رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراما تثير المعارك

 


إحدى مميزات الأعمال الفنية الجيدة أنها تستطيع إثارة النقاش والجدل.. خلال الأيام الأربعة الماضية انطبقت هذه القاعدة على مسلسل «الحشاشين» أكثر من أى مسلسل آخر- على مستوى النقاش السياسى والتاريخى- فتح المسلسل بابًا واسعًا للبحث فى التاريخ الإسلامى، وأسباب انقسام المسلمين.. وتاريخ فرقة الحشاشين الغامض نسبيًا بسبب اختفاء جزء كبير من أوراقهم.. بغض النظر عن خوف ذباب الإخوان الإلكترونى من المسلسل؛ إلا أنه فتح الباب لنقاشات أخرى يمكن أن تكون مفيدة، إذا تجاهلنا صراخ الإخوان، واعتبرنا أنهم أساسًا ليسوا معنا.. من القضايا التى أثارها المسلسل مثلًا قضية الفصحى والعامية بشكل عام، ولغة المسلسلات التاريخية بشكل خاص.. وهل يجب أن تكون بالفصحى؟.. هذا النقاش له علاقة بسؤال مهم، هو: هل المهم شكل العمل أم مضمونه؟ لو الاهتمام بالمضمون فالعمل لا بد أن يكون بالعامية حتى يصل لمئة مليون مصرى وضعفهم من العرب الذين يحبون العامية المصرية ويتحدثون بها أحيانًا.. للأسف لدينا عدة ملايين من المصريين لم يدخلوا المدارس، فهل نحرمهم من متابعة عمل فنى لمجرد أن يكون بالفصحى؟.. فى السينما المصرية سوابق لأفلام تاريخية عظيمة كان الحوار فيها بالعامية، أشهرها فيلم واإسلاماه لأحمد مظهر ولبنى عبدالعزيز، وكلنا نذكر الصيحة الشهيرة لحسين رياض.. «إنتى فين يا جهاد»؟، لم يقل مثلًا «أين أنت يا جهاد»؟ وقتها كنا سنشعر بالاصطناع والتكلف.. لو أنتجنا فيلمًا عن مصر القديمة مثلًا هل نجبر الأبطال على الحديث بالهيروغليفية؟!! هذا مستحيل طبعًا لأن اللغة نفسها لم تعد سائدة أو منتشرة.. الأمر نفسه فى كل السينما العالمية.. هذه بديهيات ولكن لا بأس فى النقاش حولها كى يفهم من يريد أن يفهم.. العامية لا تعنى الركاكة، ولا الفصحى تعنى البلاغة.. لأن البلاغة تنبع من بناء اللغة لا من طريقة نطقها.. حين ظهر بيرم التونسى وشاعت قصائده العامية، قال أحمد شوقى إنه يخشى على الفصحى من بلاغة بيرم الذى يكتب بالعامية.. هل يمكن القول مثلًا إن الشاعر محمد محفوظ «هذا اسم وهمى» أكثر بلاغة من صلاح جاهين، لا محمد محفوظ يكتب بالفصحى، وجاهين يكتب بالعامية؟! هذا هراء طبعًا.. لأن البلاغة تنبع من معانى الكلام وطريقة بناء القصيدة وليس اللهجة التى يحكى بها.. فى الأربعينيات اندهش الكاتب الكبير توفيق الحكيم من الإصرار على استخدام الفصحى المقعرة فى الحديث للناس، وطالب باستخدام ما أسماه «اللغة الثالثة» التى تجمع بين الفصحى والعامية، أو تستخدم كل الألفاظ الفصيحة الموجودة فى العامية ويظنها الناس غير فصيحة.. كتب الحكيم أعماله كلها باللغة الثالثة أو اللغة البيضاء التى أظن أنها لغة الحوار فى مسلسل «الحشاشين» من القضايا التى يطرحها المسلسل بقوة الاتجار بالدين، واستخدامه لتحقيق طموحات سياسية وخداع المتاجرين بالدين للبسطاء وإيهامهم بأنهم يمتلكون قدرات خارقة.. أظن أن الحلقات المقبلة ستطرح أيضًا أسباب فرقة العالم الإسلامى ودور السياسة فى تفريق المسلمين واستنزاف طاقاتهم وشغلهم عن التقدم الحقيقى.. هذه كلها قضايا مهمة يجب أن نناقشها بعيدًا عن صراخ الإخوان وعبثهم وخوفهم من كشف المسلسل حقيقتهم.. العمل الجيد هو الذى يفجر نقاشات مفيدة.. وأنا أظن أن «الحشاشين» عمل جيد جدًا بهذا المعيار وبمعايير أخرى.