جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

محمود أبوحبيب يكتب: احذروا التفليس

جريدة الدستور

ونحن في طليعة شهر شعبان، وعلى مشارف رمضان، الضيف الذي ترقبه القلوب قبل الأنظار، وعادة البعض البطون أيضًا، لكن نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء، وقد حان الأوان لتمتلئ الأسواق والمجمعات بالمؤن والإمدادات تلبية لحاجات الناس في رمضان، غاية كل متشوق للربح، فتدر عليه المال الوفير، وتنوء بحمل مكاسبه الجيوب، وتتثاقل به البنوك، خاصة أن البيع مضمون.. عادة لا حرم الله منها تاجرا أو حمالا وكل من شارك في دائرة جمع هذا المال. 

وبعيدًا عن «القر» حتى لا تسقط أعيننا في جيوب غيرنا، لكنها صفقة رابحة وحسبة ناجحة، خاصة لو كان السعر في متناول الجميع، ولولا هذه النظرية التجارية ما نال تاجر سوى التراب الذي يملأ أرْفُف الدكان، والحسرة على ما اكتظت به خزينة غيره من التجار. 

نظرية الأمن الغذائي هذه كفيلة بأن تملأ بطون الصائمين ومعها جيوب أصحابها، لكنها تُثير تساؤلًا وجوبيًا: هل جمعنا في شعبان ما نسد به رمق أرواحنا في رمضان؟، فتتذوق حلاوة الطاعة وترتشف لذة العبادة في الشهر الفضيل، عميلة التخزين هذه المتقنة بعناية كفيلة بأن تجعل موائدنا عامرة شهية، والتجار لا يقوون على حمل جيوبهم،  لكل هل تسطيع أرواحنا أن تشتهي العبادة والطاعة في رمضان دون إحماء وتحضير وتأهب قلبي ووجداني؟، ولا أحسبني مسرفًا في شيء سوى في خزين رمضان، إن قلت إن من لم يتجاوز نظره باب ثلاجته في شعبان لن يستطيع أن يتذوق نفحات رمضان.

"النبات لم يصبح نباتًا إلا بخاصية النمو التي أفقدته خاصية الجمادية"، فكيف للروح أن تبلغ الخيرات وترتقي في الفضائل دون خاصية التدريب والتأهيل؟، كيف لها أن تحمل شيئا قد يتثاقل عليها حمله لأنها غير مدربة ومؤهلة عليه؟، حالة التسويف العقلي والتراخي البدني عن العبادة إلا مع بداية رمضان، هي تضعيف لهمة النفس وعزيمة الجسد، نعوذ بالله أن نكون من المسوفين خاصة في العبادة، وهل قطع المسوفون على الله عهدًا فأجل لهم البيع؟. 

التاجر المتكاسل في شعبان عن جمع السلع التي تقابل حالة الطلب في رمضان سيظل يندب حظه على فاجعته في المال الذي مر أمامه فرآه مستقرًا في خزينة غيره، فاحذروا أن تدخلوا رمضان مفلسين فلا تملكوا ثمن البيع.