جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

احتفالية العندليب 3

مذكرات «العندليب».. أسرار تُحكى لأول مرة عن الحب والفن والشهرة والسياسة

العندليب
العندليب

متعهد حفلات عرض عليه 5 جنيهات ليُحيى حفلًا فى الإسكندرية بعد إذاعة أغنية «لقاء»

المنتج إبراهيم عمارة أغراه بألف جنيه ليشارك فى بطولة «لحن الوفاء» أمام شادية فغضب عبدالوهاب

عرف الحب لأول مرة مع سيدة متزوجة فى الإسكندرية ومصطفى أمين أنقذه من فضح علاقته 

كانت الكاتبة الصحفية والناقدة السينمائية إيريس نظمى قد كتبت سِير المشاهير مثل عبدالوهاب وشادية، وأجرت اتصالًا مع عبدالحليم حافظ لكنه كان متعبًا بشدة، فأجّلت المذكرات، ومضت الأيام حتى قالت فى نفسها: سأُجرى اتصالًا لآخر مرة، واندهشت حين قال لها حليم: «غدًا فى السابعة نبدأ»، وتحدثت «نظمى» مع الكاتب الصحفى مصطفى أمين الذى نصحها بأن تأخذ معها جهازًا لتسجيل الحلقات، وظلت «نظمى» تذهب يوميًا من السابعة ولمدة ساعتين ونصف الساعة تتلقى كلام حليم الملىء بالوجع والفقد والوحشة، حتى قال لها قبل أن يسافر لندن: «بعد رجوعى نرى إن كنت نسيت شيئًا»، ولم يرجع حليم، وخرجت مذكراته تحمل الكثير من الألم والوجع.

يحكى حليم كيف كان ميلاده جنائزيًا، فبعد ولادته بشهور مات أبوه ليبدأ أول سطر فى رحلة المعاناة: «تولى خالى (متولى أحمد عماشة) مسئولية الأسرة، وفى الرابعة من عمرى ألحقنى خالى بكتّاب الشيخ أحمد فى عزبة الحريرى، ولاقيت الأمرّين من الضرب وأحسست بالخطر، لدرجة أن الشيخ كان يأتينى فى أحلامى وكنت أقوم مفزوعًا، وقررت ترك الكتّاب».

كان حليم انطوائيًا فى المدرسة وبيته أيضًا، وكان يشعر بوحشة حين يرى آباء الأولاد يأتون لزيارتهم فى المدرسة وهو ليس له أب يسأل عنه، لكن القدر كان له ترتيب محكم آخر: «كنت أقف فى الطابور أردد مع الأولاد ولاحظت أن الأستاذ محمد ندا يقترب منى ويسمعنى كثيرًا، وزاد اهتمامه بى فى حصة الموسيقى، وبعدها صحبنى معه لملجأ الأيتام لكى أشترك فى إلقاء الأناشيد والأغانى، واكتشفت عالمًا آخر، وشعرت بأن الموسيقى هى ما كان ينقصنى فعدت واندمجت مع الأولاد».

راح حليم يلعب معهم ويذهب للترعة وتعرض للكثير من الحوادث: «كنت أمشى مع صديقى حتى اختفى من جانبى، سقط فى بئر مكشوفة، وتشجعت وذهبت لأهل الولد وأخبرتهم، هذا الحادث أثر علىّ لدرجة أننى فقدت النطق فترة، بعدها ذهبت لدورة المياه لأفاجأ بأننى أنزف دمًا، وصرخت وقلت لخالى فأخذنى للطبيب الذى قال: (بلهارسيا)، وذهبنا للمستشفى وتلقيت سنتيمترًا من المصل، كان الممرض يملأ حقنة كبيرة ويعطى لكل شخص سنتيمترًا منها، حتى إن دماء هذا كانت تختلط بدماء ذاك»، بعدها ذهبت مع العيال لبحر الزقازيق الكبير، ونزلنا ورحنا نتوغل فى المياه، لم أكن أعرف العوم ورحت أصرخ وأشرفت على الموت غرقًا، وفجأة وجدت ولدًا حملنى على ظهره وراح يسحبنى، كان اسمه سمير، ونجوت من الغرق، بعدها بفترة كنت ألعب مع العيال وسقطت من سقف بيت من ارتفاع طابقين وأحدث السقوط شرخًا فى العمود الفقرى ووضعت فى الجبس لمدة أربعة أشهر».

