رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«خلى بالك من شوشو».. «بُرقع الحيا» يرفع شعار «الرقص مش عيب» على مسرح نهاد صليحة

شيرين حجازى
شيرين حجازى

- شيرين حجازى: بدأت حياتى بدراسة الهندسة والرقص سرقنى من كل شئ

فى نوفمبر ١٩٧٢ كان العرض الأول لفيلم «خلى بالك من زوزو»، بطولة سعاد حسنى وتحية كاريوكا وحسين فهمى، وكتابة صلاح جاهين وإخراج حسن الإمام، واستمر عرضه عامًا كاملًا بنجاح ساحق فى السينمات.

وتناول الفيلم النظرة الاجتماعية المزدوجة للفنان عمومًا وللعوالم على وجه الخصوص، عبر «زينب» الطالبة المتفوقة علميًا فى كليتها التى تعمل راقصة فى فرقة والدتها «العالمة بشارع محمد على»، حيث تتعرض بسبب ذلك للتنمر والهجوم من زملائها وعائلة حبيبها، حتى إنها تشعر بازدواج الهوية، فهى «زينب» صباحًا و«زوزو» ليلًا.

وربما لو قبلها المجتمع لما شعرت بأى تناقض بين «زينب» و«زوزو»، ولصارتا هما نفس الشخص، تلك الازدواجية هى انعكاس لازدواجية المجتمع ذاته، الذى يستمتع بالرقص ويسجل أعلى أرقام المشاهدة لفيديوهاته، ويتصارع ليقف فى أقرب مكان من الراقصة فى الحفلات، ويحرص على أن يكون الرقص البلدى فقرة أساسية فى أفراحه ومناسباته تُقاس بها وجاهة واكتمال الحفل، وهو ذات المجتمع الذى ينكر الرقص البلدى، ويتعالى عليه وينظر إليه باعتباره فنًا دونيًا لا أخلاقيًا، ويقيم «العالمة» تقييم المارق اجتماعيًا، وتقع الكارثة إذا ما شغفت بالرقص البلدى إحدى البنات فى محيطنا الاجتماعى وقررت امتهانه. 

بعد ٥١ عامًا من عرض الفيلم، تأتى شيرين حجازى، التى يلقبها المقربون بـ«شوشو»، لتقدم عرضها «برقع الحيا» على مسرح نهاد صليحة، ضمن فعاليات مهرجان «ليلة رقص معاصر».

وشيرين حجازى راقصة ومصممة رقصات بدأت حياتها بدراسة الهندسة.. ثم سارت خلف شغفها بالرقص، وانضمت إلى فرقة رضا، بمجرد أن أعلنت عن احتياجها إلى راقصين، كما شاركت بعرضها المسرحى «يا سِم» فى عدد من المهرجانات الدولية داخل مصر وخارجها، وشاركت بالتصميم والتدريب فى العديد من الاحتفالات المهمة، أهمها احتفالية نقل المومياوات، وأنشأت فرقة «عوالم خفية» وهى الأولى من نوعها للرقص البلدى المعاصر، وتقدم عروضًا تعتمد الرقص البلدى موضوعًا وتكنيكًا لها. 

وقالت «شيرين» عن رؤية الفرقة: «دائمًا أرى كل شىء يرقص، كلما أسمع الموسيقى أراها ترقص فى الفراغ، كل حركة بالنسبة لى هى حركة راقصة، عينى تحول كل شىء تلقائيًا إلى خطوط وألوان تتراقص، أنا أحب الرقص وأحترمه والرقص أنقذنى فى فترات مختلفة من حياتى».

وأضافت: أسست الفرقة، كمشروع من سنتين، وهى مكونة من ١٢ بنتًا، ونحن نؤدى ما يسمى الرقص البلدى المعاصر، وهو امتداد لـ«رقص المعبد»، وهو رقص طقسى للكاهنات فى المعابد القديمة لتكريم «منبع الحياة» وهو «رحم السيدات»، لذلك تتركز الحركات حول منطقة الحوض بشكل فيه إجلال وتكريم، وفرقتنا تعمل على نطاقين أساسيين، الـ«سوشيال ميديا» والواقع الفعلى عبر المشاركة فى الأحداث والاحتفالات. 

