رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام الصناعة الوطنية وأداء اليمين الدستورية


ساعات قليلة تفصلنا عن أداء اليمين الدستورية لفترة رئاسية جديدة للسيد الرئيس/ عبد الفتاح السيسي، وكمواطن مصري عاش فترات من الأمل وأخرى من الإحباط، عاش فترات من الفخر والسعادة وأخرى من المعاناة والحزن وبعيدًا عن الأسباب، التي منها ما فرض علينا نتيجة للأوضاع العالمية والأزمات الإقليمية، ومنها ما هو نتيجة لجشع وطمع التجار وبعض المواطنين الذين فضلوا تحقيق مكاسب شخصية ضيقة على حساب اقتصاد الوطن، فهناك أمنيات تجول بخاطري في ما نحن مقبلون عليه من فترة جديدة تحت قيادة السيد الرئيس.
وبناءً على سمات ما سبق من أعوام، فإن الأمنية الرئيسية التي أتمنى أن تتحقق في الفترة الرئاسية الجديدة هو أن يتم توجيه الاستثمار الحكومي والخاص إلى الإنتاج، سواء كان زراعيًا أو صناعيًا.
لذلك أطرح في هذا المقال، بل أتمنى أن يعلن السيد الرئيس عام ٢٠٢٤/ ٢٠٢٥ كعام للصناعة الوطنية والصادرات المصرية.
ولكي يتثنى لنا تحقيق ذلك، يجب في البداية أن يتم تشكيل غرفة عمليات مركزية تحت قيادة مجلس الوزراء وبمتابعة مباشرة من مؤسسة الرئاسة، ويمثل فيها على أعلى مستوى كل وزارة، المجلس الأعلى للجامعات، البنك المركزي، الهيئات الاقتصادية، مجلس النواب، اتحاد الصناعات المصرية، اتحاد الغرف التجارية.
ومن ثم، تقوم غرفة العمليات بالتخطيط المفصل ومتابعة تنفيذ ما يلي:
- توجيه المنح والمعونات التي يتم تخصيصها إلى مصر من منظمات التنمية والتمويل الدولية والدول الداعمة لمدة عام إلى القطاع الصناعي المصري كمحرك تمويلي لتحقيق الأهداف الاستراتيجية وبشكل يحقق تنمية صناعية خضراء وشاملة ومشتدامة، وبذلك سيتم ضخ أكثر من ٦ مليارات دولار لمدة عام على القطاع الصناعي.
-  التوجه إلى التخطيط الصناعي اللامركزي، بحيث يكون التوجه العام نحو تعظيم الاستفادة من موارد كل محافظة على حدة "كمرحلة أولى" وتمكين سكان المحافظة من إضافة القيمة الصناعية لمواردهم، وذلك عن طريق التوسع في إنشاء وتطوير الوحدات الإنتاجية الصغيرة في كل وحدة إدارية بكل محافظة بالتعاون مع القطاع الخاص ومنظات التنمية والتمويل الدولية.
- تبنى منهج مركزية توريد مدخلات الإنتاج، كما حدث بالنموذج الصيني، وذلك عن طريق تحديد احتياجات المصانع من مدخلات الإنتاج وتقوم الدولة بدور الوسيط في عملية الاستيراد والتوريد، مما يؤدي الى توفير من ٣٠ إلى ٥٠% من تكلفة الاستيراد والشحن.
- موجهة الممارسات غير العادلة والاحتكارية في السوق المصرية عن طريق تطبيق منهجية اختصار سلاسل الإمداد والتوريد، بحيث تكون العلاقة ما بين المصانع وتجار التجزئة علاقة مباشرة تحت إشراف وبواسطة شركات خدمات لوجستية وشحن ونظام إلكتروني للحجز والطلب، مما سيسهم أيضا في دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي وتيسير عملية الرقابة على الأسعار وضبط السوق. 
- تعظيم الاستفادة من مصانع القطاع العام، عن طريق إعادة هيكلتها للعمل بنظام التأجير التمويلي أو ضخ استثمارات في أتمتتها ورقمنتها بالكامل عن طريق تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، وبهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي التدريجي وإحلال الواردات الصناعية.
- وضع مصر على خريطة الصناعات الاستراتيجية العالمية، والتي تعاني من خلل في سلاسل الإمداد والتوريد عن طريق تعظيم الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لمصر ومن قناة السويس، وذلك بإنشاء مناطق حرة لوجستية بمميزات خاصة؛ لجذب قطاعات أشباه الموصلات، الأدوية، الغذاء، التجارة الإلكترونية وريادة الأعمال والابتكار لإعادة التصدير من مصر ونقل التكنولوجيا والمعرفة كمرحلة أولى.
