رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة جديدة للخديوي إسماعيل (1)


لدي اهتمام خاص بالخديوي إسماعيل (١٨٣٠-١٨٩٥) خامس حكام مصر من اسرة محمد علي والمؤسس الثاني لمصر الحديثة بعد جده محمد علي باشا،والحقيقة ان هذا الاهتمام يعود لسنوات طويلة ماضية قرأت خلالها كل ما امكنني قراءته عن فترة حكم هذا الحاكم الطموح الذي جعل مصر بؤرة تقدم في الشرق الأوسط بحيث يمكن القول باطمئنان انها سبقت محيطها بفضله مئتي عام كاملة او يزيد..أما آثاره فهي باقية حتي الآن ويفيد احفاده من خيرها سواء قناة السويس التي جعلت مصر هي البلد الأكثر أهمية للعالم كله من حيث الموقع..او القاهرة الخديوية التي تنتظر نهضة جديدة تجعلها موردًا لمليارات الدولارات من السياحة لان مبانيها التي اهملت تضارع مباني باريس وروما من حيث العراقة والجمال..ارتبط اسم الرجل في مناهجنا الدراسية بأزمة الديون واتهم بالإسراف وبانه كان سببًا مباشرًا في الاحتلال البريطاني لمصر..والحقيقة ان أي شخص يقف امام محكمة التاريخ وبه صحيفة اعمال بها الإيجابيات والسلبيات ولاشك انه كان هناك سلبيات لكني اظن ان الإيجابيات اكثر بكثير،فقد تم تسديد الديون خلال سنوات قليلة بموارد من داخل الاقتصاد المصري نفسه بمجرد تغيير طريقة اداراته،ولعل هذه شهادة لإسماعيل لا عليه..قادني البحث في تاريخ الرجل لكتاب نادر صدر في اوربا عام ١٩٣٠ هو (إسماعيل المفتري عليه )لقاض امريكي عاش في مصر وعمل في المحاكم المختلطة هو (بيير كيرايتيس ) بينما صدرت ترجمته في مصر عام ١٩٣١ عن دار تدعي (دار النشر الحديث )بقلم فؤاد صروف الذي كان وقتها رئيس تحرير مجلة المقتطف الشهيرة..استند المؤلف في كتابه لوثائق الأرشيف الأمريكي ولمراسلات القناصل الأمريكيين الذين عملوا في مصر في ذلك الوقت،مع ملاحظة ان الخديوي إسماعيل كان معجبًا بتجربة الولايات المتحدة في الثورة علي بريطانيا وانه استعان بعدد من العسكريين الأمريكيين في حملاته العسكرية،حيث لم تكن أمريكا وقتها هي أمريكا الآن..بل كانت رمزًا للتحرر ومعاداة الاستعمار البريطاني..يشير الكتاب للجوانب الخفية التي تم السكوت عنها ولأوجه الانفاق العديدة التي ساهمت في تدعيم مكانة مصر واستقلالها وتحولت الي مكاسب سياسية واقتصادية جنت مصر ثمارها فيما بعد، وسأوجز هذه الأوجه باختصار حتي اعود لها في كتابة موسعة قريبًا بإذن الله وأول هذه الأوجه ان الخديوي إسماعيل ادرك ما ادركه جده من مصر دولة ند لتركيا،وانه لا يمكن ان تكون العلاقة بينهما هي علاقة تبعية وأن هذا وضع ظالم فرضه العالم الغربي باعتبار ميراث الماضي،حاول محمد علي تغيير هذا الوضع بالقوة وغزت جيوشه تركيا فعلًا لكن الغرب تدخل واجهض المحاولة، لجا إسماعيل لأسلوب آخر هو دفع تكاليف الحرب المفترضة ضد تركيا في صورة زيادة الجزية ورشاوي للسلطان العثماني،وقد كان حظه انه صادف سلطانًا نهمًا للرشوة هو السلطان عبد العزيز الذي احب إسماعيل وكان اول سلطان عثماني يزور مصر بعد سليم الأول،وكان ذلك وقتها تشريفًا سياسيًا لمصر لا تخطئه عين، تمامًا مثلما زارها ملوك وقياصرة أوربا في حفل افتتاح قناة السويس وقد كانت ومازالت زيارات حكام العالم لدولة ما دليل قوة،منعة وحضور في السياسة الدولية، كانت النقود طريقًا آمنا لنيل استقلال مصر عن تركيا اولًا ولاستقرار الحكم فيها ثانيًا لان قاعدة توريث الحكم لاكبر أعضاء الاسرة سنًا هي قاعدة تركية قادت لمؤامرات مستمرة ولقتل كل سلطان لاخوته حتي يكون ابنه هو الأكبر سنًا في العائلة الكبيرة فيرث الحكم،لكن مصر تخلصت من هذا الجو المسموم بفضل إسماعيل، من الأعباء المالية ايضًا ان إسماعيل ورث اتفاقًا مجحفًا في حق مصر هو اتفاق قناة السويس ولكنه ادرك أهمية القناة وقال ما معناه انه سيحافظ علي المشروع ولكن سيلغي الاجحاف في حق مصر من ذلك انه الغي بندًا ينص علي توفير مصر للعمال بالسخرة،والغي السخرة من الأساس تمامًا كما الغي تجارة الرقيق،وارسل البعثات لمطاردة تجاره واكتشاف منابع النيل وقد ادي الغاء الشروط المجحفة لغرامة مالية دفعتها مصر وقتها من خلال قرض حصلت عليه،لكن القرض تم تسديده وبقيت القناة دليل أهمية وتميز لمصر علي مر السنين الماضية والقادمة..اما احتفالات قناة السويس فهي (مصاريف دعاية) ضرورية لاي مشروع اقتصادي كبير..وهل توجد دعاية اكبر من يأتي حكام العالم كله لافتتاح القناة والاطلاع علي نهضة مصر...؟ وغدًا نكمل ان شاء الله.