قرر حليم اقتداءً بشقيقه إسماعيل أن يقدم فى معهد الموسيقى العربية، وبعد أن قدّم أوراقه ذهب لميدان السيدة زينب ودعا من هناك أن ينجح فى الامتحان: «أقمت هذه الفترة مع أخى فى شارع الشيخ سلامة حجازى، وظهرت النتيجة ونجحت وحصلت على أول مبلغ وكان عبارة عن جنيهين من المعهد، بعدها بفترة قررت ترك الشارع والإقامة فى المنيل أمام قصر محمد على، وقتها عرفت بافتتاح المعهد العالى للموسيقى المسرحية وقررت أن أدرس فيه لكن أخى إسماعيل نهانى عن الدراسة بمعهدين فى وقت واحد، لكننى أقنعته وتقدمت للمعهد بالفعل، ونجحت فيه وكان ترتيبى الأول، بعدها تقدمت للالتحاق بقسم الأصوات، وأمام محمد حسن الشجاعى، الذى رشح لى آلة الأوبوا للعزف عليها، ولأننى لن أقدر على شراء آلة، فقد منحنى المعهد الآلة لأتدرب عليها، كنت أعزف حين خرج ثعبان كبير وأُصبت بالرعب، لكننى تماسكت وقتلته، وعزفت مرة أخرى ليخرج ثعبان آخر وقتلته أيضًا، وعرفت أن الآلة تجذب الثعابين، ومضت الأيام وتخرجت وعُينت فى طنطا فى مدرسة للبنات، أذكر أن المديرة وقفت ونظرت إلى جسمى النحيف وقالت لى: (أنا عندى بنات أكبر منك)».

دخل حليم الفصل وضحكت التلميذات على نحافته: «وما ذنبى إن تخرجت وأنا فى السادسة عشرة من عمرى، وكنت مضطرًا لتقديم الشهادة لكل من يقابلنى، لكننى نجحت فى نيل تقدير البنات والمديرة، كان أول مرتب تقاضيته ١٧ جنيهًا، بعدها بفترة صدر قرار بنقلى إلى المحلة، وكانت مسافة طويلة ومرهقة فتغيبت شهرين كاملين، فأرسل لى الوزير أحمد نجيب هاشم، وحين وقفت أمامه أخبرنى أننى مرفود وقابلت الأمر بهدوء حتى إن الوزير قال له: (كل ردودك سخيفة)، وأصر على رفدى، وكنت فرحًا بهذا الرفد، أذكر أنه بعد عامين كان لى حفل غنائى فى روما وكان سفير مصر موجودًا، وكان هو الوزير أحمد نجيب هاشم، وضحك الوزير وقال: (شوف بقه لما رفدتك نفعتك إزاى)».

أصبح حليم عاطلًا، وكان زميله فى الدراسة كمال الطويل قد أخبره بأن هناك فرقة موسيقية تتشكل وكانت فرصة وسافرا للإسكندرية، كان الطويل موهوبًا حتى إنه كان يلحن كلمات الجريدة التى يقرأ فيها: «أصبحت عازفًا فى الفرقة وكان الطويل يقول لى: (لازم تغنى يا حليم ولا بد أن تدخل الامتحان)، وفى يوم كان هناك استعداد لتسجيل أغنية لإبراهيم حمودة فطلبت من الأستاذ حافظ عبدالوهاب تسجيل الأغنية بصوتى، واستجاب لى فعلًا وبعد الانتهاء أشاد بى كثيرًا، وهنا قررت الوقوف أمام لجنة الاستماع، وفشلت، قالوا يومها: (يغنى مثل الخواجات)، وطلب الطويل من الفرقة أن تنتظر وطلب منى غناء (أروح لمين وأشكى.. أقول لمين وأبكى)، وهنا رأيت أن نستكمل الأغنية ولا بد من شاعر يكتب الكلمات، فأشرت للطويل بشاعر أعرفه اسمه صلاح عبدالصبور، وكتب عبدالصبور الأغنية بالفعل وكانت أغنية (لقاء)».

