رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«جريمة بختم الصهاينة».. فلسطينيون فقدوا بصرهم فى العدوان الإسرائيلى: «لا نعرف من أين تأتينا الرصاصة»

ضحايا العمى
ضحايا العمى

- يواجهون صعوبات كبيرة فى النزوح المستمر من مكان إلى آخر بسبب حالتهم 

- الفسفور الأبيض أو النيران وراء غالبية الحالات وبعض الإصابات ناتجة عن استهداف القناصة

- نقص الأطباء والأدوية والإمكانات العلاجية يمنع الإنقاذ الممكن لكثير من الضحايا

منذ السابع من أكتوبر الماضى يتواصل العدوان الوحشى على قطاع غزة، الذى يستخدم فيه الاحتلال الإسرائيلى كل أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا تقريبًا، مثل: «القنابل العنقودية» و«الفسفور الأبيض»، ما خلّف آلاف القتلى والجرحى والمشردين من الفلسطينيين.

وإلى جانب القتلى والجرحى والمشردين، ترك العدوان الإسرائيلى الكثير من الضحايا الفلسطينيين الذين فقدوا بصرهم كليًا أو جزئيًا، بسبب الانفجارات والشظايا والرصاص الحى، التى خلّفت وراءها حروقًا وجروحًا نافذة فى العينين.

ولم تقتصر مأساة هؤلاء الضحايا على فقد نعمة البصر فحسب، بل فرض الاحتلال الإسرائيلى حصارًا خانقًا عليهم، ما دفعهم- مثل كل الفلسطينيين الذين نجوا من الموت- للتنقل بين مدن قطاع غزة، وصولًا إلى ملجأهم الأخير فى مدينة رفح الفلسطينية، هربًا من الهجمات المتكررة، متكبدين ما فى ذلك من مشقة وخطر كبير الذى تزيد قسوته بسبب فقدانهم البصر.

«الدستور» تكشف فى السطور التالية عن أبرز التحديات والمآسى التى يتعرض لها الفلسطينيون الذين فقدوا بصرهم، فى ظل العدوان الإسرائيلى المتواصل على قطاع غزة، عبر لقاءات مع عدد منهم، يروون فيها كيف تغيرت حياتهم إلى ظلام دامس، علاوة على رصد العجز الطبى ونقص الخدمات الصحية، الذى يحول دون تلقى أى منهم العلاج اللازم، ما يزيد من معاناتهم وإحباطهم.

ضحايا «العمى القسري» في غزة

ثابت النجار: أريد أن أرى وجه ابنتى «رنا» ولو للمرة الأخيرة

ثابت النجار رجل فلسطينى خمسينى، يعمل مُعلم رياضيات فى مدرسة ابتدائية بمدينة رفح جنوب غزة، كان يحب عمله وطلابه، ويعتز بمهنته ومسئوليته، يعيش مع زوجته «سماح» وابنته «رنا» فى منزل متواضع بحى «الجنينة»، حيث يحلم بتوفير حياة آمنة لعائلته، لتصطدم آماله بالعدوان الإسرائيلى الغاشم على القطاع، ويصبح من ضحاياه الذين فقدوا بصرهم، ولا يدركون من أين ستأتيهم الرصاصة، وفق ما قالته ابنته لـ«الدستور».

وأضافت رنا النجار: «أنا أحب أبى كثيرًا، وأتمنى أن يرانى ويبتسم لى، كما كان يفعل قبل الحرب، لكن كل شىء تغير فى هذا اليوم المشئوم من شهر ديسمبر الماضى، عندما كان فى طريقه إلى المنزل، وسمع صوت طائرة حربية تحلّق فوقه، قبل أن يسمع انفجارًا هائلًا».

وواصلت الفتاة العشرينية: «شعر والدى بسخونة شديدة تضرب عينيه، لم يدرك حينها ما حدث، فقط شعر بألم شديد فى العينين، وبدأ ينزف منهما، ومن بعد هذه اللحظة لم يعد يرى شيئًا، وكل شىء أصبح أسود أمامه».

وأكملت: «تبين أن الطائرة الحربية ألقت قنبلة على مبنى قريب من مكان أبى، ما أدى إلى تطاير الشظايا والحطام فى كل اتجاه، وأصابت إحداها عينيه فأفقدته البصر نهائيًا، ليُنقل إلى مستشفى الشهيد أبويوسف النجار، حيث تلقى الإسعافات الأولية، وتم تضميد عينيه، لكن الأطباء أخبرونا بأنه لا يوجد أمل فى استعادة بصره، وأنه سيبقى كفيفًا مدى الحياة».

ضحايا «العمى القسري» في غزة

وتابعت: «كانت كلمات الأطباء صدمة كبيرة لنا جميعًا، لم يستطع والدى تصديق ما حدث له، وظل يتساءل حتى هذه اللحظة: كيف سيعيش دون بصره؟ كيف سيعمل ويكسب قوته؟ كيف سيهتم بنا فى ظل الحرب؟ وكما توقع بالفعل، بدأت كارثة أخرى بعد أيام من عودته إلى المنزل».

