رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القطاع الخاص فى الصعيد


تتجه أنظار المستثمرين العقاريين الآن إلى الصعيد للبحث عن فرص الاستثمار هناك، خاصة عقب افتتاح الرئيس السيسى عددًا من المشروعات الصناعية والخدمية من الطرق والكبارى والمشروعات الإنتاجية، التى تلعب دورًا محوريًا فى تحقيق بنية أساسية تصلح للتنمية الصعيد.
بحكم وجودى فى مدينة بوسط الصعيد من فترة طويلة، بدأت أراقب حركة الأموال الخاصة وكيفية استثمارها. 
فى البداية سأحكى عن حالة رأيتها وشاهدتها، وشاهدها غيرى من أبناء تلك المدينة الممتلئة بالأموال. 
تم افتتاح مكتب صغير لإصلاح الموبيلات، فى شارع متميز، يعتبر فى بؤرة المركز التجارى فى المدينة. ورغم كثرة محلات إصلاح التلفونات المحمولة فإن هذا المحل لم يزاول نشاطه المرخص له. ولكنه بدأ يزاول نشاطًا آخر، وهو جذب الأموال، من خلال برنامج إلكترونى، يتم إيداع مبلغ مالى فيه إلكترونيًا، عن طريق التليفون وحده، ويتم عمل حافظة نقود للعميل، لتوضع فيها أرباحه عن المبلغ الذى تركه، كان البرنامج يعطى عن كل عشرة آلاف، ألفين كل أسبوع، وإذا أحضر العميل معه اثنين من المودعين غيره، تزداد المكافأة، وبدأت الأموال تتكدس لدى هذا المكتب، وبدأ الناس يستفيدون من هذا الربح الوفير والسهل. وإيداع كل المبالغ المتحصلة لهم لدى هذا المكتب ليستثمر من خلال البرنامج ويحصل على مكاسب كل أسبوع، كانت الأرباح تتدفق مباشرة إلى حافظة العميل التى تم عملها له على تليفونه. 
ارتفع صيت هذا المكتب، وبدأ يجذب الكثير من الأموال، وتكاسل بعض صغار العاملين عن العمل، نظير ما يأتيه من ومن كان له بيت باعه. ومن كان له مشروع استغنى عنه. وبدأ الناس يبيعون ممتلكاتهم من عقارات وأرض. ويودعون ثمنها بهذا المكتب الذى لا يعلم عنه أحد شيئًا. وأغلب الظن أن تلك الأموال يتم المضاربة بها على الذهب والدولار فى مكان آخر.
فجأة اختفى البرنامج، وعندما بدا الناس فى السؤال، أخبرهم الموجودون فى المكتب أنهم غير مسئولين، لأن المودعين يودعون أموالهم فى برنامج برضاهم، وأن البرنامج كان يعطيهم الأرباح، ولم ينصب عليها، كما لم يعدهم بشىء. 
وقد سمعنا، دون تأكيد، أن هذا المكتب جمع أكثر من 100 مليون جنيه من البسطاء الراغبين فى استثمار أموالهم خلال فترة النشاط التى لم تزد عن سنة.
تبقى ملاحظات على هذا المكتب والبرنامج المصاحب له:
أولا: عدم وجود رقابة كافية على المحلات المرخصة، ومتابعة مطابقة النشاط مع الغرض الذى تم الترخيص له. وهى مرحلة من مراحل الفساد المتفشى فى أوساط الحكم المحلى. 
ثانيا: وفرة الأموال لدى القطاع الخاص، وعدم وجود فرص واعدة للاستثمار، مما يعطى مجالا للمغامرة فى مشروعات غير مضمونة. وكل المشروعات التى يطرحها البرنامج الخاص بالجمعيات الأهلية للمشروعات الصغيرة والمتناهية لا تحقق المرجو منها، ولا يستفيد منها من يريد الاستثمار. وبعض من تعاملوا مع تلك المشروعات لم يحسنوا الاستفادة، وبعضهم تعرض للملاحقة القانونية بعد أن عجز عن السداد. 
ثالثا: إن أجهزة الأمن لم تشعر بهذا النشاط المريب لهذا المكتب. رغم قيام المكتب بافتتاح فرع آخر له. وفى ظل غياب مراقبة أجهزة الحكم لنشاط المحلات المرخصة.
رابعا: إنه لا ضمان لعدم تكرار تلك المكاتب التى تمتص أموال الناس بسهولة مطلقة، وتلعب على فكرة المكسب السهل والسريع التى يسعى إليها كل الناس.
لا يتبقى لفرص الاستثمار فى مدن الصعيد سوى نوع واحد من الاستثمار والذى يقوم على الاستثمار فى شراء العقارات. وهو ما ساهم فى ارتفاع العقارات بصورة جنونية، لا تخطر على بال أحد، أسعار العقارات والإيجارات فى مدينتنا بوسط الصعيد تزيد عن أسعار العقارات فى القاهرة والجيزة والإسكندرية. فى غياب مشروعات الإسكان الحكومى التى اقتصرت على عواصم المحافظات وبعض المدن الكبرى، دون أن تمتد إلى مدن الصعيد المزدحمة. فضلًا عن شروطها القاسية والمجحفة.
بعض صغار المزارعين، باعوا ممتلكاتهم فى الصعيد، وقاموا بشراء عقارات فى ضواحى الجيزة والقاهرة، عمارات كاملة بمرافقها، وقاموا بتأجيرها بدلًا من زراعة أراضيهم. 
كان يجب توجيه الاستثمار فى الصعيد بما يحقق التنمية، مثل مشروعات الإنتاج الحيوانى، ومنتجات الألبان والجبن وغيره من المنتجات، والصناعات البسيطة مثل الصابون والمنظفات، وصناعة أعلاف المواشى، وتمكينهم من أملاك الحيوانات عالية الإنتاج من الأبان وإرشادهم إلى طرق الاستفادة، وعدم وضع شروط تعجيزية وتمليك الحيوان للمزارع للاستفادة منه. وأن تقدم له الحوافز لتشجيعه على الزراعة بأنواعها. 
كما يجب التنبيه إلى خطورة تركيز الاستثمار فى المجال العقارى وحده، وقيام البنوك بتسهيل الائتمان بضمان العقارات، وما يترتب على ذلك من الارتفاع الشديد فى أسعار الأرض، مع توقف عمليات البناء الجديدة. وصعوبة الحصول على تراخيص بناء جديدة.