وتغيرت لجنة الاستماع، وكان من بين اللجنة الجديدة موسيقار الأجيال: «وتقدمت مرة أخرى وارتأت اللجنة إذاعة أغنية قديمة لى وافقت عليها وهى أغنية (يا حلو يا أسمر) تلحين محمد الموجى، وقتها فكرت فى تغيير اسمى من عبدالحليم شبانة لاسم فنى، فاقترح علىّ كمال الطويل اسم عبدالحليم حافظ نسبة لحافظ عبدالوهاب الذى وقف بجانبى كثيرًا فوافقت».

استفدت من الثورة فى أول يوم غناء

بعد الأغنية أصبح حليم يغنى فى ليالى زفاف الأصدقاء على عزف الموجى، وفى مرة أخبره حافظ بأن الموسيقار عبدالوهاب يريد مقابلته: «ذهبت إليه فى مكتبه بالتوفيقية، وطلب منى أداء أى أغنية وسألنى: (هل تحفظ شيئًا لى)، فغنيت له واحدة من أغانيه فأُعجب بها جدًا وقال لى: (أتوقع لك مستقبلًا كبيرًا)».

بعد إذاعة أغنية «لقاء» فوجئ عبدالحليم باتصال من المعلم صديق، أشهر متعهد حفلات: «عرض علىّ خمسة جنيهات لأغنى فى الإسكندرية، ووافقت، وعندما وقفت على المسرح قررت غناء (صافينى مرة)، وصرخ الجمهور: (انزل.. انزل)، كانت ليلة أليمة بكيت فيها، رغم أننى حاولت كثيرًا مع الجمهور، وطلب منى المتعهد تقليد عبدالوهاب ورفضت تمامًا».

كانت الانفراجة فى احتفالات عيد الثورة عام ١٩٥٣، كان وجيه أباظة هو المشرف على الحفلات، بمناسبة مرور عام على إعلان الثورة: «ذهبت إليه وطلبت الغناء، ووافق أباظة، كان المسئول عن تنظيم الحفل هو الفنان يوسف وهبى، ووجدت أنه وضع اسمى للغناء فى الواحدة ليلًا، فصرخت وقلت لا ليوسف وهبى، وطلبت أن أغنى فى الثانية عشرة، وتحت إلحاحى وافق وهبى، ولحسن حظى وقبل أن أغنى بساعة واحدة خرج نبأ إعلان الجمهورية، وكانت عاصفة من التصفيق، وخرج يوسف وهبى ليقول: (ومع إعلان ميلاد جمهورية مصر نقدم لكم ميلاد مطرب جديد هو عبدالحليم حافظ)، وغنيت (صافينى مرة) وكان التصفيق كبيرًا، وتشاء الظروف بعدها أن يطلبنى المعلم صديق متعهد الحفلات على نفس المسرح الذى شهد فشلى، وعرض علىّ مائة جنيه، وكان تحديًا وذهبت وغنيت ولكن هذه المرة كان استقبالى حافلًا ونجح الحفل نجاحًا كبيرًا».

 

يكمل: «التقيت بعدها موسيقار الأجيال وطلب منى كتابة عقد لتسجيل أسطوانات، ويتضمن العقد احتكارى للسينما لمدة عامين مقابل كل فيلم وكل أسطوانة ٥٠٠ جنيه، ووقّعت العقد، والذى حدث أنه بعد أن اشتهرت جاءنى المنتج إبراهيم عمارة وعرض علىّ ألف جنيه لبطولة فيلم أمام شادية، كان عقد عبدالوهاب يكبلنى لكننى لم أقم ببطولة ولا فيلم معه فوافقت على عرض إبراهيم عمارة، وقمت ببطولة (لحن الوفاء)، وغضب عبدالوهاب جدًا، وكان أول خلاف بينى وبينه».