وشرحت: «العمى لم يكن هو الكارثة الوحيدة التى واجهها والدى وأسرتنا، بل ظهرت أيضًا مشكلة النزوح، فقد تضرر منزلنا بسبب القصف، فبدأنا النزوح بحثًا عن مأوى آمن، وتنقلنا من مكان إلى آخر، بين المدارس والمخيمات والمنازل الخاوية، دون أن نجد الراحة أو الاستقرار أو الأمان، ووسط حياة فى ظروف معيشية سيئة، من دون كهرباء أو ماء أو غذاء أو صحة أو تعليم».

وفى كل هذه المحن، تظل «رنا» هى السند والعون لوالدها، ترافقه فى كل خطوة، وتساعده فى كل شىء، تقوده بيدها فى أيام النزوح والظلام، وتصف له ما يحدث حوله من مشاهد للحرب الغاشمة التى يعيشها كل الفلسطينيين، وفق ما قالته لـ«الدستور»، قبل أن تختتم حديثها بالكشف عن أمنية والدها الوحيدة: «يخبرنى طوال الوقت عن رغبته فى أن يرانى، ولو للمرة الأخيرة فى عمره».

ضحايا «العمى القسري» في غزة

الطفل يوسف إسماعيل:  فقدت حلمى بأن أصبح مهندسًا أعيد إعمار غزة

داخل أحد أحياء مدينة خان يونس فى قطاع غزة، تحطم حلم طفل فى الحادية عشرة من عمره، مَنّى النفس يومًا ما بأن يصبح مهندسًا، ليتمكن من إعادة إعمار القطاع المدمر مرة أخرى، وذلك بعد أن أصابته شظايا قنبلة إسرائيلية فى عينيه، لتفقده بصره كليًا.

روى محمد إسماعيل ما حدث مع شقيقه «يوسف»، قائلًا إنه «كان يسير فى الشارع مع ابن عمه، ويحاولان الوصول إلى المدرسة التى اختبآ فيها بعد قصف منزليهما، لتتعرض المنطقة بأكملها إلى قصف عنيف، ويصاب شقيقى بآثار الانفجارات التى وقعت بجانبه مباشرة».

وأضاف «محمد»: «بعد انتهاء القصف العنيف، شعر أخى بضغط شديد على وجهه، صاحبه ألم شديد فى عينيه، وبدأ ينزف منهما، وكان يصرخ بصوت عالٍ وينادى على ابن عمه، الذى اكتشفنا أنه استشهد بجانبه».

وواصل: «نُقل شقيقى إلى مستشفى غزة الأوروبى، حيث تبين أنه فقد بصره نهائيًا، وأن ابن عمه استشهد، والذى كان أقرب شخص له، وهو ما تسبب فى معاناته من الاكتئاب واليأس، لأنه لا يجد معنى لحياته بعد الآن، وفق ما أخبرنا به».

واختتم بقوله: «يقول لنا دائمًا إنه لن يستطيع أن يفعل شيئًا بعد الحادث، ويريد الانعزال عن العالم، كونه يعيش فى ظلام دائم، ولا يرى أملًا فى المستقبل، كما يتمنى دائمًا الاستشهاد فى الحرب، أو أن يستعيد بصره ليشارك فى إعادة إعمار القطاع المدمر».

ضحايا «العمى القسري» في غزة

إخصائى جراحة عيون:  كيف ننقذهم ونحن لا نملك حتى «مضادات التهاب»؟

ليس فقط الحرب التى أفقدت الضحايا بصرهم، بل أيضًا الوضع الصحى المتردى فى قطاع غزة، على ضوء الحصار الإسرائيلى الخانق، الذى يمنع دخول الأدوية والمعدات والأطباء إلى هناك، وفق الدكتور جمعة أبونوار، إخصائى جراحة العيون فى مستشفى «شهداء الأقصى» بقطاع غزة.

وقال د. «أبونوار»: «نواجه صعوبات كبيرة للغاية فى علاج الضحايا الذين فقدوا بصرهم جراء العدوان الإسرائيلى؛ لأننا نفتقر إلى الإمكانات والموارد اللازمة، ولا توجد لدينا معدات حديثة أو متطورة، مثل المجاهر الجراحية أو الليزر، ولا توجد أدوية كافية أو متنوعة، مثل المضادات الالتهابية»، مضيفًا: «كيف ننقذهم ونحن لا نملك أبسط شىء؟!».

وأضاف الطبيب الفلسطينى: «فى بعض الحالات تكون هناك إمكانية لإنقاذ بصر الضحايا، أو حتى تحسينه، إذا تلقوا العلاج المناسب فى الوقت المناسب، لكن بسبب العجز الطبى ونقص الخدمات الصحية والأدوية المطلوبة يفقدون البصر مدى الحياة».

