رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مقر الاتحاد الإفريقى

أديس أبابا، التى كانت توصف بأنها عاصمة القارة الإفريقية، صارت مصدرًا لبث الاضطرابات فى محيطها الإقليمى، وجاءت محاولة قوات الأمن الإثيوبية لمنع الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، أمس الأول السبت، من الوصول إلى مقر الاتحاد الإفريقى، للمشاركة فى فعاليات القمة الإفريقية السابعة والثلاثين، لتؤكد أن العاصمة الإثيوبية ما عادت تصلح لأن تكون مقرًا للجنة الاتحاد وأمانته العامة.

وجود مقر المنظمة السياسية الرئيسية للقارة الإفريقية فى العاصمة الإثيوبية، كان محل خلاف منذ القمة السنوية الثالثة، التى أقيمت سنة ٢٠٠٤، وتجدّدت فكرة نقل المقر إلى دولة أخرى، فى ٤ يناير الماضى، حين أكد البرلمانى الصومالى عبدالرحمن عبدالشكور، وزير التخطيط الأسبق، فى حسابه على شبكة «إكس»، أن تصرفات إثيوبيا، التى تناقض وتتجاهل ميثاق الاتحاد، تستوجب نقل المقر إلى دولة أخرى «تدعم وتحترم» القيم الأساسية للمنظمة. ويمكنك أن تضيف إلى استخدام إثيوبيا مقر الاتحاد فى تصفية حساباتها، أن أجهزة مخابرات دول معادية، أو صديقة، سبق أن تمكنت من اختراق أنظمة الاتحاد المعلوماتية، واستطاعت التجسس على غرفه، مكاتبه، قاعاته، والعديد من العاملين فيه.

قبل أن يتمكن، لاحقًا، من دخول مقر الاتحاد الإفريقى وحضور الجلسة المغلقة لرؤساء الدول والحكومات، قال الرئيس الصومالى للصحفيين إن «قوات أمن إثيوبية» قطعت عليه الطريق، خلال توجّهه لحضور الجلسة، وأضاف أنه عاود المحاولة برفقة رئيس جيبوتى إسماعيل عمر جيلة، لكن تم منعهما أيضًا من دخول المقر. وعليه، نددت مقديشو بهذا التصرف ووصفته بأنه عمل استفزازى. وقالت الخارجية الصومالية، فى بيان، إن «هذا التصرف ينتهك كل البروتوكولات الدبلوماسية والدولية، والتقاليد الراسخة للاتحاد الإفريقى»، ودعت الاتحاد الإفريقى إلى إجراء تحقيق مستقل «فى هذا السلوك الشائن»، الذى «يضاف إلى التصرفات الغريبة من قبل الحكومة الإثيوبية فى الفترة الأخيرة».

محاولة قوات الأمن الإثيوبية منع الرئيس الصومالى من الوصول إلى مقر الاتحاد الإفريقى، كان سببها الرئيسى هو الخلاف القائم بين البلدين، بشأن «مذكرة التفاهم»، التى وقعها رئيس الوزراء الإثيوبى، فى بداية السنة الجارية، مع زعيم ولاية «أرض الصومال»، والتى تمنح إثيوبيا ميناءً بحريًا وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر، مقابل اعترافها بهذه الولاية، التى تعد جزءًا من جمهورية الصومال الفيدرالية، كدولة مستقلة. إذ كانت هذه الولاية، الواقعة على خليج عدن، قد أعلنت استقلالها، من جانب واحد، أو مع نفسها، سنة ١٩٩١، ولم تعترف بها، إلى الآن، إلا «تايوان» غير المعترف بها هى الأخرى!.

جاءت «مذكرة التفاهم»، كما أوضحنا فى مقال سابق، لتثبت صحة وجهة النظر المصرية، بشأن خطورة التحركات والسياسات الإثيوبية على استقرار الإقليم، وزيادة حدة التوتر فى العلاقات بين دوله. كما سبق أن حذرت مصر، مرارًا، من عواقب السياسات الإثيوبية الأحادية، المخالفة لقواعد القانون الدولى، ومبادئ حسن الجوار، والتى تهدف إلى فرض سياسة الأمر الواقع، دون الاكتراث بمصالح الحكومات والشعوب الإفريقية. أما ما قد يدعو لكثير من الأسف، فهو أن الاتحاد الإفريقى، الذى عجز عن تقديم حلول ناجزة لأزمات إفريقية عديدة، اكتفى بدعوة إثيوبيا والصومال، إلى «الهدوء والاحترام المتبادَل لخفض منسوب التوتر المتصاعد»، مع مذكرة التفاهم التى انتهكت، بمنتهى الوضوح، سيادة دولة الصومال، وخالفت القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، ومثلت انقلابًا صارخًا على الثوابت الإفريقية والدولية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن وثائق سرّبها إدوارد سنودن، الموظف السابق لدى وكالة الأمن القومى أو المخابرات الأمريكية، ونشرتها جريدة «لوموند» الفرنسية وموقع «ذا إنترسبت» الأمريكى، أواخر يناير ٢٠١٨، أظهرت قيام المخابرات البريطانية باعتراض المكالمات التليفونية ورسائل البريد الإلكترونى للعديد من العاملين فى مقر الاتحاد. كما ذكرت الجريدة الفرنسية أن خبراء من الجزائر عثروا على أجهزة تنصت تحت المكاتب وفى الجدران، لدى تفقدهم غرف المقر، ونقلت عن «مسئول رفيع المستوى» أن كل البيانات الداخلية للاتحاد يتم نقلها إلى خوادم رئيسية غامضة، تفصلها ٨ آلاف كيلومتر عن أديس أبابا.