يواصل: «أثناء تصويرى الفيلم طلبنى المخرج حلمى حليم لبطولة فيلم (أيامنا الحلوة) مع فاتن حمامة، وكان الفيلم سببًا فى توطيد علاقتى بعمر الشريف، ولكن وأثناء التصوير فاجأنى أول نزيف وظللت بالمنزل فترة قبل أن أعاود نشاطى، وانتهينا من التصوير، وعُرض (لحن الوفاء) و(أيامنا الحلوة) فى وقت واحد، وبعد العرض الأول كان النجاح الباهر فى انتظارى، وقابلت عبدالوهاب وذكّرنى بالعقد وطلب منى بطولة فيلم لكنه سيغير العقد، فأنا كنت أتقاضى ألوف الجنيهات والعقد كان بـ٥٠٠ جنيه، لكنى رفضت ذلك وقلت له: (إنها مسألة مبدأ)، وقدّم لى عبدالوهاب لحنى (توبة) و (أنا لك على طول)، وحقق فيلم (أيام وليالى) إيرادات عالية وتلاه فيلم (بنات اليوم)».

ويتابع: «كان النزيف يداهمنى فى أوقات متفرقة، إلى أن وصل لمرحلة الخطر أثناء تصوير فيلم (معبودة الجماهير)، وتوقف التصوير أكثر من مرة، ومرت شهور والعمل لم يكتمل، وسافرت لندن، وقال لى الطبيب إننى مخير ما بين إجراء عمليتين، الأصح فيهما ستترك تأثيرًا على صوتى، فرفضتها وأجريت الثانية والتى كانت عبارة عن استئصال ضلع من ضلوعى، واستغرق إجراء العملية ست ساعات، ومن لندن إلى سويسرا حيث أقمت ٣ أشهر، وشعرت بالراحة لبعض الوقت لكن النزيف عاد لى مرة أخرى، قررت الرجوع للقاهرة وقابلت وقتها موسيقار الأجيال وتحدثنا عما يحدث معنا من شركة كايرو فون للأسطوانات فعرض علىّ أن أكون شريكًا فى شركة أسطوانات، وخرجت (صوت الفن) إلى النور وقدمت الشركة العديد من الأغنيات والأفلام، وكان فيلم (الخطايا)، و(أبى فوق الشجرة) الذى نجح وانتهى عرضه وهو فى قمة نجاحه».

الحب الأول كان فى سيدى بشر

تحدث حليم عن قصة حبه الأولى التى اشتُهرت وكانت من سيدة متزوجة: «كنت أسير رفق إحسان عبدالقدوس على شاطئ سيدى بشر بالإسكندرية، وبالطبع كان يمشى خلفنا فتيات بعضهن يمسك بكتب لإحسان وبعضهن جئن من أجلى، وفجأة رأيتها، ودق قلبى بعنف، لأول مرة كنت أتيقن من فكرة الحب من أول نظرة، أحببتها فعلًا، وفرحت حين بادلتنى الابتسامة، ولم يعد باقيًا سوى مصارحتها، وحدث بالفعل، وقالت: (لم أكن أتصور أن يحدث هذا)، وكانت المفاجأة أنها متزوجة، وبرغم ذلك تعلقت بى بصورة كبيرة، وصارحتنى بأن حياتها غير مستقرة وأنها تستعد للانفصال، كنت مستعدًا للارتباط بها فى أى وقت، جلست معها فى مرة لتقول لى: (لا ترتبط بى)، وعللت ذلك بأنها تشعر بأن حياتها قصيرة، كان حبى لها يزداد اشتعالًا يومًا بعد يوم، وفى يوم ذكرت لى أنها قررت ترك البيت وأن غيرة زوجها حطمتها وأن جمالها لعنة عليها، واتفقت معها على الزواج بمجرد الانفصال، وبدأت بالفعل فى تأثيث شقة الزوجية، ولكنى فوجئت ذات يوم باتصال منها: (قررت العودة لزوجى)، كانت تشعر بالذنب الكبير تجاه أولادها، وعادت ولكنها لم تستمر، وبعد شهر واحد طلبت الطلاق من زوجها، واحترم زوجها موقفها وقرر طلاقها، وأنهت قصتها معه، وعادت لى حبيبتى مرة أخرى، وعدت لمواصلة إجراءات تأثيث الشقة، لكنها فجأة سقطت مريضة وكانت قد أُصيبت بجرثومة خطيرة نسبة الإصابة بها تبلغ واحدًا فى المليون، وقررت أن أسافر معها لعلاجها، وبالفعل حدث هذا، ومرت الشهور وهى راقدة وقالت لى ذات يوم: (عاوزاك ترتبط بحد غيرى، أنا مش هاقوم تانى، من زمان وأنا حاسة إن عمرى قصير)، وبعدها لفظت أنفاسها الأخيرة».

