رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهوية المصرية - القومية


المصريون هم من أسسوا أول دولة قومية من أكثر من خمسة آلاف سنة، إلا أن قوميتهم الحديثة لم تظهر إلا مع عام 1890، ثم مع وقوعها تحت الاحتلال الإنجليزى بدأت تظهر مكونات الشخصية المصرية بما تحمله من مزج الفرعونية والمسيحية والإسلامية.

ومع منتصف القرن العشرين بدأ التأثير القومى العربى يحاول إعادة تشكيل قوميتنا ويصبغها بالقيم العربية الإسلامية، وإن لم تستطع التأثيرات العربية –الإسلامية أن تمحو التأثيرات الفرعونية اليونانية ثم الأوروبية التى نقلها المصريون أمثال أحمد لطفى السيد وطه حسين.

ثم حاول التيار الإسلامى بقيادة حسن البنا تغيير الهوية ذات الطبقات المتداخلة فرعونية رومانية يونانية مسيحية إسلامية بإحلال فكرة القومية العربية حتى تغير اسم مصر إلى الجمهورية العربية المتحدة – الإقليم الجنوبى «سوريا –الشمالى».

«السادات» ومساهمته فى الخروج بالانفتاح إلى الغرب، وتوقيع معاهدة السلام مع إسرئيل الأمر الذى أغضب التيار الإسلامى فانتهى بقتله فى 6/10/1980 ، إلا أنه كان قد ساهم فى إحياء القومية المصرية.

هل مصر دوله عربية؟

العولمة تهدد الهوية

هناك جدل طويل حول تأثير العولمة فى الخصوصية الوطنية فالانفتاح يشجع على تبادل المنافع والتكامل الاقتصادى بالأسواق المشتركة حتى قيل إن عصر الدولة الوطنية قد انتهى، فالسوق العالمية المشتركة أصبحت أقوى من الخصوصيات الوطنية والمحلية.

وساعد على ذوبان الهويات والقوميات ثورة الاتصالات، ويسر المواصلات، ونهضة وسائل الإعلام الجماهيرية من تليفزيون وإذاعة وسينما وصحافة، حتى حاصرت الثقافة الغربية سائر الحضارات والقوميات القديمة، كل هذا جاء على حساب الوعى الوطنى، فانبهر الشرق بثقافة الغرب، وصناعاته، ومنتجاته، وأفكاره، ولغته بما عرف بأمركة العالم، والدليل على ذلك سيادة الدولار الأمريكى على سائر العملات الأخرى.

أزمة الهوية المصرية.. فى رأينا أن سر أزمة هويتنا هو الهروب من الحاضر إلى الماضي، تلك هى الأزمة الحقيقية لهويتنا المصرية بعلاج أمراض الحاضر بالوصفية العلاجية فى أغانى الماضي، والأجدر بنا أن نراجع الماضى مراجعة نقدية لأفضل ما توارثناه من الماضى وانتقاء أهم ملامح الحاضر بالانفتاح على المستقبل والتخلص من الثنائية الاستبعادية «إما أو»، أو الاختيار بين الأصالة أو المعاصرة، فالحاجة إلى الدراسة النقدية لهما معاً، والإضافة إليهما، فالخطر كل الخطر هى الرؤية الأحادية متخيلة الماضى الذهبى، وفرضها على الحاضر، أو محاولة نقل الهويات الغربية ببريقها تحت شعار الأزمة بين الأنا العربى المتخلف، والآخر الغربى المتحضر فى منجزاته العلمية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، وفى الوقت نفسه ننادى بعدوانية تجاه الغرب واستعماره، وهنا نتصادم مع التناقض بالانبهار من ناحية، والرفض والمقاومة والعداء من ناحية أخرى، وهذا ما يعقد مسألة الهوية المصرية بهذا التنازع المصطنع، والذى لا يقوم على أساس صحيح، بل يخلق منازعة لا أساس لها.

الهوية المصرية والدعوة لقومية عربية ..مما يزيد هويتنا المصرية تعقيداً ليس فقط المنازعة والتداخل مع الثقافة الغربية، بل تداخلنا الهوية المحلية بطبقاتها الفرعونية الرومانية اليونانية القبطية مع الدعوة للقومية العربية، بينما تتميز كل دولة عربية بثقافتها وهويتها الخاصة، مع الوضع فى الاعتبار لوجود قواسم مشتركة بينها.

الهيمنة العالمية وتأثيرها فى الهويات المحلية ومنها المصرية..أين هوية مصر بتركيبتها المتداخلة بالنسبة إلى الهوية العالمية، فهل انتهى عصر الدولة فى عصر العولمة والتوحش الاقتصادى الأمريكى واليابانى ومعهما الاتحاد الأوروبى الذى أصبح يملك الانتاج منخفض التكاليف، ومع هؤلاء ظهور دول النمور الآسيوية التى لم يدهسها قطار الاستثمار الأجنبى المباشر، بل على العكس، أصبح تابعاً لها وليس قاطرة لاقتصادها، بعكس بعض الدول اللاتينية الأمريكية التى اعتمدت على التبعية الثقيلة للقروض الأجنبية، وعلى تدفق رأس المال الأجنبى، الأمر الذى أثقلها بالديون، فخضعت للتذبذب والاقتراض بالفوائد، والخوف كل الخوف أن تدخل مصر فى ذات النفق، فتقع تحت الهيمنة العالمية، وبالتالى تتأثر - إن لم تذب الهوية فى الهيمنة وعزلة الجماهير - وسيطرة الحكم، وسد الأفواه، واتهام المعارضين بالتحريض ضد نظام الحكم.

لا يزال باب الحوار مفتوحاً بين هويتنا وتركيبتها المتداخلة، بين المقدس فى تراثنا وواقعنا، وما أضيف إلينا، وبين قطار المجتمع الدولى ومحاولة الركوب أو النزول منه وفق حجم الضغط الدينى المركب الذى يحاول وقف القطار أو تعطيل سرعته قدر المستطاع