رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحشاشين.. القصة الكاملة

فى كتابى الأول «التاريخ الدموى لخمس فرق خرجت عن الإسلام» أفردت فصلًا كاملًا لقصة «الحشاشين» الحافلة بأحداث غرائبية مثيرة، كتلك التى نقرؤها فى حكايات ألف ليلة وليلة.. فيما يلى بعض من فصولها باختصار.

تبدأ قصة «الحشاشين» بانتقال إمامهم الشيخ حسن الصباح- مؤسس الفرقة- من مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية إلى المذهب الإسماعيلى، الذى أسست عليه الحركة، وقد أقسم يمين الولاء بعد إتمامه التعليم الدينى أمام مبشر مرخص له من كبير الدعاة، الذى كلف «الصباح» فيما بعد بمهمة محددة، هى الذهاب إلى القاهرة، التى كانت وقتذاك مركزًا للخلافة الفاطمية والدعوة الإسماعيلية.

استقبل الخليفة الفاطمى «الصباح» بحفاوة كبيرة، بيد أنه سجنه فيما بعد، ثم طرده من مصر جراء تأييده النزاريين، فامتدت رحلة فراره لسنوات طويلة، قضاها مبشرًا بالإسماعيلية فى كل من فلسطين وسوريا وبغداد وإيران، حتى استقر فى هضبة الديلم شمال إيران، التى عرف سكانها بأنهم شديدو الخطر، نظرًا لانعزالها الجغرافى والسياسى الذى جعل منها ملجأ للشيعة الهاربين من الاضطهاد العباسى.

فى الديلم أسس «الصباح» قاعدة عريضة من المؤيدين، ثم اختار قلعة «ألموت» لإقامة دولته، ومعناها فى لسان أهل الديلم «عش النسر»، وهى حصن على قمة صخرية عالية، فى قلب جبال البورج، تسيطر على وادى مغلق صالح للزراعة، لا يمكن الوصول إليه إلا عبر طريق ضيق شديد الانحدار، وهو الوادى الذى عرف بـ«الفردوس» فى عهد الشيخ راشد بن سنان، أو «ألودين»، أى علاء الدين أخطر زعماء الحشاشين.

تولى «ابن سنان» الإمامة بعد وفاة الشيخ «الصباح»، فورث مُلكه دون حكمته، وقد تجلى شططه فى قراره إنشاء حديقة فيحاء فى ذلك الوادى، بعدها أمر أتباعه بتحويلها إلى نموذج مصغّر للجنة المصورة بخيال المسلم، عن طريق وضع كل التشبيهات التى جاءت بالقرآن الكريم عن الجنة بها، فزرعوا فيها النخيل والأشجار المثمرة بالفاكهة، وأقاموا المقصورات، وزينوها بالرسوم المموهة بالذهب، بينما كانت تقوم على خدمة الحديقة حور عين أرضيات، هن جوارٍ فاتنات من مختلف الأعراق، جميعهن يجدن العزف والغناء والرقص.

كان «ابن سنان» يوهم تلاميذه، الذين تتراوح أعمارهم بين الثانية عشرة والعشرين «السن المناسبة للجندية» بأنه يستطيع أن يعرج بهم إلى الجنة فى رحلة جسدية، لا روحية، تبدأ، دون أن يدروا، بتقديم مشروب الضيافة الذى يحتوى على جرعات كبيرة من مخدر الحشيش، فيستسلمون لسبات عميق. فى هذه الأثناء يأمر «ابن سنان» بنقلهم إلى فردوسه المزعوم، فى مجموعات من ٤ إلى ١٠ أفراد، وعندما يفيقون يذهلون من كرامات إمامهم التى ترفعه بنفوسهم إلى درجة النبيين، ثم يخدرون مرة ثانية ليعادوا إلى مجلسه، فيركعون أمامه، بينما يسأل كل واحد منهم:

من أين أتيت؟

فيجيب: من الفردوس.

استطاع راشد بن سنان بهذه الحيلة أن يسيطر على عقول أتباعه سيطرة كاملة، وأن يشكل بهم أخطر وأكبر وأشهر فريق اغتيالات عرفه التاريخ. وانتقلت قصص الحشاشين إلى الثقافة الأوروبية مع سجلات الحملات الصليبية، حيث قام الحشاشون بتنفيذ سلسلة طويلة من عمليات الاغتيال، أدت إلى إنزال الموت المفاجئ بعدد كبير من قادة الحملات الصليبية والملوك والأمراء، وأيضًا رجال الدين الإسلامى الذين أدانوا نظريات الإسماعيلية، حتى إن كلمة «حشاشين- Assassin» أصبحت مرادفًا لفن القتل، وتعنى باللغات الأوروبية «القاتل المحترف» أو «القاتل المأجور».

هؤلاء «القتلة» الذين استغل زعماؤهم عاطفتهم الدينية من أجل تحقيق طموح إمبريالى، وإدراك غايات شخصية، وأيضًا تصفية حسابات خاصة، كانوا يسمون أنفسهم «فدائيين»، وبعد موتهم يسميهم أهل عشيرتهم «شهداء»، بينما هم ليسوا سوى «حشاشين».