وعن حكايته مع سعاد حسنى يقول حليم: «عندما رأيتها لأول مرة شعرت بموهبتها وقدمتها فى فيلم (البنات والصيف)، كنت واثقًا من نجاحها وعقدت رهانًا مع سينمائيين حول ذلك، وتمسكت بها وظللت أساندها حتى وصلت لبر أمان، كان من الممكن أن أتزوجها، وأنا لا أنكر أنى أحببت سعاد حسنى، لكنها لم تعطنى الفرصة، ولا أريد أن أخوض فى هذه النقطة لأن فيها نوعًا من التجريح، لا أستطيع أن أقول إنى لم أحبها، ولا أستطيع أن أقول إنها لم تحبنى، ولكنها أحبتنى بطريقة مختلفة، كانت علامة حب ناقصة».

عبدالناصر كان يحبنى

كانت الأغنية الوطنية مفرقًا مهمًا فى حياة العندليب، فهى السبب فى توطيد علاقته بالرئيس جمال عبدالناصر: «غنيت فى حروب مصر وكانت هذه الأغانى سببًا فى ارتباطى بقيادات ثورة يوليو، وذات يوم فوجئت بالصاغ صلاح سالم يقول لى: (سأقدمك لجمال عبدالناصر)، ووجدت نفسى أمام الرئيس وقال لى: (إحنا اعتبرناك ظهرت مع الثورة)، كان يحبنى وتأكدت من محبته لى عندما وضعت الدولة الرقابة على التليفونات ومن بينها تليفونى وعلم ناصر وأمر برفع الرقابة عنى، أيضًا عندما أُثير موضوع الضرائب المستحقة عن أجور الفنانين اختارنى أنا وعبدالوهاب لكى يناقشنا ويسمعنا، ولم يتكلم عبدالوهاب كثيرًا وتوليت أنا شرح الأمر ومطالبنا وتحفظاتنا».

يكمل: «كان عبدالناصر يسأل عن حالتى الصحية وينادينى (يا حليم)، وعن طريق صلاح سالم عرفت السادات أيضًا، وتنبأت له بأنه سيبقى استمرارًا للثورة».

يواصل: «الأغانى الوطنية التى كنت أقدمها جلبت المتاعب لى، وبسببها كان هناك خلاف بينى وبين أم كلثوم، كنت الوحيد الذى أشترك معها فى أعياد الثورة، تظهر أولًا لتفتتح الاحتفال وتقدم وصلتها، ثم أظهر أنا وأغنى، وبعد ذلك تقدم هى وصلتها الثانية، ولكنى فوجئت بها تريد أن تقدم الوصلتين أولًا ثم أغنى أنا، وعندما عرفت قلت لا بد أن أذهب إليها، ولكنها لم تلتفت لى ولم تحاول أن تسمع بقية كلامى، وقالت بحدة: (لا مش هتغنى بين الوصلتين، وإن كنت عاوز تغنى خليك ف الآخر)».

