رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر القادرة..وخط النهاية!

(١)
أرسل لى صديقٌ أوروبى رابط مقال عن مصر منشور يوم الجمعة فى جريدة "فاينننشيال تايمز" كتبته "هبة صلاح" بعنوان "مصر تبنى جدارًا محيطًا بمنطقة قريبة من حدود غزة"..
بعد ترجمة المقال وجدت أن أهم ما جاء به ويستحق الرد عليه هو الفقرة الخاصة بمنظمة أو "مؤسسة سيناء" لحقوق الإنسان، وهى حسب المقال منظمة نشطاء تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها.. حيث صرحت هذه المنظمة "بأن مصر كانت تُعد للخروج الكبير لللاجئين، ونشرت فيديوهات وصورًا لآلات وبلدوزرات وهى تعمل فى الصحراء.. ونشرت المنظمة أو المؤسسة على صفحات التواصل الاجتماعى الخاصة بها، أنها التقت باثنين من المقاولين المحليين، ممن يعملون بالمنطقة المذكورة، وقد أكدا أنهما يقومان بتنظيف الأرض من بقايا المنازل التى كان قد تم هدمها فى السنوات الأخيرة، حين كانت مصر تقوم بإنشاء منطقة حدودية عازلة أثناء حربها ضد ميليشيات الإرهاب المحلية.
وقال أحدهما- دون ذكر اسمه- إنهم يقومون ببناء جدران بارتفاع سبعة أمتار حول منطقة مغلقة..".
ورغم أن مصر قالت بشكل متكرر إنها ترفض أى محاولات إسرائيلية لطرد أهل قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، إلا أن المحللين (؟!!) يقولون إن هذا ربما يكون إجراءً عارضًا فى حال بدأ تدفق الفلسطينيين عبر الحدود للهرب من القوات الإسرائيلية.
ولقد نفى المسؤلون المصريون- بمن فيهم محافظ شمال سيناء- هذه الإجراءات!.
انتهى الجزء الخاص بترجمة هذا المقال..
كلما اقتربت اللحظات الحاسمة كلما ازدادت شراسة الحملة العنيفة..حملة الأكاذيب والإشاعات والتشويه حتى يختلط الحق بالزيف.. وتشرد الحقائق وسط هذه الآلاف من الأكاذيب والإشاعات.. حتى يصدق الناس فى مصر أى أكذوبة يتم توجيهها للداخل المصرى.. بغرض تمهيد الأرض لما يتوهمون اقتراب فرضه على مصر!
القراءة الطبيعية للخبر هو أن مصر تستكمل ما بدأته من سنوات بتأمين المنطقة الحدودية.. لكن القراءة المضللة هو ما جاء بالخبر! 
وطريقة نشر الخبر بتفاصيله وبث صورة بالقمر الصناعى للخداع البصرى، ثم نشر النفى فى سطرٍ عابر وكأنه إنكارٌ لحقيقة.. هذه الطريقة فى النشر معروفة للتأثير على عقل القارئ!
ثم الإشارة إلى "محللين" مجهولى الهوية لتمرير ما يُراد تمريره!
تتزامن هذه الأخبار مع حملة خبيثة موجهة على نفس شاشة القناة التى بدأت خطتها يوم السابع من أكتوبر.. حيث تظهر أصوات تتحدث عن التفريغ المؤقت الإنسانى للقطاع حتى انتهاء العمليات العسكرية! وهو الإدعاء الذى كشف زيفه مبكرًا جدًا الرئيس السيسى فى حديث علنى على الهواء، حين قال إن من سيخرج من القطاع لن يعود إليه مرة أخرى!
وحسنا فعلت الدولة المصرية بالرد الجديد الفورى على هذا العبث على لسان ضياء رشوان رئيس هيئة الاستعلامات المصرية!
(٢)
قديما كنا ننتظرُ طويلًا قبل أن نعرف ماذا حدث فى الغرف السرية خلف الأبواب المغلقة. لكن العالم الآن يشاهد التاريخ وهو يُكتب ولا مجال للتشكيك فيما يتم تسطيره. ورغم ذلك فكثيرٌ من تفاصيل آخر حرب تخوضها مصر سيتم الكشف عنه يوما ما، وسيعرف كثيرون فى مصر أنهم لم يقدّروا دولتهم حق قدرها! منذ المشهد الأول يوم السابع من أكتوبر، وأنا مثل آخرين مهمومٌ باللحظة التى سنقترب فيها من خط النهاية، وكأنى أراه متجسدًا أمامى منذ ذلك الصباح حين كانت تلك القناة التليفزيونية تهلل وترتفع بسقف طموحات الشعوب المخدوعة إلى حافة الجنون! كتبتُ فى اليوم الأول مقالا متسائلا فيه عما إذا كان الذين فعلوا قد أعدوا عدتهم لما هو آتٍ؟! كتبت ذلك رغم جثوم روائح الخيانة على قفصى الصدرى، تلك الأبخرة المتصاعدة من وهج مئات الصفحات من كتاب التاريخ الذى يُشقى المخلصين من قراء أوراده المنزهة عن كل زيفٍ وباطل!
لماذا اختاروا تاريخا أعلنته مصر جدولا زمنيا لانتخاباتها الرئاسية؟! لماذا باغتوا مصر التى كانت فى كل مآتمهم صاحبة السرادق، وأول المتشحات بالسواد؟! لماذا تركوا النساء والرضع فى العراء ولديهم مئات الكليومترات من المخابئ والأنفاق؟! 
