رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رمضان كريم يا سينا

فى مثل هذا اليوم، العاشر من رمضان، منذ ٥١ سنة، بالتقويم الهجرى، أفقدنا كل الأعداء توازنهم، بعبورنا من غرب قناة السويس إلى شرقها، ومن نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧ إلى انتصار ٦ أكتوبر ١٩٧٣، الذى لا يزال التاريخ العسكرى متوقفًا أمامه. وتصادف أن تحل أمس، الثلاثاء، ١٩ مارس، بالتقويم الميلادى، الذكرى الخامسة والثلاثون لاستعادة طابا، التى كان الإسرائيليون قد افتعلوا أزمة بشأنها وخضنا لاستردادها معركة دبلوماسية وقانونية استمرت سبع سنوات. 

بين يومىّ العاشر من رمضان سنة ١٣٩٠ هجرية، والتاسع عشر من مارس سنة ١٩٨٩ ميلادية، أثبتت الدولة المصرية، قيادة وجيشًا وحكومة وشعبًا، أن تحقيق السلام لا يكون إلا بالتفوق العسكرى والسياسى والدبلوماسى والقانونى، وترجمت عمليًا، عسكريًا، سياسيًا، دبلوماسيًا وقانونيًا، فى عهد أنور السادات ثم حسنى مبارك، مقولة إن «ما أُخِذ بالقوة.. لا يُستَرد بغير القوة»، التى كان يرددها جمال عبدالناصر. 

مطبات ومنعطفات ومراوغات وتلكيكات، و... و... وألغام، سبقت وتلت توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، التى كانت ستصبح حبرًا على ورق، لو تمكن الإسرائيليون من العثور على خرم إبرة يتيح لهم تطبيق سياستهم الثابتة فى تضييع الوقت والتنصل من العهود، وعرقلة المعاهدات وتجاهل كل المواثيق والأعراف الدولية. وقطعًا، لولا القوة التى استندنا إليها، وما زلنا، لكان مصير الاتفاقية، والجدول الزمنى الذى وضعته لانسحاب العدو من سيناء، هو نفسه مصير قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢، الصادر فى ٢٢ نوفمبر ١٩٦٧، مثلًا، الذى ما زال الأشقاء العرب يطالبون بتنفيذه، ونحن معهم، أو منهم، طبعًا!

بدأت أولى جولات «معركة السلام» بمفاوضات الكيلو ١٠١، فى أكتوبر ونوفمبر ١٩٧٣، ولم تنته باتفاقية السلام، الموقعة فى ٢٦ مارس ١٩٧٩، بوساطة أمريكية، والتى أعادت لمصر، على الورق، أرضها التى كانت محتلة. وبعد تجاوز منعطفات ومطبات ومراوغات وتلكيكات وألغام، كان أبسطها تلاعب الإسرائيليين فى ١٣ علامة حدودية، جرى فى ٢٥ أبريل ١٩٨٢ رفع العلم المصرى على مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوبها، ثم على طابا، بعد انتصارنا فى المعركة الدبلوماسية والقانونية، التى استغرقت سبع سنوات. غير أن التركيز على توازن القوى وليس على توازن المصالح، كما كنا قد أوضحنا فى مقال سابق، أعاد إلينا سيناء منزوعة أو مكتوفة السلاح. وجعلها، نقطة ضعف أساسية، أو ثغرة، فى جدار أمننا القومى. وبالتدريج، صارت ملاذًا آمنًا للجماعات الإرهابية والخارجين على القانون.

هنا، ربما تكون الإشارة مهمة إلى أن الملحق العسكرى للسفارة البريطانية لدى تل أبيب كتب فى تقرير، سنة ١٩٨٦، أن معاهدة السلام «نزعت بشكل فعال سلاح شبه جزيرة سيناء»، وأن مصر «لو اختارت مهاجمة سيناء، سوف يتعين على قواتها استخدام ثلاثة محاور لوجستية عابرة ٨٠ ميلًا من صحراء سيناء، وهى منطقة مكشوفة بلا مراكز لوجستية متقدمة، ولا شبكات دفاع جوى أو تحصينات دفاعية». ونتيجة لذلك «فلا يمكن إكمال العملية بسرعة تكفى لتحقيق مفاجأة توقع خسائر غير مقبولة».

عادت شبه جزيرة سيناء، إذن، منزوعة أو مكتوفة السلاح، وظل الوضع يتدهور حتى وجدنا أنفسنا أمام ما لم نكن نبالغ حين سميناه «منتخب العالم فى الإرهاب»، والذى لم نتمكن من التعامل معه إلا بعد أن استعادت مصر عافيتها السياسية والعسكرية، وتمكنت من نشر نوعيات متطورة من الأسلحة الثقيلة والطائرات الحربية، فى المنطقتين «ب» و«ج» لتعزيز قدرات الجيش والشرطة على سحق الإرهاب. 

.. وأخيرًا، كان مخطط أهل الشر، كما شرحه الرئيس عبدالفتاح السيسى، سنة ٢٠١٤، هو تحويل سيناء إلى كتلة من الإرهاب والتطرف، لا يستطيع أحد أن يتخلص منها. وفى المقابل، أو فى مواجهة هذا المخطط، كان أمامنا خياران: الأسهل، هو مواجهة الإرهاب، وعقب الانتهاء منه يبدأ النظر فى عملية التنمية، أما الخيار الأصعب والأكثر تعقيدًا، والذى اخترناه، فهو أن تبدأ، بالتوازى مع الحرب على الإرهاب، عملية تنمية حقيقية كتلك التى بدأت منذ عشر سنوات، والتى لم تشهدها سيناء طوال تاريخها.