رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لغة الحوار فى يوم القصة القصيرة

تحتفل بلدان الثقافة العربية بيوم القصة القصيرة سنويًا فى ١٤ فبراير. لا أدرى إن كان ذلك التقليد قد غزا الدول الأخرى فى الخارج أم لا؟، لكنه يوم يستحق الاهتمام والاحتفاء فى كل الأحوال. وبمناسبة الحديث عن القصة، كانت القاصة الموهوبة منال قابيل قد سألتنى ذات مرة: «ما رأيك؟ هل نكتب الحوار فى القصة باللهجة العامية أم باللغة الفصيحة؟». وحين نتحدث عن لغة الحوار فإننا نتكلم ضمنًا عن اللغة بشكل عام فى الأدب والقصة. 

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن اللغة ليست أدبًا، أما الأدب فإنه اللغة. على سبيل المثال، فإنك ستجد فى خطب مصطفى كامل وسعد زغلول الكثير من البلاغة، لكن تلك الخطب لا تدخل فى نطاق الأدب، لكن فى نطاق البلاغة، وكذلك كانت خطابات شيشرون السياسية. فى الأدب القضية تختلف تمامًا، لأن الأدب لغة إلى حد كبير. ومن هنا يكتسب سؤال منال قابيل وأدباء آخرين أهمية قصوى: بأى لغة نكتب الحوار فى القصة القصيرة؟، تزداد أهمية السؤال عن لغة الحوار إذا تذكرنا أن عددًا كبيرًا من القصص قام فقط على الحوار، مثل قصة «جميل فمى، عيناى خضراوان» للكاتب الأمريكى ج. د. سالنجر، أو قصة «البنكى الفوضوى» للكاتب فرناندو بيسوا، والكثير من قصص همنجواى. ولعل رواية نجيب محفوظ «أمام العرش» أن تكون نموذجًا لعمل سردى طويل يقوم كله على الحوار. 

فى كل الأحوال، فإن السؤال عن «لغة الحوار» يفتح الباب واسعًا على العديد من القضايا، فى مقدمتها الفكرة التى يرددها كثيرون من أنه لا بد للغة الحوار أن تكون مطابقة لواقع الشخصيات أو قريبة مما يقوله الناس، ومن ثم تكون الأولوية هنا للعامية. ويتضح فى تلك النظرة التمسك بالمطابقة بين ما يقوله الناس فى الحياة وما تنطق به الشخصيات الأدبية. وينسى أصحاب فكرة المطابقة بين لغة الفن ولغة الواقع أن الأدب عامة عملية مجازية من رأسها إلى قدميها، والقصة التى أكتبها أنا أو التى يكتبها غيرى لا تطابق الواقع فى شىء، فهى شكل أدبى مخترع، وشخصيات قد تكون وهمية، وأحداث من خلق الخيال، فإذا كانت العملية الأدبية إجمالًا مجازية لا تطابق الواقع، فلماذا ينبغى على اللغة فقط أن تطابق الواقع؟

وما يؤكد ذلك أن الحوار فى القصة ليس هو الحوار فى الحياة مهما كان، حتى لو كتبته كله بالعامية، لأن الحوار فى الحياة قد يكون طويلًا، يتنقل من فكرة إلى أخرى، بينما يختصر الحوار الأدبى الكثير ويستخدم ما يلزمه فقط، ليكون موجزًا وتعبيرًا مكثفًا عن الشخصيات. من ناحية أخرى، فإن رسم أو وصف أو خلق الشخصيات لا يعتمد فقط على اللغة التى تتكلم بها، فقد نطقت كل شخصيات نجيب محفوظ الشعبية بالفصحى دون أن يعطل ذلك استقبالنا لها بصفتها شعبية مئة بالمئة. وقضية بأى لغة نكتب الحوار فى الأعمال السردية قضية قديمة ظهرت مع تبلور شكل القصة؛ منذ أن كتب محمود تيمور مجموعته «الشيخ جمعة» ١٩٢٥ بالعامية، ثم عاد وكتبها بالفصيحة مرة أخرى. 

وأعتقد أن علينا أن نكتب الحوار فى القصة القصيرة بلغة فصيحة بسيطة، تستلهم روح اللهجة العامية وليس نص اللهجة، وقد يفيد هنا أن نتذكر أن اللغة العربية لغة ثقافة عربية ضخمة، وحين يعتمد الكاتب عليها فإنه يتوجه بعمله إلى جمهور ضخم أبعد من حدود وطنه.