- اعتماد الثورة الصناعية الرابعة والهندسة العكسية كمحرك رئيسي للبحث والتطوير المستمر في توطين الصناعات والتكنولوجيا والبحث والتطوير الصناعي.
- التوجه نحو تحرير الصناعة من استخدام الطاقة التقليدية نحو استخدام الطاقة البديلة والمستدامة وتشجيع الاستثمار والتمويل في هذا الصدد، من خلال استخدام طبيعة كل محافظة ومواردها في توليد الطاقة للقطاع الصناعي بالمحافظة، مما سيؤدي إلى انخفاض كبير في تكلفة الإنتاج.
- إنشاء هيئة اقتصادية هادفة للربح وبهيكل يحتوي على أكفأ الخبرات يكون هدفها استمرارية البحث والتطوير والتسويق للصناعات الاستراتيجية في مصر، كما حدث في التجربة الماليزية، بإنشاء وزارة للصناعات الاستراتيجية تعمل فقط على سلسلتين للقيمة، هما المطاط ومنتجات النخيل، فمصر تستطيع أن تصبح دولة صناعية استراتيجية في العديد من المنتجات، كالتمور والموالح والأسمدة والطماطم.
- عقد شراكة استراتيجية ما بين كل من وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ووزارة التجارة والصناعة ووزارة التربية والتعليم والتعليم الفني والقطاع الخاص لتدريب حاملي المؤهلات الفنية والمتوسطة من المجندين أثناء فترة تجنيدهم للاستفادة من بيئة الالتزام وبناء على احتياجات القطاعات الصناعية المختلفة، ومن ثم تشغيلهم بعد قضاء فترة التجنيد، وبهذا نستطيع إعداد حوالي مليون عامل فني على أعلى مستوى في عام واحد.
- إنشاء مناطق صناعية حدودية بالتعاون مع دول البريكس لمساعدة دول الجوار والدول العربية والإفريقية من تعظيم الاستفادة من مواردهم ومن ثم تحقيق التكامل الاقتصادي.
- إنشاء منصة رقمية لمعلومات وبيانات الإنتاج الصناعي؛ بهدف الربط ما بين قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر وبين الصناعات الكبيرة مما سيعزز من سلاسل الإمداد وتوطين الصناعات المصرية وإحلال واردات مدخلات الإنتاج.
- إنشاء منصة لرقمنة الاتفاقيات التجارية وتنمية التجارة البينية تعمل على تحليل المعلومات الضخمة التجارية وتوجيه التجار عن طريق استخدام الذكاء الاصطناعي، مما سيدعم زيادة التجارة البينية والاستفادة من الاتفاقيات التجارية التي وقعت عليها مصر، ومن ثم سيخلق بنية تحتية لتحويل مصر إلى مركز دولي لإعادة التصدير.
- وضع برنامج وطني لتفعيل دور المصريين في الخارج في عملية الترويج للأدوات المصرية وعقد الشراكات الصناعية يحقق الاستفادة لهم والاقتصاد المصري.
- وضع خطة إعلامية لإشراك المجتمع في عملية التنمية الصناعية وحث الشباب والمستثمرين على التصنيع والإنتاج وتغيير الصورة النمطية للعمالة الفنية عن طريق تبني منهجية السيكو دراما وإنتاج العديد من الأعمال الفنية التي تحقق الهدف.
- استمرارية عرض قصص النجاح من المجال الصناعي ووضع بعضها كجزء من المناهج الدراسية في المراحل المختلفة.
- إشراك المجتمع المدني في التوعية بأهمية الإنتاج والتصنيع وإشراك النساء والشباب في العملية الإنتاجية. 
- وضع منهج أساسي لريادة الأعمال وإدارة الابتكار الصناعي لتدريسه في المراحل الدراسية المختلفة.
وببعض من هذه الأفكار أو كلها، أو بإضافة أخرى لم تسنح مساحة الكتابة لعرضها تستطيع مصر تحقيق طفرة صناعية وتصديرية في عام واحد وبدون تحميل موازنة الدولة مزيدا من الأعباء، فلا سبيل إلى تنمية اقتصادية شاملة ومستدامة إلا بالإنتاج والتصنيع والتصدير.
فلم يعد الإنتاج والتصنيع هما السبيل الوحيد للتنمية الاقتصادية وحماية الشعوب من الفقر والمجاعات فقط، بل أصبحا قوة حقيقة للتأثير الدولي وصمام لأمن وأمان الدولة، وما رزق الله به مصر من نعم وموارد لا يحتاج إلا أن نتحرك جميعا سويا، حكومة وشعبا ومجتمعا مدنيا وقطاعا خاصا، نحو الإنتاج والتصنيع والتصدير حتى ننهض بمصرنا الغالية.