رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى النصر.. اللواء محمد قشقوش يكشف كواليس الانتصار العسكري والسياسي على إسرائيل

اللواء محمد قشقوش
اللواء محمد قشقوش

قال مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية اللواء محمد قشقوش، إن ذكرى المناسبات الوطنية تتناغم مع ذاكرة النضال الوطني المصري، فها نحن نحتفل بمناسبتين عظيمتين في تاريخين متتاليين، في العاشر والتاسع من رمضان الحالي 1445 (20 و19 مارس 2024) فالأول يواكب ذكرى افتتاح نصر أكتوبر 1973 العظيم، والثاني يواكب ذكرى إتمام تحرير طابا، فالتاريخان يحتضنان بينهما سيناء الحبيبة من أقصاها غربًا حيث بدأ التحرير باقتحام قناة السويس وتدمير خط بارليف، إلى أقصاها شرقًا حيث نهاية المعركة القانونية لتحرير آخر حفنة رمال من أرض الفيروز، أرض الوطن المُقدس، وفيما بينهما كان نضال شاق من أجل تحقيق السلام الذي بُني على نصر رمضان أكتوبر المجيد. 

وأضاف اللواء محمد قشقوش لـ"الدستور": “واكب المناخ العسكري القتالي لحرب رمضان أكتوبر، مناخ روحاني رمضاني، حيث طلب الفريق الشاذلي بديلاً جديدًا لصيحة النصر، وحينها أُذِن لصلاة العصر في قيادة الجيش الثالث الميداني، وفي حينها تم التكبير (الله أكبر) وهو ما نُفذ منذ الضربة الجوية وكسر الصمت طوال الحرب، وخاض الرجال الحرب واستشهد من استشهد وأغلبهم صائمون بما فيهم إخوانهم المسيحيين، فيا لها من حرب تحرير عظيمة مقدسة”.

وأوضح أن محتوى الدراسة طبقا لتسلسل الحرب شمل الإعداد الشامل والتخطيط الدقيق والخداع الاستراتيجي والتنفيذ الشجاع والنتائج والدروس المستفادة والسلام والانتصار السياسي وطابا والانتصار القانوني والخاتمة. 

وقال إن الإعداد الشامل بدأ بعد نهاية هزيمة حرب 67 مباشرة، ورفض الشعب المصري تلك الهزيمة ورفض تنحي الرئيس عبد الناصر عن موقعه ورفض هزيمة جيشه في حرب غير متكافئة التي لم يخضها، ورفع الشعب والجيش شعاري تلك المرحلة، إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، بما يعني أن الحرب التحرير قادمة لا محالة، وأن الإعداد لها له الأسبقية المطلقة.

وأوضح أن الإعداد التسليحي والقوة البشرية المقاتلة كان أولها استعواض خسائر حرب عام 67 خاصة من الطائرات والدبابات والدفاع الجوي، ثم زيادة دعم تلك القوات تباعا طبقا لما سمح به الاتحاد السوفيتي، كما تم الإعداد للقوى البشرية تحت السلاح العاملة والاحتياطية مع زيادة نسية المجددين المؤهلات العليا لتطوير التعامل مع الأسلحة والمعدات  الحديثة، وتم استحداث الضابط المحارب من ضباط صف المؤهلات العليا لزيادة نسية الضباط صغار الرتب إلى الجنود حيث بلغت 18: 1 وكذاك تطوير بنك الدم ليفي بالاحتياجات الطبية خلال الحرب.

وأكد أهمية التدريب الشاق للقوات والقيادات نهارا وليلا على كافة مراحل القتال بما فيها اقتحام وعبور قناة السويس واجتياز مناطق البحيرات المرة والتمساح بالقوات البرمائية الميكانيكية والمدرعة. 

وشرح طريقة إعداد مسرح العمليات حيث شمل إعداد الطرق والسكك الحديدية والموانئ البحرية والجوية، وإعداد مناطق وخطوط دفع الاحتياطيات، بالإضافة إلى إعداد المناطق الإدارية، مؤكدا أن من أهم مراحل الإعداد وأصعبها، إعداد خطة (خدمة القائد) لتلبية احتياجات السيطرة والتحركات التكتيكية المنظمة لمئات الآلاف من القوات وعشرات الآلاف من المركبات المختلفة ومئات الدبابات عبر الطرق ومحاور التقدم، مع عبور كباري الاقتحام المتنوعة إلى قناة السويس والمعابر المختلفة نهارًا وليلاً، مع السيطرة على التوقيتات والخطوط. تُعتبر تلك الخطة من أكبر وأدق الخطط النوعية عالميًا خلال مراحل الحرب، وخاصة مراحل العداد والعبور إلى قناة السويس كأكبر وأصعب مانع مائي في التاريخ حتى الآن.

وأشار إلى أن التخطيط الدقيق شمل كافة التفاصيل التكتيكية والفنية، ودراسة جميع المصاعب والعوائق المنتظرة والتغلب عليها وحلها بدقة وهدوء دون أن تشعر قوات العدو، وتزاوج العديد من تلك الإجراءات مع خطة الخداع الاستراتيجي، ولكن تمت المعالجة بمهارة، مثل التغلب على أنابيب النابالم، وتدبير مضخات مياه فتح السواتر الترابية بأعداد كبيرة من بريطانيا وألمانيا دون أن يشعر أحد، وتسلق الأفراد للساتر الترابي بارتفاع متوسط 20 مترا (7 طوابق) بمعداتهم وأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة.

كما أشار إلى أن التنسيق الدقيق مع هيئة قناة السويس لاستخدام إمكانياتها في إعداد وتجهيز منازل ومصاعد الكباري والمعديات وتوفير بعض قوارب العبور، كما شمل التخطيط كيفية استقبال قوات الدعم العربية لكل من مصر وسوريا، رغم تقدير وصولها متأخرة لأنها ستبدأ بالفتح الاستراتيجي بعد معرفتها بتوقيت بدء الحرب سعت 1405 ظهر يوم السادس من أكتوبر وذلك حفاظا السرية وتحقيق المفاجأة ضد القوات الإسرائيلية، موضحا أن اختيار موعد وتوقيت الحرب تم بعد دراسة مستفيضة لاختيار الشهر والأسبوع واليوم والساعة كالآتي: 

شهر أكتوبر: قبل هبوط الجليد على الجولان، كما سيواكب معظم شهر رمضان كدافع روحي، وبه العديد من الأعياد اليهودية وأهمها يوم الغفران (كيبور).

الأسبوع الأول: الجزء الأول من الليل مُقْمِر لتركيب الكباري بأقل مد وجزر لأن القمر لم يكتمل بدرًا، والجزء الثاني مظلم لعبور الدبابات وللإخفاء عن طيران العدو.
يوم 6 أكتوبر: يوافق يوم (كيبور) حيث تتوقف الحياة في إسرائيل، بما في ذلك بث الإذاعة والتلفزيون، عدا إذاعة الجيش التي تبث دقائق كل ساعتين، مما أخّر وأربك خطة التعبئة الإسرائيلية.

الساعة 2 ظهرًا: نصف نهار بما يسمح بتوجيه ضربة جوية وإمكانية تكرارها، والعبور الأولى للقناة بالقوارب والمعدّيات، وإدارة نيران المدفعية، وتجهيز مواقع مناسبة للقوات شرق القناة استعدادًا لصد احتياطات العدو القريبة.

وكشف أن خطة الخداع الاستراتيجي (ونالت مساحة أكبر نظراً لأهميتها) كانت مفتاح النصر بالفعل، حيث من خلالها تم تحقيق المفاجأة الكاملة لإسرائيل، بل والولايات المتحدة بكل إمكانيات استخباراتهما، وكانت خطة شاملة تمت على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وكانت محصلتها الهامة هي خداع العدو بشأن وقت بدء الحرب، مما أفقده عنصري المبادأة والمفاجأة، والنتيجة هي شلل وارباك خطة تعبئة قوات الاحتياط الإسرائيلية الهامة التي تشكل حوالي 60-70% من إجمالي القوات الإسرائيلية التي يجب أن يتم استدعاؤها خلال 72 ساعة، أي 3 أيام، وكان أهم ما احتوته الخطة ما يلي:

1- على المستوى السياسي:
- إرسال ممثل للرئيس السادات إلى الولايات المتحدة للتباحث بناءً على طلبها، حيث تم التنسيق مساء يوم 5 أكتوبر بين نائب كيسنجر والسفير المصري في واشنطن أشرف غربال وقبل أن يرد السفير في التاسعة صباح اليوم التالي 6 أكتوبر بتوقيت واشنطن، الثالثة ظهرًا بتوقيت القاهرة كانت الحرب قد بدأت بالفعل.
- قبول زيارة وزير الدفاع الروماني لمصر في 8 أكتوبر، وتم ذلك بناءً على طلبه في أول أكتوبر، وإرسال برنامج مقترح للزيارة، ويوم الحرب 6 أكتوبر تم الاعتذار وتفهم الموقف، وكان يحمل مقترحات للوساطة بين مصر وإسرائيل بواسطة الرئيس شاوشيسكو.
- الاجتماع السري لمجلسي الدفاع الوطني لمصر وسوريا في الإسكندرية، وكان للتنسيق النهائي وعُقد في قيادة القوات البحرية في رأس التين برئاسة الرئيسين، من 22-23 أغسطس 73.

2- على المستوى الاقتصادي:
- تأخير إغلاق المجال الجوي فوق مصر لآخر لحظة، بما يسمح للطيران الدولي بتغيير مساراته إلى مسارات بديلة قبل الدخول إلى الأجواء المصرية كمنطقة حرب.
- استيراد ماكينات ضخ مياه فتح السواتر الرملية من بريطانيا ثم من ألمانيا تحت ستار مشروعات زراعية بجوازات سفر ووظائف من وزارتي الزراعة والري.

3- على المستوى الإعلامي والاجتماعي
- ساهم الإعلام بشكل فعال من خلال التنسيق مع إعلام القوات المسلحة، مع التركيز على نقل المعلومات إلى العدو مثل إعلانات الحج والعمرة في بداية رمضان للضباط والمتطوعين وأسرهم، وكذلك التركيز على الصحف التي تصل إلى السفارات الإسرائيلية في أوروبا خاصة في لندن وباريس.
- كما لاحظت العين المتابعة النشاط الاجتماعي من خلال فرحة الأسر بعودة أبنائهم من التدريب، في ظل الظروف المتوترة منذ سبتمبر 1973 خلال التدريبات السنوية لمناورات الخريف من سلسلة "تحرير".

4- على المستوى العسكري
شمل العديد من الأنشطة مثل تكرار أعمال التعبئة والتسريج، والتدريب على عبور خارج مراقبة العدو، ونقل الكباري إلى منطقة القناة وإخفائها، وإعادة بعض الأجزاء المجمعة نهارا للرصد، بالإضافة إلى إنشاء كباري خفيفة وهيكلية. وتضمنت الخطط هجومًا على طول مواجهة قناة السويس بمشاركة قوات النسق الأول المحتل لغرب القناة مباشرة، وكانت نتيجة هذه التخطيطات والتنفيذ للمفاجأة الاستراتيجية نجاحًا كبيرًا، وخدعت هذه المفاجأة المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي والعالمي بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ورغم التقدم التكنولوجي في مجالات الاتصالات والتنصت والأقمار الصناعية، فإن المفاجأة التكتيكية ما زالت واردة باستخدام أفكار جديدة أو أسلحة جديدة.

وأشار إلى أن التنفيذ الشجاع والدوافع الوطنية والقتالية والروحية كانت قوية للغاية، كما أثر نجاح المفاجأة في تأخر وارتباك خطة التعبئة الإسرائيلية خلال الثلاثة أيام الأولى من الحرب بشكل كبير على مقدمات النجاح والنصر المرتقب.

وأوضح أن وقت التعبئة كان هو الوقت الحرج الذي احتاجته القوات المسلحة المصرية لتنفيذ المراحل الأولى وتحقيق المهام الصعبة مثل الفتح الاستراتيجي واقتحام قناة السويس وبدء قتال الضاري لتدمير خط بارليف الحصين وقتال الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية بالقوات المصرية الخفيفة من المشاة والمظلات والصاعقة منفردة قبل فتح الساتر الترابي وتركيب الكباري وعبور الدبابات المصرية مع بدء اليوم الثاني للقتال في السابع من أكتوبر.

واستكمل: “شهدت مرحلة التنفيذ الشجاع عددًا من البطولات نذكر منها تدمير النقاط الحصينة لخط بارليف المنيع تبعًا ورفع الأعلام المصرية عليها - تحرير مدينة القنطرة شرقًا - استسلام مواقع إسرائيلية في القنطرة ولسان بور توفيق - الاستيلاء على مركز قيادة تلة الشجرة شرق الإسماعيلية - ومواقع المدفعية الثقيلة 155 مم في عيون موسى (أبو جاموس كما أسماه الجنود) - تغلغل قوات اللواء البرمائي في أعماق تمادا بسيناء، قبل الانكسار نظرًا لعدم وجود غطاء جوي مصري متحرك (مُمَكِّن)”.

وأكد أن القوات الجوية نجحت في الضربة الجوية الافتتاحية وعرقلت وصول القوات الجوية الإسرائيلية المتفوقة إلى قناة السويس بتوجيه قيادتهم بالابتعاد عن "غابة الصواريخ" المصرية، وأن القوات البحرية أغلقت باب المدب في وجه الملاحة الإسرائيلية لمدة تقارب 4 أشهر.

