رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر ومساعدات غزة والممر البحرى

المبادرة التي بدأتها الأردن بإسقاط المساعدات الغذائية والطبية عن طريق الجو وإسقاطها بالبراشوت من الطائرات هي مبادرة تكشف لنا حجم المأساة التي يعيشها شعب غزة الذي يخوض معركة الأمعاء الخاوية في مواجهة همج العصر الحديث.
المبادرة تطورت وانضمت لها مصر ومن بعدهما أمريكا وصار مشهد البراشوت القادم من السماء عنوانًا موجعًا لكل صاحب ضمير، قرأنا أن ممرًا بحريًا سوف يعمل بين قبرص وغزة لإيصال المساعدات وهذا الممر لا يغني بأي حال من الأحوال عن معبر رفح البري الذي تحمل العبء الأكبر منذ السابع من أكتوبر حتى يومنا هذا.
موضوع المساعدات صار شائكًا ومرتبكا، من التفتيش وفق القواعد الإسرائيلية إلى آلية توزيع تلك المساعدات في الداخل، يزداد هذا الارتباك عندما نرصد فشل مؤسسات الإغاثة الدولية في القيام بدورها، ويتضح ذلك بعد الاتهامات المباشرة التي طالت منظمة الأونروا. 
وعندما نرى التدافع البشري للحصول على المساعدات التي وصلت غزة عن طريق الطائرات نعرف جيدًا أن العدو الإسرائيلي يحاربنا بالعديد من الأسلحة المختلفة، الحرب بالسلاح التقليدي هي الأقل خطرًا، لأننا نفهمها ونعرف أولها وآخرها، أما حرب التجويع فهي الحرب التي لا تطاق، وإذا أضفنا على ذلك حرب امتهان الكرامة الفلسطينية من خلال إجبارنا على إسقاط المساعدات من الجو سوف نعرف وفق هذه المعطيات أن إسرائيل وصلت في عدوانها إلى الحد الأقصى، ونعرف أيضًا أنه بعد امتهان الكرامة ينتهي الكلام ويموت المعنى.
المعروف بشكل عام هو أن الغذاء في توصيله وتناوله والتعامل معه دائمًا يكون محاطًا بالكرامة الإنسانية، أما أن يأتي الزمن الذي ينظر فيه الناس إلى السماء في انتظار لقمة أو شربة ماء فهذا ولا شك زمن الهوان.
مصر الكبيرة التي تحملت عبء توصيل المساعدات وتجهيز البنية اللوجستية اللازمة لدخول المساعدات إلى غزة، مصر الكبيرة التي نسقت بشكل ناجح مع الهلال الأحمر الفلسطيني حتى تصل المساعدات لمستحقيها وهي مغلفة بالكرامة والإنسانية، مصر الكبيرة التي لم تدخر جهدًا لدعم شعب غزة في محنته الأخيرة يصيبها الآن رذاذ الشتائم من بعض الكلاب المسعورة في الداخل الفلسطيني، وكأن هذا البعض طابور إسرائيلي خامس بين صفوف الفلسطينيين، يحدث هذا بينما يعترف قادة حماس من حين لآخر بالجهود المصرية المؤثرة إيجابا في خط سير الحرب، هذا الاعتراف يمشي في واد، بينما بعض المسعورين يمشون في واد آخر.
بالصوت والصورة على مواقع التواصل الاجتماعي يجتهدون لينالوا من اسم مصر الكبير، وبينما الحال هكذا لم نر مسئولًا حكوميًا في الضفة قد وجه لهؤلاء الشتامين كلمة لردعهم، ولم نرى رمزًا حمساويًا صادقًا يدعو المنفلتين في الداخل لضبط بوصلتهم. 
على كل حال لن تتوقف مصر عن أداء رسالتها حتى تضع الحرب أوزارها، وبعدها يكون لكل حدث حديث، مطلبنا واضح هو وقف الحرب ودولتان لشعبين، وحتى يتم ذلك نشدد على ضرورة توصيل المساعدات بشكل إنساني وكريم، ربما يساعدنا في ذلك الممر البحري القبرصي الجديد خاصة، وأننا نلمح حماسة أوروبية وأمريكية لهذا الممر.
وحتى تنجح خطة إيصال المساعدات من قبرص لا بد من الضغط على إسرائيل لتسهيل مهمة لجان الإغاثة وتمكين المجتمع المدني للقيام بدورهما في تنظيم وصول تلك المساعدات إلى مستحقيها بشكل آدمي وكريم.
المأساة وصلت إلى ذروتها ونتطلع إلى وقف إطلاق النار ولو هدنة مؤقتة نعرف أن التعنت الإسرائيلي على أشده، وأنه يخوض الحرب باعتبارها حربً إبادة جماعية لأهلنا في غزة، ولكن إسرائيل لم تنتبه إلى أن جذور أشجار الزيتون قوية وعميقة ولا يمكن اقتلاعها بهذه البساطة التي يراها العدو. 
شهر رمضان لا يتسامح مع الدم المسفوح، والضمير الإنساني لا ينسى، وكتاب العار متخم برصد عشرات التجارب العدوانية ضد الأبرياء، وهذا ما لا ينساه التاريخ.