جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مصر تقدم استراتيجيتها للعالم

بحسب تقدير مصر فإن العالم يحتاج ٣٠٠ مليار دولار سنويًا للتكيف مع التغيرات المناخية، التقدير المصرى أعلن عنه سامح شكرى ممثلًا لمصر كرئيس للقمة، الـ٣٠٠ مليار دولار يجب أن يتم دفعها حتى عام ٢٠٣٠ لتغطى ٣٠ مجالًا وقعت فيها أضرار على ٤ مليارات إنسان من جراء التغيرات المناخية ومن نافلة القول إنها مسئولية الدول الكبيرة والغنية والتى ساهمت بالنسبة الأعظم فى الانبعاثات الحرارية.. الأخبار القادمة من غرف المفاوضات فى شرم الشيخ ليست مبشرة فى هذه النقطة تحديدًا، رغم أن هناك أخبارًا أخرى ممتازة بالنسبة لمصر كدولة، فالمفاوضون الغربيون يتعنتون فى المفاوضات، وهناك حالة من غياب الثقة، وتشكيك فى حق الدول النامية فى التعويض عن الخسائر والأضرار.. معظم الدول الغربية لم تلتزم أساسًا بتعهداتها فى قمة «جلاسكو» والتى لم تتجاوز مئة مليار دولار، وقد أشار الرئيس السيسى لهذا فى خطاب الافتتاح بشكل لا يتناقض مع وضعه كمضيف يجب عليه الترحيب بالضيوف.. مصر حددت ثلاثين مجالًا يجب العمل عليها للتكيف مع تغيرات المناخ منها الأمن الغذائى وضرورة إيقاف هدر الطعام، فهذا الطعام الذى يرمى فى القمامة يطهى بوسائل تتسبب فى زيادة الانبعاثات، ويزرع فى ثلاثين فى المئة من مساحة الأرض الزراعية التى كان يمكن زراعتها بنباتات تنتج الأكسجين وتقلل من الانبعاث الحرارى، هدر الطعام يحدث لأسباب كثيرة مثل عدم حصاده فى وقت مناسب، أو سوء التخزين، أو نهاية تاريخ الصلاحية، أو الإسراف وعادات الاستهلاك الخاطئة، لذلك تقول مصر للعالم إنه لا بد من بذل مزيد من الجهد للتوعية بهذه القضية الهامة التى تتسبب فى الأزمة بشكل غير مباشر، وقد وعت مصر لها منذ ٢٠١٤ بتأسيس سلسلة من الصوامع الحديثة لإيقاف الهدر فى تخزين القمح، لذلك تطالب مصر بخفض كميات الطعام المفقودة إلى النصف، مصر ركزت فى رؤيتها أيضًا على أن الزراعة والرى الحديثين يقللان من خطر الانبعاثات والمجاعات وبالتالى لا بد من تقديم مساعدات للدول النامية للتخلص من وسائل الرى والزراعة التقليدية فى العالم كله لأن عدد سكان العالم سيصبح عشرة مليارات إنسان فى ٢٠٥٠ وبالتالى لا بد من مضاعفة كمية المحاصيل التى تنتج حاليًا، وهذا لا يتم إلا بالعلم وباستثمارات تقدمها الدول الكبرى التى يجب أن تتحمل مسئوليتها تجاه العالم، الرؤية المصرية لتحقيق الأمن الغذائى ضمن استراتيجية التكيف أو تلافى «فجوة التكيف» التى أشارت لها الأمم المتحدة، و«فجوة التكيف» تعنى أن الجهود التى تبذل للعلاج غير كافية، وكذلك التمويلات المقدمة غير كافية، ولو استمرت هذه الفجوة فإن العالم يسير نحو نهايته بمنتهى البساطة، الرؤية المصرية تحدثت عن ضرورة تجنب إزالة الغابات، والحفاظ على المياه، والاستعداد العلمى للكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والفيضانات، وأوصى التقرير بأن يتعاون العالم كله لزراعة نوع معين من الأشجار هو أشجار «المانجاروف» التى تنمو فى المياه المالحة، ولها فوائد بيئية متعددة وتواجه خطر الانقراض لأن المجتمعات المحلية لم تكن تعى بأهميتها البيئية، وقد أقامت بالفعل مشاتل على سواحل البحر الأحمر لزراعة هذه الشجرة بإجمالى ٣٠٠ ألف شجرة، وبحسب تقرير المركز المصرى للفكر فإن الاستراتيجية التى قدمتها مصر للعالم تحدثت عن ضرورة دعم الدول الكبرى لإنتاج الطاقة لـ٦٧٩ مليون شخص فى دول العالم النامى كانوا يفتقرون أصلًا للخدمات سواء النظيفة أو غير النظيفة، وفى مجال النقل قالت مصر إن هناك ٢٫٢ مليار شخص فى العالم يجب أن يحصلوا على خدمات نقل عام وخاص غير ملوثة للبيئة سواء سيارات كهربائية أو أماكن فى قطارات كهربية. المسألة تتعلق فى الأساس بالتمويل، وهل توفره الدول الكبرى أم لا، لذلك قالت أجندة شرم الشيخ إن هذه الأهداف التى تغطى العالم يجب أن تخطط لتنفيذها أكثر من عشرة آلاف مدينة على مستوى العالم، فضلًا عن مئة حكومة إقليمية، مع ٢٠٠٠ شركة من كبريات الشركات العالمية. بشكل عام يمكن القول إن هناك اتجاهًا عالميًا لدمج التنمية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية مع جهود مقاومة التغيرات المناخية، بحيث يكون البناء «على نظافة» كما يقول المثل العامى، هذا الاتجاه يعبر عن نفسه فى تصريحات الرئيس السيسى بالأمس حول أهمية دور المرأة وتنميتها فى مقاومة التغيرات المناخية، ويعبر عن نفسه فى استراتيجيات إدماج الشباب فى جهود مقاومة التغيرات المناخية، ويعبر عن نفسه فى الأجندة المصرية أو أجندة شرم الشيخ والتى تشير أغلب المؤشرات إلى أنها سيتم تبنيها ضمن توصيات المؤتمر والتى تضع الأمن الغذائى فى مقدمة جهود مقاومة تغير المناخ، وهو ما يعنى أن العالم كله وليس مصر فقط سيكون على أعتاب مرحلة جديدة بعد «كوب ٢٧».