رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثلاث مكالمات تحذيرية

فى محاولة لاحتواء التوترات الراهنة، وأملًا فى عدم اتساع دائرة الصراع، بعد «الرد» الإيرانى على إسرائيل، وما شهدته الأسابيع الأخيرة من تصعيد متزايد على خلفية أزمة قطاع غزة، أجرى وزير الخارجية، أمس الأول، الأحد، ثلاث مكالمات تليفونية تحذيرية، أو نراها كذلك، مع نظرائه الأمريكى والإيرانى والإسرائيلى. وكنا قد أنهينا مقال أمس بأن مصر تواصلت مع كل الأطراف المعنية لوقف التصعيد، وتجنيب المنطقة مخاطر الانزلاق إلى منعطف خطير من عدم الاستقرار.

لنظيريه الإيرانى والإسرائيلى، حسين أمير عبداللهيان، ويسرائيل كاتس، أعرب سامح شكرى، وزير خارجيتنا، مجددًا، عن قلق مصر البالغ نتيجة استمرار حالة التصعيد العسكرى، غير المسبوقة، بين إيران وإسرائيل، بشكل ينذر بخروج الوضع عن السيطرة وتهديد استقرار المنطقة وتعريض مصالح شعوبها للخطر. ثم طالبهما بضرورة ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والنأى عن سياسات حافة الهاوية والاستفزازات المتبادلة، التى من شأنها أن تزيد من حالة التوتر وعدم الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط. 

كانت إيران قد أطلقت، مساء السبت، أسرابًا من المُسيَّرات والصواريخ ضد أهداف إسرائيلية، ردًا على استهداف قنصليتها فى سوريا، الذى أسفر عن مقتل سبعة من عناصر «الحرس الثورى» الإيرانى. وأمس الأول، الأحد، حذَّرت، أو هدّدت، بأن إسرائيل ستتعرض لـ«هجمات أكبر» إذا ردت على ذلك الهجوم، مضيفة أن القواعد الأمريكية بالمنطقة سيتم استهدافها، أيضًا، إذا دعمت واشنطن أى عمل عسكرى إسرائيلى ضد طهران. وصباح الإثنين، قال ناصر كنعانى، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، فى مؤتمر صحفى، إن بلاده تتوقع أن تتبع الولايات المتحدة «سلوكًا منطقيًا»، وأن تأخذ بعين الاعتبار «قانونية» الخطوة التى اتخذتها طهران ردًا على الهجوم الذى استهدف قنصليتها بالعاصمة السورية.

فى هذا السياق، نقل وزير الخارجية إلى وزيرى خارجية إيران وإسرائيل استعداد مصر لتكثيف جهودها، بالتعاون مع شركائها، من أجل نزع فتيل الأزمة الراهنة، التى باتت تأخذ منحنى تصعيديًا خطيرًا، خاصة لتزامنها مع استمرار أزمة قطاع غزة والمعاناة اليومية للشعب الفلسطينى وتصاعد حدة التوتر فى بؤر متعددة بالمنطقة، مطالبًا بتحكيم صوت العقل والرشد وإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية، لإيجاد حلول تحافظ على استقرار المنطقة وسلامة شعوبها. والأهم، هو أن وزير خارجيتنا، حرص خلال مكالمته مع وزير الخارجية الإسرائيلى، على تأكيد موقف مصر الراسخ المطالب بالوقف الفورى لإطلاق النار فى قطاع غزة وتيسير إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ورفض أى إجراءات تستهدف تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، بما فى ذلك القيام بعمليات عسكرية برية فى مدينة رفح الفلسطينية.

منذ بداية العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، كان أحد الأهداف المعلنة للولايات المتحدة هو تجنب توسيع دائرة الصراع. وعليه، تناول شكرى مع «أنتونى بلينكن»، وزير الخارجية الأمريكى، تطورات الأوضاع فى المنطقة، وأحاطه بنتائج الاتصالات المكثفة، التى أجرتها مصر مع الجانبين الإيرانى والإسرائيلى، مؤكدًا استمرارها فى بذل قصارى الجهد من أجل وقف الحرب الدائرة فى قطاع غزة وتسهيل إنفاذ المساعدات الإنسانية، لاحتواء الكارثة الإنسانية التى يتعرض لها الفلسطينيون فى القطاع. كما شدد على أن اتساع رقعة الصراع، على النحو الذى نشهده، لن يصب فى مصلحة أى طرف، ولن يجلب سوى المزيد من التوتر وعدم الاستقرار لشعوب المنطقة. ثم تبادل الوزيران الرؤى والتقييمات بشأن مسارات التحرك لوقف التصعيد وتجنيب المنطقة، والعالم، مخاطر اتساع رقعة الصراع، واتفقا على مواصلة التشاور والتنسيق، لاحتواء التوتر الجارى، وتعزيز فرص التهدئة ونزع فتيل الأزمات فى المنطقة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن تحليلًا نشرته مجلة «فورين بوليسى»، قال إن «فشل الهجوم الإيرانى» يقلّل من احتمالية الرد الإسرائيلى، خاصة بعد التراجع الحاد لسمعة إسرائيل، دوليًا، ومواجهة جيشها الكثير من الأزمات، وتعرض اقتصادها لضربة كبيرة، جراء التعبئة الضخمة لجنود الاحتياط، و... و... وانتهى التحليل إلى أن إسرائيل قد تكتفى بالعودة لاستراتيجيتها المعتادة المتمثلة فى استهداف عناصر وممتلكات عسكرية إيرانية فى سوريا ولبنان، وربما تقوم بتوسيع نطاق ذلك مستقبلًا ليشمل العراق واليمن.