رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى انتظار المجهول

اعتادت إسرائيل استهداف المسئولين الإيرانيين دون انتقام مباشر من طهران، ولسنوات، اعتقد المسئولون الإسرائيليون، في العلن والسر على حد سواء، بأنه كلما تعرضت إيران لضربة أقوى، كانت أكثر حذرا من الدخول في قتال مع تل أبيب.. إلا أن وابل طهران، من أكثر من ثلاثمائة طائرة دون طيار وصاروخ كروز وباليستي، مساء السبت الماضي، على سماء إسرائيل ـ وهو أول هجوم مباشر من قبل إيران على إسرائيل ـ أدى إلى قلب هذا المنطق، وأسقطت الهجمات الإيرانية افتراض إسرائيل بعدم قدرة طهران على مهاجمتها.

هذه الهجمات الإيرانية غير المسبوقة على إسرائيل، التي جاءت ردًا على غارة شنتها تل أبيب في سوريا، أسفرت عن مقتل سبعة مسئولين إيرانيين، بينهم ثلاثة من كبار القادة العسكريين، هزت افتراضات إسرائيل حول خصمها، ما قوض حساباتها القديمة بأن العدوان الإسرائيلي الأكبر سيردع إيران.. وقال محللون، إن ذلك أظهر أن القادة في طهران لم يعودوا راضين عن محاربة إسرائيل من خلال وكلائهم المختلفين، مثل حزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن، ولكنهم مستعدون لمواجهة إسرائيل مباشرة.. (أعتقد أننا أخطأنا في الحسابات)، قالت سيما شاين، الرئيسة السابقة للأبحاث في وكالة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية.. (الخبرة المتراكمة لدى إسرائيل، هي أن إيران ليست لديها وسائل جيدة للانتقام.. كان لدينا شعور قوي بأنهم لا يريدون التورط في الحرب.. وبدلًا من ذلك، خلقت إيران نموذجًا جديدًا تمامًا).

صحيح أن الرد الإيراني تسبب في أضرار طفيفة في إسرائيل، ويرجع ذلك ـ إلى حد كبير ـ إلى أن إيران قد أعلنت نواياها في وقت مبكر، ما أعطى إسرائيل وحلفاءها عدة أيام لإعداد دفاع قوي، كما أصدرت إيران بيانًا، حتى قبل انتهاء الهجوم، بأنه ليس لديها خطط أخرى لضرب إسرائيل، إلا أن الضربات الإيرانية تحول حرب الظل المستمرة منذ سنوات بين إسرائيل وإيران إلى مواجهة مباشرة، وإن كان من الممكن احتواؤها، اعتمادًا على كيفية رد إسرائيل.. لقد أظهرت إيران أن لديها قوة نيران كبيرة لا يمكن صدها، إلا بدعم مكثف من حلفاء إسرائيل، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ما يؤكد مدى الضرر الذي يمكن أن تلحقه دون مثل هذه الحماية.

كان لإيران وإسرائيل غامضة، حتى إن إسرائيل باعت الأسلحة إلى إيران خلال الحرب الإيرانية العراقية، في ثمانينيات القرن العشرين، لكن علاقاتهما توترت في وقت لاحق بعد انتهاء تلك الحرب.. أصبح القادة الإيرانيون ينتقدون بشكل متزايد نهج إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وأصبحت إسرائيل حذرة من جهود إيران لبناء برنامج نووي ودعمها المتزايد لحزب الله.. ولأكثر من عقد من الزمان، استهدف كلا البلدين ـ بهدوء ـ مصالح بعضهما البعض في جميع أنحاء المنطقة، في حين نادرًا ما يعلنان عن أي عمل فردي.. وقد دعمت إيران حماس، ومولت وسلحت ميليشيات إقليمية أخرى معادية لإسرائيل، انخرط العديد منها في صراع منخفض المستوى مع إسرائيل منذ الهجمات التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر الماضي.. وبالمثل، استهدفت إسرائيل بانتظام هؤلاء الوكلاء، فضلًا عن اغتيال المسئولين الإيرانيين، بما في ذلك على الأراضي الإيرانية، وهي عمليات قتل تتجنب تل أبيب تحمل المسئولية الرسمية عنها.. وقد استهدف كلا البلدين السفن التجارية التي لها صلات بكل منهما، فضلًا عن تنفيذ هجمات إلكترونية على بعضهما البعض، وقامت إسرائيل مرارًا وتكرارا بتخريب البرنامج النووي الإيراني.

الآن، تلك الحرب في العلن.. ويرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى ما يعتبره بعض المحللين سوء تقدير إسرائيليا في الأول من أبريل، عندما دمرت الضربات الإسرائيلية جزءًا من مجمع السفارات الإيرانية في دمشق، بسوريا، أحد أقرب حلفاء إيران ووكلائها، ما أسفر عن مقتل سبعة مسئولين عسكريين إيرانيين، بمن فيهم ثلاثة من كبار القادة.. وجاء هذا الهجوم بعد اقتراحات متكررة من القادة الإسرائيليين، بأن زيادة الضغط على إيران ستشجع طهران على تقليص طموحاتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.. وقال يوآف جالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، في يناير  الماضي، (إن زيادة الضغط على إيران أمر بالغ الأهمية، وقد يمنع التصعيد الإقليمي في ساحات إضافية).. وبدلًا من ذلك، أدى هجوم دمشق مباشرة إلى أول هجوم إيراني على الأراضي الإسرائيلية.. وقال محللون، إن إسرائيل ربما أساءت فهم موقف إيران، بسبب عدم الرد الإيراني على الاغتيالات الإسرائيلية السابقة لكبار المسئولين الإيرانيين.

وعلى الرغم من أن القادة الإسرائيليين يخشون، منذ فترة طويلة، من أن تقوم إيران يومًا ما ببناء وإطلاق صواريخ نووية على إسرائيل، إلا أنهم اعتادوا استهداف المسئولين الإيرانيين دون انتقام مباشر من طهران.. وفي واحدة من أكثر الهجمات فجاجة، قتلت إسرائيل كبير العلماء النوويين الإيرانيين، محسن فخري زادة، عام 2020 على الأراضي الإيرانية.. وفي ديسمبر الماضي، اُتهمت إسرائيل بقتل جنرال إيراني كبير، هو السيد رازي موسوي، في غارة في سوريا، حيث يقدم المسئولون العسكريون الإيرانيون المشورة والدعم للحكومة السورية.. ولم تدفع هذه الاغتيالات، والعديد من الاغتيالات الأخرى، إلى ضربات إيرانية انتقامية على إسرائيل.. إلا أنه كان رد إيران هذه المرة، قرارا مدفوعًا جزئيًا بالغضب في بعض دوائر المجتمع الإيراني من سلبية إيران السابقة، (درجة الضغط من أسفل إلى أعلى التي رأيتها على النظام خلال الأيام العشرة الماضية، لم أرها من قبل)، قال علي فايز، المحلل الإيراني في مجموعة الأزمات الدولية، وهي مجموعة بحثية مقرها بروكسل، الذي أوضح أن إيران بحاجة أيضًا إلى أن تظهر لوكلاء، مثل حزب الله، أنها يمكن أن تدافع عن نفسها، (إن إظهار إيران خائفة جدًا من الرد على مثل هذا الهجوم على منشآتها الدبلوماسية في دمشق، كان سيضر كثيرًا بعلاقات إيران ومصداقية الإيرانيين في نظر شركائهم الإقليميين).

ومع التسليم بأن الهجوم الجوي الإيراني صرف بالفعل الانتباه عن حرب إسرائيل المتعثرة ضد حماس، وأنه أعاد التأكيد على علاقات إسرائيل مع الحلفاء الغربيين والعرب الذين أصبحوا ينتقدون بشكل متزايد سلوك إسرائيل في غزة.. وصحيح أن إيران أعطت إسرائيل وقتًا طويلًا للاستعداد لصد الهجوم، إلا أنه يمكن أن نشير إلى أن طهران لا تزال رادعة نسبيًا، وتسعى فقط إلى خلق رؤية لرد كبير، بينما تحاول تجنب تصعيد أكبر.. وعندما يتعلق الأمر بالمفاهيم، فإن إسرائيل ارتكبت الآن خطأين استراتيجيين رئيسيين في أقل من عام: قبل السابع من أكتوبر، حينما خلص المسئولون الإسرائيليون علنًا ـ وبشكل خاطئ ـ إلى أن حماس قد تم ردعها عن مهاجمة إسرائيل، لقد فشلوا في قراءة قدرة حماس ودوافعها بشكل صحيح في السابع من أكتوبر، ومن الواضح أنهم أساءوا تقدير كيفية رد إيران على ضربة الأول من أبريل في دمشق.

والسؤال الآن: ما الذي تحمله الأيام المقبلة؟
يشعر بعض كبار المسئولين الأمريكيين بالقلق من أن إسرائيل قد تفعل شيئًا سريعًا، ردًا على الهجمات الإيرانية دون التفكير في تداعيات محتملة بعد ذلك.. هذه المخاوف تنبع جزئيًا من وجهات نظر الإدارة الأمريكية، حول النهج الذي اتبعته إسرائيل في حربها ضد حماس، فضلًا عن الهجوم في دمشق السورية.. وقد أعرب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بشكل خاص عن قلقه من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يحاول جر الولايات المتحدة بشكل أعمق إلى صراع أوسع.. ويعتقد البيت الأبيض أن الإسرائيليين لا يبحثون عن حرب أوسع أو حرب مباشرة مع إيران، لكن المسئولين الأمريكيين لا يمكنهم التأكد من ذلك، خصوصًا أن مسئولين أمريكيين أعربوا، في أحاديث خاصة، عن إحباطهم من قرار إسرائيل ضرب مبنى القنصلية الإيرانية في سوريا، (لا نعتقد أن لديهم استراتيجية.. إن الإسرائيليين لا يتخذون دائمًا أفضل القرارات الاستراتيجية)، وكشف كبار القادة في البنتاجون ـ سرًا ـ عن إحباطهم من توقيت ضربة دمشق، لأنه كان من المحتمل أن تُحدث (تصعيدًا كارثيًا).

من جهته، أخبر الرئيس بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي، خلال مكالمة هاتفية يوم السبت الماضي، أن الولايات المتحدة لن تدعم أي هجوم إسرائيلي مضاد ضد إيران، حسبما قال مسئول كبير في البيت الأبيض لـ(أكسيوس).. ما أهمية ذلك؟
قال مسئولون أمريكيون إن بايدن وكبار مستشاريه قلقون للغاية، من أن يؤدي الرد الإسرائيلي على هجوم إيران على إسرائيل إلى حرب إقليمية ذات عواقب كارثية.. ووراء الكواليس، أخبر بايدن نتنياهو أن الجهود الدفاعية المشتركة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى في المنطقة، أدت إلى فشل الهجوم الإيراني، (لقد حققت الفوز.. خذ الفوز)، قال بايدن لنتنياهو.. وإنه عندما قال بايدن إن الولايات المتحدة لن تشارك في أي عمليات هجومية ضد إيران، ولن تدعم مثل هذه العمليات، قال نتنياهو إنه يتفهم ذلك.. فهل يلتزم بما قال؟

(ليس لدى إسرائيل خيار سوى الرد على الهجوم الصاروخي والطائرات دون طيار غير المسبوق، الذي شنته إيران خلال نهاية الأسبوع)، هكذا أوضح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت لوزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن.. بينما أكد الجنرال هرتسي هاليفي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أن (إسرائيل تدرس الخطوات التالية، وأن إطلاق الكثير من الصواريخ والطائرات دون طيار إلى الأراضي الإسرائيلية سيتم الرد عليه بالانتقام).. يأتي ذلك في الوقت الذي تحث فيه إدارة الرئيس بايدن، والعديد من الدول الغربية الأخرى المتحالفة مع إسرائيل، حكومة بنيامين نتنياهو، على عدم التسرع في الانتقام من إيران الذي قد يؤدي إلى حرب إقليمية، وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة تنسق ردًا دبلوماسيًا على الهجوم الإيراني الذي يهدف إلى منع المزيد من التصعيد، (القوة والحكمة يجب أن تكونا وجهين لعملة واحدة) فيما بدا أنه رسالة من بلينكن لإسرائيل، التي اجتمع مجلس وزراء حربها لمناقشة رده المحتمل على طهران، التي أكدت وزارة خارجيتها على لسان الوزير حسين أمير عبداللهيان، لوزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، في مكالمة هاتفية، إن إيران لا تريد التصعيد، ولكن إذا كانت إسرائيل (تسعى إلى المغامرة، فإن ردنا التالي سيكون فوريًا وأقوى وأكثر شمولًا).

