رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أهمية أن نروى تاريخنا

 

بالصدفة البحتة شاهدت إعلانًا تشويقيًا لفيلم يحمل اسم "موسي"، الفيلم أمريكي وستعرضه إحدى المنصات العالمية في نهاية هذا الشهر، وجدت نفسي أعيد مشاهدة الإعلان بشكل لا إرادي، سيطر علىّ الفضول حول كيفية معالجة صناع الفيلم لحدث خروج اليهود من مصر، والصراع الذي دار قبل هذا الخروج، سألت نفسي عشرات الأسئلة.. هل يصور صناع الفيلم المصريين القدماء بشكل منصف؟ هل يستندون للمصادر التوراتية فقط، فيكون الفيلم أقرب لفيلم ديني؟ هل يقدمون رؤية مغايرة تستند لعلم التاريخ؟ هل يرون الأحداث من منظور أنها صراع سياسي في جزء منها؟.. هذه كلها أسئلة لن نجد لها إجابة إلا بعد مشاهدة الفيلم، لكنني متأكد أنها لن تشغلني أنا وحدي، ولكن ستشغل عشرات الملايين في مصر والعالم.. سيفرح الذين يشعرون أن الفيلم أنصفهم في روايته الأحداث، وسيغضب الذين يشعرون أن الفيلم خالف حقائق يعتقدون في صحتها أو أخفي حقائق كان يجب أن تظهر من وجهة نظرهم.. إننا لا نفعل ذلك لو كنا أمام فيلم عادي يدور في العصر الحديث، أو يروي قصة خيالية دارت أحداثها في الماضي، لكننا نشعر بكل هذه الحساسية تجاه الأعمال الفنية التي تروي تاريخًا كان وطننا طرفًا فيه، ونشعر بالغضب إذا غيّر صناع العمل الفني من حقائق تاريخية ثابتة، كما حدث في فيلم كليوباترا، الذي قدمته نفس المنصة وادعت فيه أن كليوباترا كانت سمراء البشرة... هل لهذا علاقة بدراما رمضان؟ نعم له علاقة وثيقة للغاية بدراما رمضان التي تحرص الشركة المتحدة كل عام على أن تحتوي على عمل تاريخي، العمل التاريخي بشكل عام مكلف إنتاجيًا، لكنه يملك جاذبية التاريخ.. أن يروي للبشر قصة الأسلاف.. الإنسان يحب أن يعرف عن أسلافه حتى إن بعض البشر عبدوا أسلافهم أو أجدادهم في الماضي قبل أن تنزل الرسالات السماوية للتصحيح، التاريخ يعيد نفسه بشكل أكيد، لذلك ليس غريبًا أن يعيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان تأسيس تنظيم الشيعة الإسماعيلية المعروف باسم "الحشاشين"..إن ذكاء البنا جعله يحلم بأن يقتبس بناء التنظيم الشيعي وسط السنة، تخيل لو أخذت أقوي فكرة لدي الأقلية المذهبية وأقنعت بها الغالبية الساحقة من الناس! لقد ظن حسن البنا، وهو شخص شديد الذكاء أن اقتباس طريقة عمل الأقلية وتطبيقها على الأغلبية سيؤدي للسيطرة على العالم خلال أعوام قليلة؛ لذلك بشّر اتباعه بـ"أستاذية العالم"، أو "سيادة العالم"، لقد أقنعهم بأنه يدعو لعودة الخليفة المخلوع بدلًا من الإمام الغائب، "تم إسقاط الخلافة العثمانية قبل أربع سنوات من تأسيس الإخوان"، وأن الانضمام للتنظيم فرض عين على المسلم لا يكتمل إيمانه إلا به، ولم يكن سرًا بين العلماء من معاصري البنا أنه تاثر في بنائه تنظيم الإخوان بالشيعة الباطنية، لذلك حاول أنصاره التمويه حول التنظيم الذي اقتدي به حسن البنا في تأسيس الجماعة، وادعي اللبناني فتحي يكن أن البنا كان يقلد تنطيمًا أسسه النبي (ص) لنشر الدعوة، وقد تصدي عدد من العلماء لهذه الأكذوبة كان علي رأسهم د. علي جمعة واقتدي به كثيرون.. وبالتالي فإن مسلسل الحشاشين، مثله مثل مسلسل الاختيار، ومثل أعمال تاريخية مقبلة، يؤدي خدمة وطنية عظيمة حين يروي لنا تاريخنا من منظورنا لا من منظور الآخرين، ولعله ليس سرًا أن المتشرق العمدة برنارد لويس، صاحب فكرة تقسيم الوطن العربي لدويلات صغيرة، يري أن الحشاشين "فرقة ثورية"؛ لأنها طبقت منذ ألف عام النموذج الذي اقترحه منذ سنوات لتفتيت الوطن العربي لدكاكين طائفية صغيرة تستقل فيها كل طائفة بدولة صغيرة لا تشكل خطرًا على أمن إسرائيل أو غير إسرائيل.. وقس على ذلك الكثير.. لذلك لو لم يفعل المسلسل غير الرواية الواعية للتاريخ لكفاه فخرًا ويزيد.