قد يفلت زمامه وينجذب للغرور حتى ارتكاب الشرور فى حق شعبه الذين أحسنوا النوايا وأقاموه حاكماً، وإذ به يتحول إلى سجان، وبيده الصولجان، فيكتب الأحكام وعناصر الاتهام، وباليد الأخرى مقصلة الإعدام أو مفاتيح زنازين من وجهوا له الاتهام، فصار الحاكم ديانا وقاضياً وسجاناَ وشرطى التنفيذ لما يصدره من أحكام.

من أجل هذا كنا أحرص على أن يأتى الدستور الذى لم يخرج للنور بعد فيكون الدستور الذى يفخر به كل مصرى، لا ينحاز إلى طبقة دون أخرى، وإن جاز أن ينحاز فإلى الفقراء والمهمشين والذين أنكرت عليهم حقوقهم، فجردوا من الغطاء، فصاروا نسياً منسياً بدعوى الاختلاف فى الجنس أو الدين أو التهميش المجتمعى للطفل والفقير، لذا تحاول لجنة الخمسين أن تقدم للشعب العظيم دستوراً يليق بمن دفعوا حياتهم لهدف أسمى، فإلى اللقاء فى العدد القادم، عسى أن تكون بعض أجزاء المشروع الدستورى قد تم التصديق عليها حتى نعرضها للقراء من الشعب العظيم، فإلى الأسبوع القادم بمشيئة الله.

■ رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر