رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأسماك تفسد من رؤوسها


لا شك أن مصر تحاول الخروج من أزمة تضخمت، بل و حبلت فولدت أزمات اقتصادية وأمنية وإدارية، وكلها حلقات متداخلة لا يمكن فصلها وتحتاج إلى حلول سريعة ومتوازية، ولا شك أن محاولات ضغط الإنفاق ورفع الأسعار ستؤثر تأثيراً مباشراً

فى الطبقة الفقيرة، وهى أكبر شريحة من شرائح المجتمع، إذ إن الطبقة الوسطى تكاد تكون تلاشت، فالجزء الأصغر منها نجا بنفسه من الغرق فتعلق بالشريحة الأعلى لتزاوج المصالح وتبادل المنافع، فالطبقة الغنية اجتمعت بسطوة الشريحة الأعلى من الطبقة المتوسطة واحتضنتها الطبقة العليا، وظلت الشريحة الأكبر تغوص إلى القاع لتلحق بالغالبية التى عانت وما زالت.

إننى قصدت بهذه المقدمة أن أبين أن محاولات الضغط الاقتصادى بزيادة الأسعار ومنها رغيف الخبز الذى أصبح صعب المنال وزاد فقراً فى تركيبته وصناعته وعرضه مع زيادة السلع الغذائية الضرورية بداية من كوب اللبن وقطعة الجبن وهى السلع اللازمة للأطفال والكبار، وأما قطعة اللحم وطبق الفول فتقاربا فى الزهو والتعالى على مستوى الجالسين على الأرصفة وهم كثر.

والسؤال الذى يطرحه الساسة والمنظرون والحكام ما الحل؟ ولدينا علماء الاقتصاد ودارسو النظريات – وهم مدارس متعددة، وفى الأغلب والأعم لا يفكرون إلا فى تنظيم السلع والخدمات الضرورية للحد من الاستهلاك.

والمعروف أن الإنسان لا يستهلك من الطعام إلا قدر حاجته، ولم يحدث فى تاريخنا محاولات التخزين والتكويم إلا مع إدخال المواد الغذائية فى البطاقات التموينية، أما عند توافرها فلا تصارع عليها ولا سوق سوداء حولها.

أما السبب الرئيسى فى أزمتنا – فى رأينا – فهو الفارق غير المقبول أو المعقول فى الدخول حتى فى دوائر الحكومة والقطاعات المناظرة، فالحدود العليا لم تضبط بعد، ومحاولات الالتفاف حولها عن طريق البدلات والمهام والمأموريات فلا حدود لها، وعلى الجانب الآخر نجد النظام الضريبى يساوى بين الجميع.

إن من يتابع الأحداث اليومية يرى امتداد ظاهرة تقديم عدد ليس بقليل من المسئولين السابقين للمحاكمة بتهم تبديد المال العام أو الحصول على مغانم ومكاسب يراها المسئولون أنها خرجت على القانون أو تجاوزت الحدود فى كسب غير مشروع، مع العلم أنه كان ولا تزال لدينا جهات من مهامها الرقابة على طرق الكسب ومحاسبة الخارجين عليها ولكن – غالباً – حتى هذه الأجهزة لم تكن تقوم بدورها وربما قد تجاوز المسئولون عن الرقابة الإلتزام بمبادئ الكسب المشروع وصاروا الحراس على النظام تحت طائلة القوانين التى طالما حاسبوا غيرهم بموجبها وكان الأولى أن يحاسبوا أنفسهم.

إذاً العبرة ليست فى القوانين وحدها، وإن كانت هى الأساس، بل الأهم هو العدل والضمير والالتزام والأمانة والقدوة الصالحة بداية من الرؤوس حتى الأقدام.

إننا نرى ضرورة العودة إلى النظم التصاعدية فى الضريبة على الدخل ولا يستثنى منها أحد من الرئيس حتى أصغر موظف فى هذا البلد الذى هو ملك للجميع بذات القدر وذات الحقوق، وإن كان لابد من تجاوز فيكون لصالح الفقراء وليس الأغنياء والأقوياء. وإننى أتمنى أن يفصح عن أصحاب الرواتب العالية أو الخيالية فى المصالح الحكومية، ومنها أيضاً بالطبع العسكرية والقضائية، فالشعب الأمريكى كله يعرف راتب رئيس الولايات المتحدة وقائد الجيش والوزراء وكذلك فى سائر الدول حتى الدول التى بها نظام الملكية، فالشعب البريطانى يعرف - صغيره قبل كبيره – راتب الملكة، لقد مضى عصر الأسرار، فلا سرية عسكرية فى معرفة راتب وبدلات وزير الدفاع مثلاً وهكذا، وبنفس الأسلوب تكون المعاملات الضريبية وهى حق المجتمع فيها من الطفل إلى الطالب وصولاً إلى المسنين والمعاقين وغير القادرين على العمل.

إننا فى عهد جديد يحتاج إلى مزيد من المكاشفة وكثير من الانضباط وقليل من الأنانية والذاتية لتسير السفينة بكل ركابها إلى شاطئ الأمان