ومن هنا جاء عرض فرقة «عوالم خفية» الجديد «برقع الحيا»، ليعالج ذات القضية، ازدواجية النظرة للعوالم، بتكنيك راقص يجمع بين الحداثة والأصالة مدمجين فى الحركة، وفى الرقص وفى الموسيقى، وفى كل مفردات العرض المسرحى.

نحن أمام ٩ راقصات، يتحركن بشكل جماعى مع الاحتفاظ بفردانية كل منهن، والحركات الراقصة اللاتى يؤدينها تدمج الإشارات الجسدية الفرعونية مع الحركات الشعبية، لنساء الطبقة الكادحة، مع الرقص البلدى والرقص المعاصر، بالتركيز على منطقتى الخصر والحوض.

وتعد أجسادهن متباينة، وليست مثالية وفقًا لمازورة «الجسد الجمالى المحسوب بالشعرة» أو «الموديل»، ولا وفقًا لمازورة الخيال الشعبى عن الراقصة التقليدية، وهى أجساد تحمل جمالها الخاص، لكن أكثر ما يميزها كونها أجسادًا حرة تتحرك وفقًا لشغفها وتتفاعل مع الموسيقى باتساق، وليس لديها أدنى قصد لإبراز مفاتنها، أجساد تتسق مع الحركة ومع الأداء الجماعى مع الافتتان بالموسيقى، لذا ستجد نفسك تتبع حركاتهن وتتمايل معها بافتتان مماثل. يرتدين جميعًا بدل رقص سوداء، لكنها بدلة معاصرة «تيشيرت قصير وجيبة مفتوحة من الجانبين»، والأسود يدعم الطابع الكهنوتى، فالأسود هو اللون المتعارف عليه لملابس الكهنة، وجميعهن يرتدين «اليشمك» أو البرقع، كما عُرف فى الأحياء الشعبية حيث كانت ترتديه الفتيات مع الملاءة اللف، الذى يمكن تحميله دلاليًا على التزين أو التخفى أو الحياء وفقًا لصفة الفتاة التى ترتديه، فبنات العائلات يرتدين البرقع وفتيات الليل أيضًا.

واختارت شيرين حجازى أن تسمى عرضها «برقع الحيا»، ليعكس هذا البرقع بازدواجيته الدلالية ما تعانيه الفتيات من ضغط ومعاناة من مسألة القبول الاجتماعى وصراعاتهن الداخلية، «بين زينب وزوزو»، فالفتيات هنا يرغبن فى ممارسة الرقص شغفهن، ويرغبن فى أن يتصدرن المشهد، فكل منهن تنزعج حين تكون فى خلفية المشهد، ويتطلعن لأن يصبح هذا الشغف هو ذاته مجال عملهن ومصدر رزقهن، لكنهن فى ذات الوقت فتيات يدرسن بالجامعة ولديهن عائلات وزملاء، ربما لن يحظين بالقبول الاجتماعى بينهم. ويواجهن تلك الازدواجية حين يتصل بهن أحد العملاء، ليطلب مشاركة الفرقة فى إحياء فرح، ثم يقول لمديرة الفرقة: «نقّيلى حاجة حلوة» ويذكر بعض المواصفات المطلوبة فى اللون والجسد وكأنهن بضاعة، أو عبر امرأة تتصل لتنصحهن بالتوقف عن صناعة فيديوهات الرقص وتقديم محتوى هادف، وآخر يهاتفهن ويخبرهن بأنه تم رفض طلب المنحة التى تقدمن بها، لأن فرقتهن تستهدف الربح، وكأن الفنان كائن فضائى لا حاجة به إلى الطعام والشراب واحتياجات الحياة المختلفة. 

وتواجه الفرقة كل تلك التداخلات، وسط أزمات الفتيات وصراعاتهن الداخلية، متشبثات بالرقص كوسيلة للتعبير عن مشاعرهن، «الحب والغضب والقبح والجمال والتخلى والمؤازرة»، متسائلات من الذى عليه أن يرتدى فى نهاية الأمر «برقع الحيا»، هن أم المجتمع؟ وهل ستظل «زوزو» تائهة «ومحدش واخد باله منها»؟، وتظل دعوة صلاح جاهين قائمة ومستمرة بعد ٥١ عامًا: «خلى بالك من زوزو.. أو شوشو».