رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. واتفق الفرقاء في القاهرة


منذ أشهر قليلة كنت فى زيارة لباريس.. وقابلت رجل أعمال فرنسيًا فى فعالية ثقافية تضم مصريين وفرنسيين، وعندما علم أننى مصرية قال لى وهو يبتسم ابتسامة عريضة.. إنه سوف يذهب إلى «مصر» الشهر المقبل فى رحلة عمل، فرحت طبعا وسألته: أى مدينة سوف تكون وجهتك.. بالتأكيد «القاهرة»؟ فقال: «لا قطر». اندهشت، وبصراحة أكثر استنكرت، وقلت له إن «قطر» ليست مدينة مصرية هى دولة عربية مستقلة تقع فى منطقة الخليج العربى.. أدهشنى أكثر عندما رد: «نعم أعرف، ولكننا الأوروبيين نعتبر أن كل ما يقع فى المنطقة العربية هو (مصر)، فهى الأكبر والأقدم والأهم».. وأضاف «بالنسبة لى كل الدول العربية مصر».. ودار الحديث بعدها عن البلد التاريخى وعن آثاره وحضارته وعشق الفرنسيين له.


بعد انتهاء الحوار مع رجل الأعمال الفرنسى دار فى عقلى حوار آخر عن دور مصر وأهميتها بين العرب، وتبدل الاستنكار إلى فخر وسعادة، لأن بلادى قوية وكبيرة لدرجة أن منطقة كاملة بدول وممالك يطلق عليها اسمها.. قد تغضب «مصر» من دولة وتتجاهل دويلة، قد يدب الخلاف بينها وبين شقيقة، ولكنها أبدًا لا تخلف الوعد ولا تنقض العهد، لا تنس دورها فى الوقوف بجانب العرب وفى ظهرهم، فهى السند فى الشدة حتى فى أوقات الخصام والخلاف.

ولأنها صاحبة الحضارة الأولى، وبسبب دورها هذا بين العرب يرى العالم أجمع أن المنطقة العربية اسمها «مصر».

ورغم ما تمر به الدولة المصرية من أزمات ومشكلات اقتصادية واجتماعية وأمنية، ورغم أنها دولة فى حالة حرب حقيقية، فإنها تقف مع غيرها فى أزماتهم وتحل مشكلاتهم وتجمع الفرقاء.

وهو ما حدث منذ أيام قليلة مع «ليبيا»، الدولة التى طالها التدمير من كل جانب واستبد بها الخراب حتى كاد يطيح بها من على خريطة العالم، واستقبلت «القاهرة» الأشقاء الليبيين لعقد اتفاق مهم يسعى لعودة ليبيا كدولة من جديد.

كان فيه من الجانب الليبى.. المشير «خليفة حفتر»، قائد الجيش الليبى، و«فايز السراج»، رئيس المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطنى، والمستشار «عقيلة صالح»، رئيس مجلس النواب، وفريق من دبلوماسيين ومثقفين ليبيين وكذلك مجموعة من شيوخ وأعيان القبائل الليبية.

ومن الجانب المصرى.. حضر رئيس أركان الجيش الفريق «محمود حجازى»، ووزير الخارجية «سامح شكرى»، وتم الاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية فى فبراير 2018، وتشكيل لجنة تتكون من 15 عضوًا من مجلس النواب ومجلس الدولة للنظر فى تعديل اتفاق الصخيرات السياسى، وأن يقوم مجلس النواب بإجراء تعديلات دستورية.

كل هذا يعنى أن مصر نجحت فى تحقيق التوافق بين المختلفين فى ليبيا، والذين اتفقوا، برعاية مصرية، على عودة ليبيا إلى خريطة العالم مرة أخرى، صحيح أن لمصر هدفًا ومصلحة لأن ليبيا أمن مصر القومى، ولعلنا نعرف عمليات تهريب السلاح والبشر وكم الإرهابيين الذى يأتى لمصر منها، فهى بوابة مصر الغربية، واستقرار «ليبيا»، وعودة الأمن والأمان بها، يصب فى مصلحتنا، ولكن مصر أيضا تقوم بدورها وواجبها تجاه الدول العربية بشكل عام، فهى السند وبيت العرب جميعا، وهى وحدها القادرة على فعل المستحيل وعلى النجاح فيما تفشل فيه دول كبرى، لما لها من مكانة خاصة بين العرب وكلمتها النافذة عليهم. نجحت مصر فى اتفاق الليبيين رغم ما تعانى من مصاعب، ورغم العقبات التى مازالت فى طريق المصريين نحو تحقيق التنمية والتقدم.. فهى الكبيرة وهذا قدرها.