رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصيد فى مياه الدراما

يتقن تنظيم الإخوان الصيد فى المياه العكرة أكثر من أى شىء آخر، لهم فى هذا تاريخ طويل فى اللعب على التناقضات، كل قطبين كبيرين كان بينهما الإخوان.. الملك والوفد، الضباط الأحرار وبعضهم البعض، الخليج وعبدالناصر، السادات والناصريون، الحكومة والشعب... إلخ كل هؤلاء كان بينهم طرف ثالث يسعى بالوقيعة ويلعب على التناقضات.. هذا الطرف هو الإخوان.. فى ضوء هذه المعرفة التاريخية بهم قرأت منشورًا موحدًا نشره الذباب الإلكترونى للإخوان.. يقول المنشور إن المسلسل الضخم «الحشاشين» يسىء للشيعة عمومًا، وللشيعة الإسماعيلية خصوصًا؛ كون بطل المسلسل الرئيسى من دعاة الشيعة الإسماعيلية.. فى الحقيقة لم أشعر كمشاهد بأن المسلسل يتعرض لعقائد أى فرقة إسلامية من قريب أو من بعيد، لا الشيعة الأمامية ولا الإسماعيلية ولا أى فرقة إسلامية.. المسلسل كما تابعته يروى قصة ظهور أول تنظيم إرهابى فى تاريخ الإسلام، أول تنظيم استخدم الاغتيال كوسيلة لإرهاب الخصوم وشق الجماعة وتحقيق الأهداف السياسية، تصادف أن مؤسس هذا التنظيم كان ينتمى لفكرة معينة أو لفرقة إسلامية معينة، لكن العيب لم يكن فى الفرقة التى ينتمى إليها.. الحلقات كما تابعتها تقدم قصة رجل استخدم العقيدة الدينية لتحقيق طموح شخصى، واستخدم رغبة الناس فى دخول الجنة فى إرهاب خصومه وتخويف أعدائه ومنافسيه، وبالتالى فالعيب فى الشخص وليس فى الأفكار التى يدعو لها.. مسلسل الاختيار مثلًا عالجت حلقاته حوادث إرهاب تنظيمات التكفير فى سيناء؛ رغم أنهم يدعون أنهم مسلمون على المذهب السنى، ولم يفكر أحد أن مصر تهاجم المذهب الذى ينتمى إليه أغلبية الشعب والحكومة وصُناع العمل نفسه.. والمعنى أن الدراما تجسد قصة شخص انحرف فى فكره وأصبح عبدًا لذاته ولطموحه ولرغبته فى الخلود بغض النظر عن مبدئه.. يقدم السيناريو فى بداية الحلقات إيحاء لصفقة بين البطل والشيطان، كما جسد الشاعر الألمانى جوتة فى مسرحيته الشهيرة «فاوست»، وبالتالى لا يهم ديانة الرجل بقدر ما يهم أنه باع روحه للشيطان الذى يحمل معانى وتفسيرات متعددة، فهناك شيطان القوة أو شيطان الشهرة أو شيطان المجد... إلخ، وأظن أن هذه كلها معانٍ واضحة، ولكن الإخوان يحبون الصيد فى الماء العكر، ولا يتوقفون عن نشر الكلام الفارغ، يؤلمهم جدًا أن علاقة مصر بكل الطوائف الدينية فى العالم هى علاقة مودة ومحبة، لأن مصر لم تعرف أبدًا معنى الطائفية.. فمصر التى احتضنت الخلافة الفاطمية ثلاثة قرون هى التى تحولت خلال عام واحد لقاعدة مواجهة الصليبيين بقيادة قائد سُنى هو صلاح الدين الأيوبى، وهى فى هذا وذاك كانت تستجيب لقدرها بأنها أكبر حواضر الإسلام، وأنه لا شبيه لموقعها ومكانها، ولا نصر على الصليبيين والتتار إلا من أرضها.. يؤلم الإخوان أن أحفاد الفاطميين من أنصار الأئمة المختلفين ما زالوا يرون فى مصر الأرض المباركة، وأن الأغاخان زعيم الشيعة النزارية وأحد مشاهير العالم فى الخمسينيات اختار أن يُدفن فى مصر، حيث توضع على قبره وردة جديدة كل صباح منذ دفنه فى الستينيات حتى الآن.. تمامًا كما أن طائفة البهرة تحرص على زيارة مصر ومراقد آل البيت فيها والتبرك بأرضها.. وأظن أن علاقات مصر بكل طوائف المسلمين فى العالم ستزداد قوة فى المستقبل، وأن أحدًا لن يلتفت لترهات الإخوان، لأن المقصد من المسلسل واضح جدًا، كما هو واضح أن الإخوان يخافون من ربط الناس بين تنظيم الحشاشين الإرهابى وتنظيم الإخوان الإرهابى، الذى سار مؤسسه حسن البنا على نهج مؤسس الحشاشين وبنى تنظيمه على غرار تنظيم الحشاشين، واستخدم الاغتيال كما فعل الحشاشين، وقسم أعضاء تنظيمه لمراتب أربع نقلًا عن الحشاشين، وسمى نفسه الإمام اقتداء بزعيم الحشاشين، وأطلق على جماعته اسم الدعوة كما فعل مؤسس الحشاشين.. الإخوان يريدون تشتيت انتباه الناس عنهم.. ولكن الناس تعرف كل شىء.