بايدن بالتأكيد لا يبحث عن حرب مع إيران.. فهل يدرك نتنياهو مخاوف الرئيس الأمريكي؟

في الكواليس، يقول جالانت لأوستن، إن إسرائيل لا يمكنها السماح بإطلاق صواريخ باليستية على أراضيها دون رد، وأن بلاده لن تقبل بمعادلة ترد فيها إيران بهجوم مباشر، في كل مرة تضرب فيها إسرائيل أهدافًا في سوريا.. بينما نقل أوستن رسالة مماثلة لتلك التي وجهها الرئيس بايدن لنتنياهو، مشددًا على ضرورة بذل كل ما في وسعه لتجنب المزيد من التصعيد، (لقد حققت الفوز.. خذ الفوز)، محذرًا من أن الولايات المتحدة لن تدعم أي هجوم إسرائيلي مضاد ضد إيران.. لكن (في حين أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى التصعيد، فإننا سنواصل اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للدفاع عن إسرائيل والأفراد الأمريكيين)، بشرط أن توفر إسرائيل الفرصة لواشنطن، لإقامة (تحالف استراتيجي لمواجهة التهديد الذي تشكله إيران).

لكن ماذا تريد إسرائيل أن تفعل حقيقة بعد الهجمات الإيرانية؟

في تحديد كيفية رد إسرائيل على الهجوم الإيراني، ركز المحللون على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية أول أبريل.. وذكر هؤلاء سيناريوهين، كلاهما يعتمد على الدوافع وراء الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق.. في السيناريو الأول، وقعت الضربة الإسرائيلية دون تفكير يذكر في العواقب.. وفي الثاني، كانت الضربة محاولة متعمدة لجر إيران إلى حرب إقليمية، وتحويل تركيز الولايات المتحدة والغرب، بعيدًا عن حرب إسرائيل على غزة ونحو البعبع الإقليمي، إيران.. وفي كلا السيناريوهين، ستكون مشاركة الولايات المتحدة حاسمة، (خطة نتنياهو واضحة لصرف الانتباه عن الحرب في غزة، وجر الولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين إلى الشرق الأوسط)، هكذا يرى نومي بار يعقوب، الزميل المشارك في تشاتام هاوس، (بالنظر إلى العلاقة الوثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، واعتماد إسرائيل على المساعدات الأمريكية، كان على إسرائيل إبلاغ الولايات المتحدة بأنها كانت تخطط لمهاجمة مبنى القنصلية الإيرانية، حيث يوجد مقر الحرس الثوري الإيراني.. ومن خلال عدم القيام بذلك، تجاوزت إسرائيل خطًا أحمر.. الهجوم على قنصلية أجنبية يشكل ضربة على أرض أجنبية بموجب القانون الدولي، ومن الواضح أن نتنياهو كان يعلم أنه كان يعبر الخط وأن إيران سترد بالقوة).

يقول محللون إن دوافع نتنياهو محاولة إقحام الولايات المتحدة في الحرب، من المحتمل أن تكون أعمق من مصالح إسرائيل وحدها.. فاستطلاعات الرأي في إسرائيل تظهر أن شعبية رئيس الوزراء في أدنى مستوياتها، بعد أن بنى نتنياهو سمعته على مزاعم، بأنه هو وحزبه الليكود وحدهما يقفان بين الإسرائيليين والنسيان، إلا أن الهجوم المفاجئ الذي شنه مقاتلو حماس في السابع من أكتوبر الماضي، أضر مكانته بشدة.. وهنا، فإن خيارات إسرائيل تتأثر أكثر بكيفية اختيار نتنياهو، المحاصر محليًا ودوليًا، الاستفادة من التعاطف الغربي مع تل أبيب في أعقاب الهجوم الإيراني الذي تم استغلاله بشكل كبير، كما يرى ها هيلير، وهو مرجع في أمن الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي والمعهد الملكي للخدمات المتحدة. 

في الأشهر التي سبقت أكتوبر، كان الاستياء الشعبي من نتنياهو يتزايد، بعد أن حاولت حكومته اليمينية المتطرفة، فرض تغييرات من شأنها أن تعيق القضاء الإسرائيلي.. وفي الأشهر التي تلت السابع من أكتوبر، تزايدت الاحتجاجات ضد تعامله مع الحرب على غزة، حيث يُنظر إليه على أنه أقل اهتمامًا بتأمين إطلاق سراح الأسرى المتبقين الذين اختطفوا من إسرائيل في الهجوم.. وتطورت الاحتجاجات، بالإضافة إلى تضخمها، إلى مظاهرات ضده وضد حكمه.. حتى الولايات المتحدة، بدت وكأنها فقدت صبرها مع نتنياهو، مع توجيه دعوة حظيت بتغطية إعلامية كبيرة إلى بيني جانتس، عضو مجلس الحرب الإسرائيلي، لزيارة واشنطن العاصمة لإجراء محادثات.. ومع ذلك، بغض النظر عن الطريقة التي تختار بها إسرائيل تصوير نفسها في هذا الصدام الأخير، فإن الولايات المتحدة هي التي تنظم المسرحية، (ما سمعناه حتى الآن، هو أن الولايات المتحدة ليست لديها مصلحة في حرب، وتشير إلى أنه سيكون هناك رد دبلوماسي موحد على إيران من الغرب، بينما تدعو في الوقت نفسه إلى ضبط النفس).. ومع إشارة الولايات المتحدة، تبدو مناورة نتنياهو في خطر، (نحن في نقطة تحول والحل الوحيد دبلوماسي.. فالرد العسكري القاسي يهدد بجر المنطقة إلى مزيد من الاضطرابات.. وإذا اعتقد نتنياهو أن واشنطن سترفض دعم الهجوم على إيران نفسها، فإن الهجمات على عشرات الوكلاء في وقت واحد يمكن أن تكون خيارًا بديلًا).

