رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جريمة الدفاع عن الفن!

أنتمى إلى مدرسة صحفية أسستها فنانة لتغير بها قواعد السياسة والصحافة فى مصر.. لذلك تربيت على النظر للعمل الفنى نظرة عامة وليس نظرة متخصصة، إذا كان العمل الفنى يخدم المبادئ التى أؤمن بها فأنا معه.. وإذا كان ضدها فأنا ضده.. إذا هاجمه المتطرفون فأنا معه وإذا مدحوه فلا بد أن أتشكك فى دوافعهم.. كان الأستاذ عادل إمام يزورنا فى روزاليوسف ويقول وكأنه ينظر للبعيد «الفن أكبر عدو للتطرف» ويستشهد باقتباس لموليير عن أهمية المسرح فى حياة الناس.. لذلك تتعرض الدراما المصرية للهجوم فى كل موسم رمضان منذ عشرات الأعوام.. والملفت أن هذا الهجوم لم يتوقف إلا بعد تخلى الدولة عن دورها فى إنتاج الدراما الهادفة فى الأعوام الأخيرة قبل يناير ٢٠١١، والعمل بنظام سُمى بنظام المنتج المنفذ، اتضح أنه كان بابًا لفساد مالى ما.. تم التحقيق ومحاكمة المسئولين عنه فيما بعد.. ولم يعد الهجوم على دراما رمضان إلا منذ ٢٠١٧ عقب تأسيس الشركة المتحدة وعودة الدولة لإنتاج مسلسلات تفضح التطرف وتبنى الوعى وتروى التاريخ الحقيقى لمصر بعيون المصريين لا بعيون جماعة الإخوان التى سيطرت على سوق الفن المصرية منذ السبعينيات بأموالها الغزيرة وفرضت شروطًا على الأعمال الفنية، سُميت بشروط العرض فى دول الخليج- وقتها وليس الآن- ثم اخترعت موجة سُميت موجة السينما النظيفة، ثم بدأت قبل يناير فى إنتاج مسلسلات تحمل أفكار الإخوان الواضحة والصريحة، وعهدت ببطولتها إلى مجموعة من الممثلات اللاتى حملن وصف الفنانات المعتزلات- لم يعدن معتزلات الآن!!- وعلى خلاف ما يظن بعض ضيقى الأفق أو أصحاب الأغراض الشخصية فإن الدفاع عن الدراما المصرية هو مسألة مبدأ تحكمه النظرة العامة للفن كوسيلة لنشر الوعى ومحاربة التطرف فى مجتمع ما زال ناميًا ونسبة الأمية فيه كبيرة، وبالتالى فالدفاع عن الدراما هو دفاع عن المبدأ.. بغض النظر عن التفاصيل.. فى مجلة روزاليوسف تعودنا أن نقف مع حرية الفنان وحقه فى الإبداع، ففى عام ١٩٨٦ تم التحقيق مع صناع فيلم للحب قصة قصيرة إخراج الأستاذ رأفت الميهى بتهمة إضافة مشهد غير مجاز من الرقابة وهدد بطل الفيلم يحيى الفخرانى باعتزال الفن.. هنا دافع أنصار الفن عن صناع العمل دون النظر للتفاصيل وهل كان المشهد مجازًا من الرقابة فعلًا أم حدث خطأ ما.. الكاتب هنا يدافع عن مبدأ لا عن تفاصيل عمل فنى محدد.. دراما رمضان المؤثرة فقط هى التى كانت قادرة على إثارة المعارك.. حدث هذا فى ليالى الحلمية- الجزء الثالث- حين اتهم البعض أسامة أنور عكاشة بالانحياز للرئيس جمال عبدالناصر على حساب أنور السادات وحدث فى مسلسل العائلة لوحيد حامد الذى اتهمه المتطرفون بتشويه صورتهم!! وحدث فى مسلسل «أوان الورد» حين أثارت قصة حب عابرة الأديان حساسية بعض المحامين فتقدموا ببلاغ ضد المسلسل، وحدث هذا مع مسلسل (الجماعة) أيضًا والذى هاجمه الإخوان بضراوة واتهموه بتشويه صورة حسن البنا! رغم أنه كان يستند لمذكرات حسن البنا نفسه بصورة كبيرة.. وقد رجعت للمذكرات وقتها وكتبت دفاعًا عن مسلسل الجماعة وحرية صناعه فى طرح وجهة نظرهم.. وأظن أن الجدل الذى يثيره مسلسل الحشاشين وأى مسلسل آخر هو شهادة له لا عليه، وأظن أيضًا أن الهجوم على الأعمال الفنية يشارك فيه إلى جانب المتطرفين بعض الحمقى وصغار النفوس والباحثون عن وظيفة ممن لا يسمح لهم جهلهم بالتفرقة بين الموقف العام الذى يتخذه الكاتب انتصارًا للفن والوعى العام وبين النقد الفنى المتخصص الذى يكتبه دارسو النقد ويحللون فيه عناصر العمل المختلفة من الموسيقى والتصوير والمونتاج.. إلخ.. الدراما القوية هى القادرة على إثارة الجدل والمعارك.. أما صغار النفوس فلا شأن لنا بهم.