رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذكرى اغتيال نظام الملك

ذكرى اغتيال نظام الملك


كنت أطالع كتابًا عن وزير الدولة السلجوقية «نظام الملك» حين انتبهت أن تاريخ اغتياله كان فى العاشر من رمضان عام ٤٨٥ هجريًا، حين تنكر أحد الحشاشين فى زى رجل صوفى وطعنه بخنجر عقب مغرب ذلك اليوم.. سبب اهتمامى بحياة نظام الملك هو إعجابى بمسلسل «الحشاشين» وهو عمل كبير يثير قضايا كثيرة، ويجد فيه كل مشاهد زاوية جديدة لإثارة اهتمامه.. إن ميزة دراما رمضان أن المشاهد يتوحد مع الأعمال، ويضع نفسه مكان مخرج العمل ومؤلفه، فيقترح خطوطًا أخرى للدراما ومساحات أكثر أو أقل للشخصيات ونهايات مختلفة للحلقات، وهذا كله، من وجهة نظرى، دليل استمتاع بالأعمال وتوحد مع أبطالها وإقبال على مشاهدتها.. وقد ضبطت نفسى وأنا مصاب ببعض هذه الأعراض وأنا متابع مسلسل الحشاشين وهو مسلسلى المفضل فى رمضان هذا العام.. وجدت نفسى أقول إن الصراع الحقيقى بين الحسن الصباح وبين نظام الملك ليس بسبب الصداقة القديمة.. إنه صراع بين من يبنى ومن يهدم.. من يزرع ومن يحرق.. من يعمر ومن يخرب.. إنه صراع بين من يريد هدم كل شىء بحجة البناء من جديد، وبين من يدرك أن الهدم لن يقود إلى شىء فيسابق الزمن لإصلاح ما هو موجود ونفع الناس بالعلم بدلًا من إهدار حياتهم.. إن صراع الحسن الصباح ونظام الملك صراع الثورى «أو مدعى الثورية» والإصلاحى، صراع رجل الدولة والإرهابى، بحسب كتاب «نظام الملك» للعالم العراقى الرائد عبدالهادى رضا محبوبة «تلميذ طه حسين فى آداب القاهرة وأستاذ الدراسات الشرقية» فإن الحسن بن على نظام الملك هو واحد من مؤسسى علم السياسة فى العالم، وهو مفكر وفقيه وسياسى وصاحب رأى ومشورة، والغريب أنه كان شديد التدين يرعى العلماء ويصلى الجماعة ويصوم النوافل، والأهم أنه حكم الخلافة العباسية من الباطن لمدة ثلاثين عامًا كاملة، كان فيها الأتراك السلاجقة حائط صد ضد الصليبيين وحققوا انتصارات كبيرة فى «آسيا الأوروبية».. إن سيرته تقول إنه من أسرة فارسية ثرية وهبته للعلم وإنه حصّل الكثير من العلم الدينى، ثم عمل كاتبًا لبعض الحكام المحليين كعادة مثقفى زمنه، ثم اتصل بالقائد «ألب أرسلان» مؤسس دولة الأتراك السلاجقة وعمل وزيرًا له عشر سنوات كاملة أسهم فيها فى توطيد أركان السلطنة، ثم عمل مع وريث ألب أرسلان ملك شاه لعشرين عامًا كاملة، وكان إلى جانب ممارسته اليومية للسياسة يكتب فى علم السياسة كتبًا مازالت صالحة للتعلم منها حتى الآن، مثل «سياسة نامة» أو «سير الملوك» و«بند نامة» أو دستور الوزارة، والى جانب هذا فقد أسس سلسلة مدارس حملت اسم «المدارس النظامية» نسبة إلى لقبه «نظام الملك» وأسس كذلك المكتبات النظامية.. إلخ ومن حسنات المسلسل أنه فتح الباب واسعًا للتنقيب فى هذه الفترة المزدهرة والحرجة من تاريخ المسلمين، ويستطيع من يريد الاستزادة الرجوع للكتب التى تم تدوينها عن هذه الفترة وأبطالها.. لكن المفارقة فى ذهنى تبقى دائمًا أن الإرهابى أكثر شهرة من صاحب الكفاءة السياسية، وأن المشعوذ أكثر شهرة من العالم، وأننا جميعًا قبل المسلسل كنا نعرف اسم الحسن الصباح «القاتل» ولا نعرف اسم «نظام الملك» صاحب الأفضال على الدولة الإسلامية ورجل العلم والعمل، والمفارقة الأكبر أن الصباح أقنع شخصًا من أتباعه أن نظام الملك صاحب المؤلفات والكتب ومجالس العلم كافر واجب قتله وأن هذا القاتل الجاهل اقتنع وغامر بحياته من أجل تكليف المهمة.. والأكثر غرابة أن يسجل التاريخ أن وصية نظام الملك الأخيرة كانت عدم قتل قاتله؛ لأنه قد عفا عنه! غريبة هذه الدنيا.