يتابع: «كانت جافة معى، وفى الحفل الذى تلاه تحدثت عن الأمر وقلت: (بعد انتهاء أم كلثوم فلا غناء، ويبدو أن ظهورى فى آخر الحفل عملية مقصودة ومدبرة)، وعرفت أم كلثوم ما قلت، وحاولت أن تمنعنى بكل جهودها من الحفل، وعرف عبدالناصر، وسأل عنى فقالوا له: (مريض)، ويبدو أن هناك من حكى له الأمر فأرسل لى يطالبنى بالاشتراك فى الحفل الكبير الذى سيُقام فى الإسكندرية وكانت لفتة لن أنساها.

مصطفى أمين أنقذنى من فضيحة

أنقذ مصطفى أمين «عبدالحليم» من ورطة كبيرة: «عرف جليل البندارى قصة حبى الأولى مع بنت الإسكندرية، وكانت مع أم ولها أولاد، وكان ينوى نشرها فى (أخبار اليوم)، وهاتفنى مصطفى أمين وقال: (أنا عاوزك حالًا)، وفوجئت به يحدثنى عن الموضوع، وقلت له مبرراتى، فأمسك بالتحقيق ومزقه وألقاه فى سلة المهملات».

يواصل: «كنت أعيش فى نفس المسكن مع مصطفى أمين الذى تم فيه إلقاء القبض عليه بتهمة الاتصال بأحد رجال المخابرات الأمريكية، شعرت بأنه وقع فى مصيدة، فالكبار يعرفون هذه الاتصالات فلماذا يلقون القبض عليه؟، كانت ملابسى لا تزال عنده فى نفس المسكن الذى اقتادوه منه للسجن، وبعدها قدمت طلبًا لكى أدخل وأزوره، وأحضرت له كل الأدوية التى طلبها، وحاولنا بكل الطرق مع من لهم صلات قوية بعبدالناصر من أجل الإفراج عنه، ومع مجىء السادات وفى حفل زفاف ابنته تحدثنا معه أنا وموسى صبرى وأحمد رجب وأنيس منصور، وسأل الرئيس عن على أمين فقلنا موجود هنا فقال: (خلوه ينتظر لما يطلع أخوه)، وأفرج عن مصطفى أمين، وأعجبتنى روايته (لا) وقررت أن أقدمها على الشاشة لذلك قررت أن فيلم (لا) بعد فيلم (أبى فوق الشجرة)».

يكمل حليم مذكراته عن قصة حبه الثانية: «عرفت الحب مرة أخرى فى أغنية (قارئة الفنجان)، وعندما كنا نلتقى أنا وهى نشعر بأن أحاسيسنا تتخطى العقبات، وكلما حاولت رسم طريقة لنهاية حبنا لا أجد، وحين سألت الطبيب عن إمكانية الزواج قال لى: أنت سليم ولكن لا تقدم على الزواج لمدة عامين، كنت أعيش أجمل أيام حياتى، كان حبنا نفس حب قارئة الفنجان، الحب المستحيل الذى يفقده المحب، (بحياتك يا ولدى امرأة عيناها سبحان المعبود) نعم هى قارئة الفنجان التى أحبها الآن، ولكنى أعرف أن طريقى مسدود مسدود مسدود».

يكمل: «فى يوم دق تليفونى، وكان نزار قبانى يسألنى عن أخبار القصيدة، فقلت له أعطيتها للموجى ليلحنها، وقال: (هذه فكرة جديدة يا حليم، وعندما انتهيت من كتابتها قلت إنك الوحيد الذى يمكن أن يتحمل مسئولية تقديمها)، وأخبرته بأن الناس يفسرونها تفسيرات خاطئة، ضحك: (اسمع يا عبدالحليم، كل إنسان يفسرها حسبما يحلو له، قد يفسرها شخص على أنها الحرية وآخر على أنها امرأة، وآخر يرى أنها الدنيا، فلنترك كل واحد يشعر بها كما يشاء)».