رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هامش المناورة

منذ اليوم الأول فى الحرب كانت هناك أصوات إسرائيلية تحذر من حدوث مجزرة جماعية عرضية تقيد حرية العمل الإسرائيلية فى القطاع، وتتسبب فى ضغوط دولية لوقف القتال.

شىء ما مثلما حدث فى «مجزرة قانا»، التى وقعت عندما قصف الجيش الإسرائيلى مركز قيادة فيجى التابع لقوات «اليونيفيل»، الذى لجأ إليه مدنيون لبنانيون فروا من القصف الإسرائيلى، وهو ما أدى إلى استشهاد ١٠٦ أشخاص، والذى على أثره أنهت إسرائيل حملة «عناقيد الغضب» قبل موعدها فى جنوب لبنان. 

وبعد مرور ١٠ أعوام، فى حرب لبنان الثانية، حاول «حزب الله» أن يكبّر حادثة ذات سمات مماثلة حدثت فى ذات القرية «قانا»، لكن وقف إطلاق النار لم يستمر سوى يومين ثم عاد القتال.

الحادثة فى «الطحين» كانت حقيقية، المنطقة هى واحدة من المناطق المعدودة التى يمكن للمساعدات الإنسانية الوصول إليها فى شمال القطاع، الذى يوجد به حوالى ربع مليون إنسان يحاولون الاختباء فى أى مكان آمن.

الحادثة أسفرت عن مقتل أكثر من ١٠٠ فلسطينى كانوا يريدون المساعدات، والجيش الإسرائيلى زعم أن ارتفاع عدد القتلى بسبب التدافع، وعدد قليل منهم بسبب النيران الإسرائيلية، الحقيقة كانت واضحة، والرواية الإسرائيلية لم يصدقها الغرب.

ما حدث فى «الطحين»، والأرقام المرعبة حول الحرب، نحو ٣٠٫٠٠٠ فلسطينى، منهم نحو ١٢٫٥٠٠ طفل وفتى، قد قُتلوا منذ اندلاع الحرب، وهى الأرقام التى أكدها وزير الدفاع الأمريكى- جعلت إسرائيل ظهرها للحائط.

هامش المناورة لإسرائيل الآن أصبح أضيق، الصور المفزعة تضيّق الخناق على القوات الإسرائيلية، والضغوط الدولية ستزداد لوقف العملية العسكرية.

فليس غريبًا أن نرى عمليات إنزال جوى لمساعدات أمريكية على القطاع، فواشنطن تريد تهدئة الانتقادات ضدها، وتريد تنظيف يدها من التجويع فى غزة، وربما تزيد من الضغط على إسرائيل للتوصل إلى وقف القتال.

«حماس» هامش مناورتها ازداد، فقد أدركت الحركة أن إسرائيل مستعدة لتقديم تنازلات بعيدة المدى فى صفقة المخطوفين، لكنها ليست مستعدة بأى شكل من الأشكال للتعهد بوقف كامل للقتال والانسحاب من القطاع، لذلك فإن حادثة «الطحين» ستمنح حماس فرصة لن تتكرر كثيرًا، فالحادث قد يدفع المجتمع الدولى للضغط على إسرائيل لوقف القتال، ووقف العملية البرية للجيش الإسرائيلى فى غزة. 

فى كل الأحوال، إذا لم يكن هناك وقف للقتال وإعلان صفقة فإن المزيد من الحوادث سيتكرر، الوضع شمال القطاع قد يكون أسوأ، لأن «حماس» فقدت سيطرتها على المنطقة، وفى الوقت نفسه لا توجد سلطة مدنية تتولى توزيع المساعدات، حيث رفض رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، طرح خطة عملية لإدارة القطاع، وما زال يتحدث عن «جهات محلية مع خبرة إدارية» ولا أحد يعرف من سيكونون.

الفوضى، وسرقة المساعدات، والنهب، كل هذا متوقع فى أرض دون سلطة، ولأن شمال القطاع هو عمليًا منطقة يسيطر عليها الجيش الإسرائيلى، ستتحمل إسرائيل المسئولية عنها، والمسئولية هنا نابعة من القانون الدولى.