رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمدٌ النبى وعلىٌ الوصى

هذا ما رأيته مكتوبًا على أحد جدران مسجد أمير المؤمنين «الامام علي» الإمام المرتضى وباب العلم، كرم الله وجهه وإمام العتبة العلوية المقدسة في مدينة «النجف الأشرف» التي ترحب بزائريها بعبارة تقول «أهلًا بكم في مدينة الإمام على كرم الله وجهه» و«السلام عليك يا علي الكبر» والجمع ما بين محمد وعلي في جملة واحدة رد قاطع جامع مانع لنفي ما يروج له-عن عمد أو عن جهل- بأن من يوالي عليًا  لا يحب محمدًا!

ويزيدنا الجهلاء من قصائد القبح بيتًا فيدعون أن محبي عليًا كفارًا مارقين! وأنهم يدّعون بألوهية علي! أو أنهم يقولون إن الرسالة قد نزلت خطأ على سيدنا النبي! وكل هذا الهراء وكل تلك الاتهامات المجانية تتلاشى عندما نقترب من الحقيقة ونراها رؤيا العين.. ودعونا الآن من الكارهين، فحب على يطغى ويسمو على كل صنوف الجهل لذلك جعل المحبون مدينةً بالكامل تتبع الجمهورية العراقية تعلن وتقر وتفخر حتى آخر الزمان بأنها مدينة «الإمام علي»  الذي لم يخلق مثله في الدنيا أجمعها، فكما قال النبي- وينكر أقواله تلك المتشددون- «عنوان صحيفة المؤمن حب علي»  وصدق الشافعي الذي نسج لآل البيت قصيدةً يقول أحد أبياتها «حبكم آل البيت فرض من الله في القرآن أنزله يكفيكم من عظيم الفخر أنكم من لم يصلي عليكم لا صلاة له».

لذلك عبر المحبون عبر الأزمنة عن حبهم وموالاتهم وولههم بالإمام المثال بعبارات وقصائد وأشعار يقول بعضها إن الفرج وقضاء الحوائج يكون لمن أحب عليًا وتجد في مسجده بيتًا من الشعر يقول «يا شاكيًا كرب الزمان وحزنه يا غارقًا في الهم أعيته الحجج ده عنك أبوابًا تريد سلكها واقصد عليًا سالكًا باب الفرج»  ولمَ لا فعلىٌ هو الشاعر والخطيب المفوه المعشوق في كل الدنيا وإن كان العشق يتجلى ويتحدث عن نفسه في بلاد الرافدين.

فنهر الفرات، الذي يطمع الصهاينة أن تكون حدودهم من نيلنا في مصر لفرات العراق، يمر بمدينة النجف الأشرف ومدينة كربلاء وهذا ما يفسر- في رأيي- مقولة الصهيونية ورغبتها الأكيدة في السيطرة على مقدساتنا «نيلنا المقدس»  وفرات علي الذي يمر بمدينته والمدينة الحزينة التي شهدت مقتل «أبوعبدالله الحسين» وهو شهيدنا وشهيد الإنسانية وسيد للشهداء ولشباب أهل الجنة والذي استشهد حقدًا وغدرًا وحسدًا وذبحًا وهو يظمأ لشربة ماء وحوله نهر الفرات كله! ذلك النهر الذي تحول مرة للون الأسود بفعل ما مارسه المغول من حرق للكتب ورميها فيه! ومرة للون الأحمر بعد معركة «أليس» أو معركة «نهر الدم» وما مورس فيها من ذبح! وعندما حاول العباس شقيق شهيدنا أن يأتيه بشربة الماء قطع المبغضون يدي،ه لذلك يكتب المحبون على كل عتبة ماء يتبرعون بها في المدينة الحزينة «اشرب وتذكر ظمأ الحسين» وهكذا صار الحسين حجة الله علينا وابن حجته الإمام المرتضى وقيل من بعدها إن «من أحب الله أحب حسينًا».

وبالطبع ما شهدته المدينتان من مآسٍ واستشهاد جعل لهما مكانة خاصة ليس فقط في بلاد الرافدين بل في بلاد وقلوب العاشقين في كل ربوع الأرض.. أما من يعترض على ما يصدر عن العاشقين من ممارسات يراها المعترض لا تخضع للعقل أو المنطق فهل للحب منطق؟ فالعشق من مواصفاته أنه نوع أو ضرب من الجنون وتاريخ العاشقين ملىء بهذا الجنون.. فهنالك من انتحر ومن قتله حبه.. ومن قطع أذنه وأراق دماءه بنفسه من أجل من يحبها وقدم أذنه هديةً أو قربانًا لحبيبته! وأقصد هنا بالطبع الفنان التشكيلي العالمي «فان جوخ» فهل يمكن لوم أو تفسير ما فعله «فان جوخ» في نفسه بنفسه وأنه آذى نفسه ولم يؤذ أحدًا غيره؟! فإن وجدتم تفسيرًا أو تبريرًا لما لا يمكن تفسيره أو تبريره ابغضوا ما يفعله المحبون من أجل علي والحسين، أما أهل الشام فيقولون وبمنتهى الحب والأريحية لمن يحبونهم «تقبرونا»!! وكي لا تفهم كلماتي أو تؤول بشكل خاطئ فما سبق لا يعد تبريرًا أو تفسيرًا وليس بالطبع تشريعًا لأفعال أو جنون المحبين ولا أدعو لأي ممارسات خارج حدود العقل أو المنطق وربما أيضا لا أوافق على الكثير من تلك الممارسات ولا أفعلها بنفسي ولا أدعو إليها، لكن وفي نفس الوقت علينا استيعاب أن هنالك أشياء في حيواتنا وفي نفسيات البشر«غير المتطابقين» حتمًا لا تبرر ولا تفسر وعلينا أن نكتفي بأنفسنا وأن لا نفعل ما يفعلونه ونراه غير مبرر دون الحكم عليهم أو إدانتهم أو اتهامهم أو تكفيرهم.. فضماننا لحرياتنا وحيواتنا هو أن نضمن لهؤلاء العاشقين حيواتهم وحرياتهم وأن ندعهم يعبرون ويمرون في سلام، وهذا ما يعرف بقبول الآخر وهو تحديدًا ما أقصده وما أصبو إليه لحقن الدماء ووقف الخلاف والتطاحن ومنع التمييز والتصنيف والقتل على الهوية وتسديد ضربة قاضية للطائفية والشقاق بدلًا من أن تقضي تلك الطائفية علينا وعلى بلادنا وعلى حضاراتنا وعلى الأخضر واليابس.. وهنا يحضرني قول أمير الشعراء أحمد شوقي: «وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي» ولو كان أمير الشعراء على قيد الحياة الآن للاقى مصير موسيقارنا «محمد عبدالوهاب» وغيره ممن رفعت ضدهم قضايا وكفروا! فموسيقار الأجيال «محمد عبدالوهاب»  كفر وأراد البعض محاسبته وسجنه  بعد أغنيته الشهيرة «من غير ليه» بسبب بيت شعري  فيها يقول «جينا الدنيا ما نعرف ليه»! وبالفعل عبارة «من غير ليه» تفسر ما لا يفسر.. والحب والجهل لا يفسران أيضًا! فليدع إذن الجاهلون جهلهم جانبًا فجهلهم لا يفسر وسيعيي من يداويه! كما لا يمكن تفسير أو تبرير أحوال العاشقين وعدم مقدرتهم على التحكم في عشقهم وما يصدر عنهم من أفعال مدفوعة بذلك العشق الذي لا يبرر ولا يفسر.