رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتطرفون يخافون الفن

حالة الضجة التى يثيرها الذباب الإلكترونى ضد مسلسلات رمضان لها ما يبررها، المتطرفون يعرفون قيمة الدراما الجادة فى بناء وعى الناس، جماعة الإخوان طالما حاولت استخدام الفن كسلاح مضاد لنشر مفاهيمها، قبل مرحلة التحاق الإخوان بالوهابية فى السبعينيات طمعًا فى التمويل كان لحسن البنا مؤسس الجماعة رأى آخر.. أراد استخدام المسرح فى نشر أفكار الإخوان، أسس مسرحًا للإخوان وأسند إدارته لشقيقه عبدالرحمن البنا، كانت الفكرة نشر أفكار الإخوان عن طريق الفن، فيما بعد أصبحت الجماعة ذيلًا للوهابية وتناست فكرة المسرح، لأن الوهابية لا تسمح بذلك والجماعة عينها دائمًا على رضا الممولين.. رغم هذا يدرك الإرهابيون أهمية الفن فى نشر الوعى الصحيح.. لذلك يخافون منه.. هذا يفسر حالة الهجوم المبالغ فيه ضد مسلسل مثل «الاختيار» منذ عدة سنوات، وضد مسلسل كبير مثل «الحشاشين» حاليًا.. بعض الهجوم سببه الخوف من الفن، والبعض الآخر سببه الجهل بالفن!، بعضهم يتخيل نفسه وكأنه مخرج العمل! أو منتجه، وهو يريد من صنّاع العمل أن يقرأوا أفكاره وأن ينفذوها رغم أن أحدًا لا يعرفه من الأساس.. صادفت فيديو لشخص جاهل يقول إن العمل كان يجب أن يكون بالفصحى! وضرب مثلًا بأداء العظيم نور الشريف فى مسلسل عمر بن عبدالعزيز.. لم ينتبه هذا الجاهل أن نور الشريف نفسه أدى شخصية ابن رشد بالعامية فى فيلم المصير، لأن هذا اختيار صنّاع العمل، الفن بالأساس لعبة بين المرسل والمتلقى.. لكن هذه أشياء لا يفهمها المتطرفون.. من أسباب هياج المتطرفين ضد المسلسل أن جانبًا من أحداثه تصور عالم الخلافة الفاطمية فى مصر، وهو عالم كان مسكوتًا عنه طوال عقود من هيمنة الوهابية على الإنتاج الفنى فى مصر وفى غيرها، دائمًا كنا نشاهد مسلسلات عن الخلافة فى عواصم أخرى.. رغم أن مصر كانت مقرًا للخلافة الفاطمية الشيعية ثم للخلافة العباسية السنية منذ سقوط بغداد وحتى زوال دولة المماليك ١٥١٧، أى أننا ظللنا لخمسة قرون ونصف مركز الخلافة، لكن هذه أشياء لا يحب الإرهابيون أن يعرفها المصرى عن نفسه. فى أحداث مسلسل الحشاشين حديث عن الفتنة السياسية وكيف أنها تكون سببًا فى الخراب الاقتصادى، وهذا صحيح جدًا، الخلافة الفاطمية كانت خلافة خير ورخاء فى أولها، لكن الانقسامات أهلكتها وأدت لنهايتها، كل خلاف سياسى كان يؤدى لانشقاق فرقة جديدة، أولًا انشق الدروز عقب اختفاء الحاكم بأمر الله، ثم تولى المستنصر وولى عهده نزار، لكن الوزير بدر الجمالى انحاز لشقيق نزار المستعلى.. فانقسم الفاطميون لفرقة نزارية منها الحسن الصباح، وفرقة مستعلية يقال إنها أساس طائفة البهرة التى استقرت فى الهند.. أما أنصار الحاكم بأمر الله فقد هاجروا إلى الشام وحملوا اسم الدروز.. لو لم تحدث هذه الانشقاقات لما كان القضاء على الخلافة الفاطمية ممكنًا.. هذه دروس تُعلمها الدراما للناس وينزعج منها المتطرفون جدًا لذلك يحاولون تشويه الأعمال الجادة... لكنهم دائمًا ما يفشلون.. لحسن الحظ.