وعن معركة الثغرة، قال مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية إنها أكبر أكذوبة إسرائيلية عن حرب أكتوبر 73، فهي إحدى 8 معارك برية، وطبقاً لآراء الخبراء فقد كسبت مصر 6.5 معركة بينما كسبت إسرائيل 1.5 معركة، وهذا النصف هو الجزء الأول من معركة الثغرة حيث تسللت القوات غربًا وحاصرت مدينة السويس وهاجمتها يوم 24 أكتوبر بهدف إسقاطها كهدف استراتيجي سياسي، ومنيت بهزيمة كبيرة وفشلت في دخولها ولم تستطع معاودة الهجوم حتى وقف إطلاق النار في 28 أكتوبر، بينما كان النصف الثاني من التقييم لصالح مصر بجدارة، حيث تم تكثيف حصار الحصار بفرقة ميكانيكية وبقوات المظلات والصاعقة والحرس الجمهوري ولواء مدرع جزائري ولواء ميكانيكي مغربي، مع تعديل مواجهات قتال من الشرق إلى الغرب من قوات الجيش الثالث الميداني، تمهيداً لتصفية الثغرة، مع تخطيط تدمير الكوبري الإسرائيلي المتاح للانسحاب (فكانوا كفأر في مصيدة) لذلك احتفلوا بفض الاشتباك طوال الليل بإطلاق الألعاب النارية.

وأوضح أن أهم الدروس المستفادة من النصر هي أن مصر حاربت بما توفر لديها من الدعم السوفيتي، وليس بما كانت ترغب في الحصول عليه، ليس فقط من حيث الكم ولكن أيضًا من حيث الكيفية والتطور التكنولوجي الذي كان متاحًا للجانب الإسرائيلي من خلال الولايات المتحدة قبل وأثناء الحرب، خاصة في مجال القوات الجوية والدفاع الجوي المتحرك (المميكن) والدبابات والحرب الإلكترونية، ورغم ذلك، حقق الجيش المصري نجاحات وانتصارات من خلال أعمال قتال مبهرة، بفضل الإعداد الجيد والتخطيط والتنفيذ، واستغلال نقاط الضعف في الجانب الإسرائيلي وتعظيم نقاط القوة المصرية، وأهمها الكفاءة والروح القتالية، ونذكر كمثال على ذلك استسلام الموقع الإسرائيلي الحصين في لسان برور توفيق بعد 4 أيام من المعركة، بينما لم يستسلم الموقع المصري في كبريت بعد مرور أكثر من 100 يوم.

 وأوضح أن السلام والانتصار السياسي في حرب أكتوبر (بكسب أكبر عدد من المعارك مع تحقيق الهدف من الحرب) كان وراء نجاح خيار السلام، الذي سبق ورفضت إسرائيل كل مبادراتها على كافة المستويات قبل حرب رمضان أكتوبر 1973، ولكن الموقف قد تغير بعد الحرب وأصبح لنداء السلام آذان صاغية، حيث يقود السلام إلى التنمية الشاملة في مناخ صحي خالٍ من الإرهاب وعدم الاستقرار، بدءاً بتنمية سيناء، ميدان الحرب والتحرير والسلام والاستقرار.

وأكد أن طابا والانتصار القانوني كان "الثالث" في مثلث الانتصارات العسكرية والسياسية، واستغرق بضع سنوات من التحدي والصراع خلال التحكيم الدولي، واستخدمت فيه الوسائل المصرية القانونية والتاريخية والعسكرية والمساحية والطبوغرافية والجغرافية، والوثائقية، لنصل في النهاية إلى أن طابا مصرية ورغم محدودية تلك البقعة من الأرض (مثل قرية ياميت الإسرائيلية في العريش) فقد أصر الرئيس السادات ومن خلفه مصر، على حرية تراب الوطن المقدس الذي لا يقبل المساومة.

واختتم اللواء محمد قشقوش: “بعد خمسة عقود من الانتصار، تهل علينا نسمات ذكرى العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر المجيد، لتكتمل ذكرى ثلاثية الانتصارات العسكرية والسياسية والقانونية، التي حققتها عزيمة الشعب والجيش المصري، ولم يكن أيٌّ منها سهلاً بمكان، فالنصر العسكري احتاج إلى إعلاء العقيدة القتالية والروحية، والنصر السياسي احتاج إلى المثابرة، والنصر القانوني احتاج إلى الحُجة، ونجحت مصر في كل تلك التحديات، التي تقود إلى إعلاء كلمة الوطن ودعم أمنه القومي الشامل.. عاشت مصر حرة.. قوية.. آمنة.. منتصرة”.