رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مئة وجه للتشابه بين «الحشاشين» و«الإخوان»!

ط

حالة من الجدل المبكر أثارها مسلسل «الحشاشين» فور عرض أولى حلقاته، جزء من هذا الجدل تلقائى بسبب ضخامة إنتاج المسلسل والجدة- من الجديد- فى لغته البصرية وديكوراته وأعمال الجرافيك الخاصة به، بشكل ينقل المسلسل التاريخى المصرى نقلة كبرى ويضعه فى مصاف الأعمال العالمية.. أما الجزء الثانى من الضجة فهى ضجة مصنوعة سببها تخوف أعضاء جماعة الإخوان وحلفائها من كشف المسلسل لأوجه التشابه بين جماعة الحشاشين وجماعة الإخوان المسلمين، وقد رأت لجان الجماعة أن تستبق الأحداث لتتهم المسلسل بالتعسف فى رصد أوجه التشابه بين الحشاشين والإخوان.. وهذه حيلة لا بأس بها لولا أن كُتب التاريخ تكذبها من أساسها، ويمكن القول باطمئنان إن هناك عشرات من أوجه التشابه بين الحشاشين والإخوان المسلمين.. وهذا التشابه ليس صدفة، ولكن سببه المنطقى أن مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا درس تاريخ حسن الصباح وسار على نهجه فى تأسيس جماعة الإخوان، ويمكن القول إنه كان يقلده حرفيًا، وسأذكر فيما يلى عددًا من أوجه التشابه، ورغم أن الحلقة الأولى للمسلسل استندت لوقائع تاريخية سليمة مئة فى المئة، مثل واقعة اغتيال الإسماعيلية مؤذن مسجد رفض الانضمام لدعوتهم وقد ذكرها المؤرخ ابن الأثير فى تاريخه، إلا أننى سأستند لكتاب متعاطف مع الحشاشين، هو «الحشاشين» لبرنارد لويس، وهو على المستوى العلمى عمدة فى دراسات التاريخ الإسلامى، فى هذا الكتاب يرصد لويس تاريخ الإسماعيلية بشكل محايد وفى سرده تاريخ الحشاشين يمكن أن تخط بالقلم عشرات الخطوط تحت أوجه التشابه بين الحشاشين والإخوان، أول أوجه التشابه هو فكرة «التنظيم» نفسه.. فهذه الفكرة لم يعرفها الإسلام السنى الذى كان التيار الرئيسى، وظل لا يعرفها حتى اقتبسها حسن البنا من الشيعة الإسماعيلية أو الباطنية، وقد لجأ إليها الشيعة هربًا من مقاومة الخلفاء السنة لهم، فابتكروا فكرة التنظيم الذى يتمحور حول «الإمام» الذى افترضوا أنه من سلالة نبوية وشكك أعداؤهم فى هذا، أما التنظيم نفسه فأصبح يحمل اسم «الدعوة»، وأعضاؤه المؤسسون يحملون اسم «الدعاة»، وقد قلد حسن البنا فكرة التنظيم الإسماعيلى حرفيًا، وأطلق على جماعة الإخوان اسم «دعوة الإخوان» حتى إنه سمى مذكراته التى نشرها فى حياته «مذكرات الدعوة والداعية»! جعل البنا نفسه مركز التنظيم بدلًا من «الإمام» المنسوب للسلالة النبوية، وأطلق على نفسه «الإمام حسن البنا» رغم أنه كان مدرسًا للخط العربى لا إمامًا من آل البيت.. استغل البنا القداسة التى كان الإسماعيلية يضفونها على شخص الإمام الذى افترضوا أنه يجمع بين طبيعة البشر والآلهة، ليقنع الإخوان بإسباغها عليه، وقد اقتبس د. رفعت السعيد عددًا من أوصاف القداسة التى كان الإخوان يضفونها على البنا فى كتابه المهم «حسن البنا كيف؟ ولماذا؟ ومتى؟» من أوجه التشابه أيضًا التدرج فى درجات التنظيم، فحسب برنارد لويس فقد كان تنظيم الإسماعيلية ينطوى على درجات للعضوية، أولاها «المستجيبون» ويليهم «الحجج» أو الأعضاء العاملون، أما عضو الدعوة كامل العضوية فيطلق عليه «الرفيق».. وقد استبدل البنا هذه التسميات بـ«المحب» وتطلق على أولى درجات العضوية، و«المؤيد» وتطلق على ثانى الدرجات، و«الأخ» وتطلق على عضو التنظيم بدلًا من الرفيق! اقتبس البنا أيضًا من الإسماعيلية عمومًا ومن الحشاشين خصوصًا فكرة التنظيم الخاص الموكل بالقتل، فحسن الصباح لم يكن زعيم الدعوة الإسماعيلية بشكل عام، ولكن زعيم التنظيم الخاص لها، وهو أول من أدخل فكرة الاغتيالات للعالم الإسلامى، وقبله كان الشيعة من الفرق الأخرى يعتمدون فكرة الثورات المسلحة أو الخروج للقتال بشكل جماعى، وقد اقتبس البنا الفكرة بحذافيرها وأسس النظام الخاص، وهناك تشابه حرفى بين أوامر حسن الصباح بالاغتيال وبين أوامر البنا لرجاله بالاغتيال.. حيث يروى ابن الأثير أن أول صدام بين الحشاشين والسلطة كان فى عهد الوزير «نظام الملك» وزير السلطان ملكشاه، حيث أمر نظام الملك بالقبض على الإسماعيلية عقب قتلهم مؤذنًا رفض الاستجابة لدعوتهم، فقال حسن الصباح لرجاله: من يخلصنا من ملكشاه؟ ولعل هذا هو ما قاله حسن البنا حرفيًا وهو يأمر باغتيال القاضى أحمد الخازندار.. حيث روى السندى أنه عقب إصدار الخازندار حكمًا على أعضاء الجماعة، قال حسن البنا لرجاله: «لو ربنا يخلصنا منه؟»، وهو ما فهمه الجميع على أنه أمر باغتيال القاضى الذى تم اغتياله بالفعل، وهو نفس ما تكرر حرفيًا فى اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى.. المعادل السياسى للوزير نظام الملك! والمعنى أن هناك المئات من أوجه التشابه بين الحشاشين والإخوان، وأن هذا التشابه ليس صدفة، ولكنه تشابه الصورة مع الأصل.. لأن حسن البنا كان يقلد حسن الصباح ويسير على طريقه.. ولعل هذا ما يكسب مسلسل «الحشاشين» أهميته، ويعد بمشاهدة ممتعة وثرية فى الأيام المقبلة.