ثم السؤال الأكثر ألما.. بعد أن عجز المجرمون ولمدة تفوق الأربعة أشهر عن تحرير رهينة واحدة...وبعد أن اقتربنا من خط النهاية.. ويأس هؤلاء من اليقين بعجزهم هذا يتم إلقاء طوق النجاة لهم بتقديم هذا المشهد.. فى رفح دون غيرها يتم تحرير رهينتين بسهولة غريبة، ودون وجود ممانعة مسلحة؟! مشهدٌ قلب الداخل الصهيونى رأسا على عقب وقدم مسوغات وتبريرات لقادة هذا الكيان لاستكمال مخططهم! 
(٣)
المشهد الذى كان كالكابوس الذى لم يفارقنى منذ اليوم الأول هو الوصول للمربع الأخير.. الجنوب..رفح.. محاولة وضع مصر فى كمين واضح وصريح.. أن تجد نفسها أمام خيارين كلاهما مرٌ كالعلقم.. وكلاهما سيتم استغلاله لتصويب الخناجر المسمومة لقلب مصر.. فإما أن تدافع عن شرفها الوطنى وحدودها، فيتم اتهامها من بعض أهلها ومن كثيرٍ من أشقائها بأنها ارتكبت حراما عربيا وإسلاميا! أو أن تفرط فى شرفها الوطنى وساعتها يتم اتهامها من الجميع بالتفريط والخيانة وأنها شريكة للكيان فى مخططه! 
هذه هى النار التى أشعلها بعضهم فى ذويه وفى أصابع القيادة المصرية. خاضت مصر حربا شرسة ودفعت ثمنا باهظا من اقتصادها حتى تمنع الوصول لهذا الخط. كان من الممكن أن نصل لهذا المشهد بعد ساعاتٍ قليلة وفى يوم السابع من أكتوبر ذاته، لولا ما قامت به مصر حين وقفت بمفردها لتكشف المخطط كاملا وترفضه بشكل واقعى. القيادة التى دأب البعض على رجمها وكيل الاتهامات لها هى التى أدركت هذا المخطط منذ سنواتٍ فصوبت ما كان خاطئا على حدودها الشرقية فوق الأرض وتحت الأرض! أكثر من ثلاثة آلاف نفق قامت مصر بتدميرها وحصنت حدودها المشروعة، فلما حدث ما حدث لم يكن ممكنا أن يتم خطف قطعة من أرض مصر! ولنا أن نتخيل المشهد مساء يوم السابع لو لم تقم مصر بما قامت به!
لقد نجحت مصر فى الحفاظ على بقاء أرض فلسطينية.. هذه هى الحقيقة المجردة! ويتحمل وزر الدماء المسفوكة كل من شارك فى المقتلة ممن قدم الأسلحة وممن قتل، ومع هؤلاء من خطط منفردا أو مع أطراف لم تعلمها مصر! 
بعد ما قامت به جنوب إفريقيا لم ينسَ مجاهدو الصفحات الإلكترونية أن يسبوا مصر ويتهموها بما ليس فيها! وها هى الأيام تثبت أن ما قامت به محكمة العدل الدولية وكل منظمات العالم الكونية لم تمنع قتل مواطنٍ واحد كما لم تجبر القتلة على التوقف عن استهداف المستشفيات أو الصحفيين. هذا العالم لا يعترف إلا بالقوة على الفعل. ومصر وحدها هى من أجبرت هذه القوة الدولية المتغطرسة على إدخال المساعدات. اعترف العالم بهذا وآخر المعترفين والمهرولين على أبواب مصر مَن ارتدى الكوفية وتقمص دور الزعيم الإسلامى!
(٤)
الجبهة الداخلية فى مصر نضجت كثيرا عما كان سائدا فى سنواتٍ سابقة حتى بين الطبقات المصرية الشعبية التى لم يكن أفرادها من المهتمين بالسياسة أو كانوا من الذين يسهل خداعهم بشعارات دينية براقة. الدولة المصرية قادرة على اجتياز خط النهاية بنجاح لأن هذا الخط لا يقبل الألوان الرمادية. لن يتم السماح بانتهاك أرض مصر! هذا هو اليقين الذى لا يقبل أى شك!
سيكون الثبات الانفعالى واجبا قوميا وسيستدعى هذا جينات المصريين الكامنة فى التوحد لعدم الوقوع فى الفخ!
فمصر ليست مسئولة عن تلك المشاهد التى يتم ضخها فى هذه الأيام لزرع شعورٍ كاذب بين المصريين بالذنب عما اقترفه آخرون!
وسيبقى مشهد ما بعد خط النهاية والذى لن يقل تحديا وخطورة عما سبقه. ماذا بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار؟! هذا الخراب والدمار وهذه الأطراف المتحفزة لقضم قطعة من الغنيمة المخضبة بالدماء..ستكون جولة أخرى من المواجهة كُتب على مصر خوضها. ستدفع مصر ثمنا آخر دفاعا عن مبادئها وتمسكا بشخصيتها.
إعادة الإعمار سيكون للآخرين مثل غنيمة الحرب، وسيكون لمصر التزاما أخلاقيا. هذا هو الفارق فى تحركات الجميع منذ البداية، وسيظل هكذا حتى نرى يوما هذا الخراب وقد عاد ليكون مشاهد للحياة مرة أخرى! 
يمكن تلخيص هذا الفارق فى مشهدين رأيناهما مؤخرا.. الأول هو بائع الفاكهة المصرى الذى هرع إلى إلقاء البرتقال للشاحنات المتجهة إلى غزة، أما الثانى فهو استيلاء أعضاء حماس على شاحنات المساعدات وحرمان جوعى القطاع منها! 
فى يوم ما سيقرأ المصريون الصفحة كاملة وسيعلمون أن دولتهم خاضت معركتها بشرف ونجاح. فهل سيعتذر وقتها من شككوا وتطاولوا؟! أترك إجابة هذا التساؤل للتاريخ الذى لا يجامل أحدا!