إذن ما هي خيارات إسرائيل؟

يمكن لتل أبيب الاستماع إلى جيرانها في المنطقة، وممارسة ما يعرف باسم (الصبر الاستراتيجي)، والامتناع عن الرد بالمثل.. وبدلًا من ذلك، الاستمرار في استهداف حلفاء إيران بالوكالة في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان أو مواقع الإمداد العسكري في سوريا، كما تفعل منذ سنوات.. ويمكن لإسرائيل أن ترد بسلسلة من الضربات الصاروخية المماثلة بعيدة المدى والمُعايرة بعناية، والتي تستهدف فقط قواعد الصواريخ التي شنت منها إيران هجومها.. وستظل إيران تنظر إلى ذلك على أنه تصعيد، لأنه سيكون هجومًا مباشرًا من قِبل إسرائيل على إيران نفسها، بدلًا من ضرب ميليشياتها الوكيلة في جميع أنحاء المنطقة.. أو يمكن لإسرائيل أن تختار تسلق سلم تصعيدي آخر، من خلال توسيع ردها المحتمل ليشمل القواعد ومعسكرات التدريب ومراكز القيادة والسيطرة التابعة للحرس الثوري الإيراني القوي.. وأي من الخيارين الأخيرين يخاطر بدفع إيران إلى مزيد من الانتقام.

والسؤال الرئيسي هنا هو ما إذا كان كل هذا يجر الولايات المتحدة، ما يؤدي إلى حرب واسعة النطاق بين إيران والقوات الأمريكية في المنطقة، ولدى الولايات المتحدة منشآت عسكرية في جميع دول الخليج العربية الست، وكذلك في سوريا والعراق والأردن، ويمكن أن تصبح هذه المنشآت أهدافًا لمخزون إيران الهائل من الصواريخ الباليستية، وغيرها من الصواريخ التي تمكنت من بنائها على مر السنين، على الرغم من العقوبات الدولية.. يمكن لإيران أيضًا أن تفعل شيئًا لطالما هددت به إذا تعرضت للهجوم، فقد تحاول إغلاق مضيق هرمز الحيوي استراتيجيًا، باستخدام الألغام والطائرات دون طيار وزوارق الهجوم السريع، ما يؤدي إلى خنق ما يقرب من ربع إمدادات النفط العالمية.. وهذا هو السيناريو الكابوس، الذي يجر الولايات المتحدة ودول الخليج إلى حرب على مستوى المنطقة، والتي تعمل العديد من الحكومات الآن على مدار الساعة لتجنبها.

وبعد..

كان نابليون بونابرت ينصح جنرالاته بألا يقاطعوا أبدًا عدوًا يرتكب خطأً... إنها نصيحة جيدة اليوم كما كانت في ذلك الوقت.

كانت الحرب في غزة كارثة استراتيجية بالنسبة لإسرائيل، وتركتها معزولة دوليًا، في مسعى شبه مستحيل لتحقيق نصر عسكري مطلق على حماس.. الآن لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الفرصة لتغيير هذه الرواية، بفضل إطلاق إيران الفاشل لمئات الطائرات دون طيار والصواريخ على الكيان الصهيوني.. تم إسقاط جميع الصواريخ تقريبًا، ما يعني أنه على عكس ما حدث بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر ـ وعلى عكس معضلة الرد الإيرانية الأخيرة، بعد أن اغتالت إسرائيل بعض كبار قادتها في سوريا ـ يمكن لنتنياهو أن يعلن النصر ويرد بشكل رمزي فقط.. لن يكون هناك ضغط محلي ساحق لبذل المزيد من الجهد، لأن ما حدث في سماء إسرائيل كان انتصارًا له!!.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.