جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

بابوات مصر.. !

أثبتت المواقف أن رجال الكنيسة المصرية وعلى رأسها بابواتها، أنهم هم من صنعوا التاريخ الذي نفخر به ونتباهى به ونتمسك به من أجل الحفاظ على وطن قوي لا يقدر عليه أحد، بوحدته، وتماسكه، ونضاله ضد المحتل والغاصب وضد كل طامع ومغرض.

ويشهد التاريخ أن بابوات مصر على مر العصور كانوا حائط الصد الأول لأي مؤامرة استهدفت وحدة الأمة، فعلى أعتاب الكنائس سقطت كل المؤامرات وفشلت كل المحاولات التي ظنت أن أقباط مصر يمكن أن يكونوا مدخلًا لشق الصف الوطني أو تعكيره أو إضعافه.


فى 18 نوفمبر من عام 2012 جلس البابا تواضروس على كرسي البابوي ليتزامن ذلك التاريخ مع تصاعد غضب المصريين من تصرفات جماعة الإخوان ومحاولاتها الانفراد بالسلطة، وقد بات واضحًا أن الجماعة لا يهمها إلا مصلحتها فقط، وتنفيذ أجندتها الخاصة بعيدًا عن المصلحة الوطنية، حتى وصلنا لحافة الهاوية وأوشكنا على الانفجار.

فلجأ الإخوان إلى حيلة الاستقطاب واستمالة أصحاب النفوس الضعيفة والمصالح الرخيصة، فوقع منهم من وقع، بينما وقفت مؤسساتنا الدينية ضد مؤامرات الإخوان محافظة على الصف الوطني برفضها أي محاولات للترغيب الذي ينتهى بشق الصف الوطني أو التهديد الذي لن يجدي مع الشعب المصري. 


حاولت الجماعة كعادتها استمالة البابا «الجديد» وفشلوا، فحاولوا مرة الترهيب تارة بالاعتداء على إحدى الكنائس وقتل حارسها، وتارة أخرى بسن تشريعات والتهديد بها من أجل إخافة الجماعة المسيحية وفشلوا أيضًا أمام إصرار البابا على موقفه الداعم لأي تحرك وطني، متيقنًا أن أي موقف غير هذا الموقف سوف يشق الصف الوطني، وقال البابا للإخوان ردًا على سؤالهم له: ماذا يريد المسيحيون من جماعة الإخوان فقال لهم: لا نريد منكم شيئًا إلا الحرية والعدالة للمصريين جميعًا.


وحين تصاعدت حدة الإرهاب الإخوانية مستهدفين وحدة الوطن من خلال الجسد المسيحي، باستهداف الكنائس وإزهاق الأرواح البريئة لعل البابا يطلب النجدة من الخارج، لكن الوعي غلب والوطنية سبقت، وقال البابا كلمته الشهيرة «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، وهي الجملة التي تحولت من مقولة للبابا إلى دستور تعيش به الأسرة المصرية الواحدة بجناحيها في وطن واحد يجمعهم وإلى ما يشاء الله.


ولم تكن مواقف البابا تواضروس من جماعة الإخوان ووقوفه ضد أي محاولات لشق الصف الوطني ووحدته إلا ميراثًا لأجداده من باباوات مصر العظام عبر العصور، فتسجل دفاتر التاريخ أن مصر شهدت محاولات عديدة للاختراق الخارجي من الشرق والغرب عبر بوابة المسيحيين، وجميعها فشل فشلًا ذريعًا، فبالعودة إلى بدايات عصر محمد علي الباشا التركي الذي استولى على حكم مصر بدعم من المصريين أنفسهم، وظنت روسيا القيصرية وقتها أنها يمكنها التدخل في الشرق عبر ورقة الأقليات، فبعثت روسيا أميرًا إلى البابا بطرس الجاولي البطريرك رقم «109» لتفاوضه في وضع الأقليات تحت حماية قيصر روسيا العظيم، فما كان من البابا العظيم إلا أن سأل الأمير سؤالًا أثار دهشته وفي نفس الوقت أثار غضبه: هل قيصركم يحيا للأبد؟ فأجاب الأمير: لا يا سيدي البابا يموت كسائر البشر، فقال البابا: إذن أنتم تعيشون تحت رعاية ملك يموت، أما نحن الأقباط فنعيش تحت حماية ملك لا ولن يموت للأبد، وهنا خجل الأمير وانصرف مبهوتًا.


وعندما توجه هذا الأمير لمقابلة محمد علي باشا سأله: هل أعجبتك مصر وآثار مصر، أجاب الأمير: نعم ما أعظم «أبي الهول وما أروع الأهرامات»، ولكن شيئًا آخر أثار إعجابي أكثر من هذا وذاك، إنه بطريرك الأقباط ووطنيته، وعندما علم محمد على باشا بموقف البابا أمر أن يكون للبابا مقام الوالي وأمر له بمركبة خاصة كالتي للوالي.
وللحديث بقية..