وواصل: «هناك حالات تصاب بالحروق فى العيون بسبب الفسفور الأبيض أو النيران، تحتاج إلى علاج سريع ومتخصص، لمنع تلف القرنية أو الشبكية أو العصب البصرى، لكن نحن لا نملك الإمكانات حاليًا لزراعة قرنية، لذلك نضطر إلى إعطاء المريض مسكنات أو مراهم بسيطة، ويظل فى معاناة مع الألم والالتهاب والعدوى، حتى يفقد بصره نهائيًا».

وتابع: «هناك حالات أخرى تصاب بالرصاص فى العينين من قناصة إسرائيليين، وتكون فى حاجة إلى عملية جراحية دقيقة ومعقدة لإزالة الرصاص من العين، وترميم الأنسجة المتضررة، لذا نحاول إحالة المريض إلى مستشفى خارجى، لكن تظهر المشكلة فى الحصول على التصاريح أو الإسعافات أو الضمانات، وفى كثير من الأحيان يموت المريض أو يفقد بصره قبل أن يصل إلى المستشفى الخارجى».

وإلى جانب نقص الإمكانات والأدوية، تظهر أزمة أخرى تتمثل فى نقص الأطباء، وفق الطبيب الفلسطينى، الذى شرح ذلك بقوله: «هناك نحو ١٥ طبيبًا مختصًا فى طب وجراحة العيون فى قطاع غزة كله يعملون فى ٥ مستشفيات و٣ مراكز صحية، وهذا يعنى أن نسبة الأطباء المختصين فى العيون إلى السكان فى غزة هى ٠.٧٥ طبيب لكل ١٠٠ ألف نسمة، وهى ضئيلة جدًا مقارنة بالنسبة العالمية المقدرة بـ٤.٣ أطباء لكل ١٠٠ ألف نسمة».

ضحايا «العمى القسري» في غزة

محمد فقها: لم يعد لنا أى مكان آمن.. وأتمنى الموت الآن فداءً لفلسطين

لم يكن العدوان الإسرائيلى على غزة هو السبب الوحيد لفقدان البصر لمئات الفلسطينيين، فقبل ذلك كانت هناك حالات عديدة من الإصابة بالعمى أو الضعف البصرى بسبب الأمراض والحوادث والتلوث، فالحرب الدائرة لم تفرق بين مريض أو كبير فى السن، ومن المتضررين أسرة محمد باسم فقها، صاحب الـ٣٤ عامًا، من متحدى الإعاقة البصرية بشمال فلسطين.

يقول «محمد»: «ولدت كفيف البصر، بعد أخ لى كان يعانى نفس المشكلة، واعتدنا فى حياتنا على اقتحام الجنود الصهاينة بيتنا.. ونتعايش مع القضية الفلسطينية كجزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ونتعرض دائمًا كشعب فلسطينى للتنكيل والاعتقالات، بل والموت العمدى على يد الاحتلال، وقبل أحداث ٧ أكتوبر كانت الحياة فى فلسطين قادرة على استيعاب فئة المكفوفين، ولكن الأوضاع الحالية تمثل صعوبة بالغة علينا».

ويضيف: «تأثرت نفسيًا فى هذه الحرب بصورة كبيرة، إذ أصبحت أخبار الاستشهاد والاعتقالات مثل وجبات الإفطار والغداء لى، فلم يعد هناك مجال للفرح أو العيش الآدمى فى فلسطين، ورغم أننى أحب الحياة وأحلم بمستقبل أفضل، فإننى على استعداد لأن أفدى فلسطين بروحى ودمى».

ويستكمل: «أكتب أبيات الشعر لأعبّر عما بداخلى من حب يرافقه الحزن الشديد على وطنى فلسطين، وما يحدث به من انتهاكات متواصلة، فقد أصيب نجل شقيقى، فى ٣٠ أكتوبر الماضى فى قطاع غزة، بصاروخ للاحتلال؛ ما أدى إلى إصابته فى منطقة الرأس، وما زال يتلقى العلاج حتى يومنا هذا، وهذا الحادث المؤلم جعلنى أكتب بحسرة وألم عن كم المآسى التى نعيشها يوميًا».

ويشير إلى أنه لم يحصل على أى دعم مادى يذكر من الجمعيات المعنية بالمكفوفين فى فلسطين، نظرًا لضعف حجم التمويل الذى تتلقاه هذه المؤسسات قبل وبعد الغارات الصهيونية الأخيرة، خاصة أن جزءًا من تلك المؤسسات مَعنىّ بالجانب الاستثمارى أكثر من الجانب الإنسانى والخدمى.

ضحايا «العمى القسري» في غزة

ويواصل: «كنت أتعرض لهجمات واقتحامات من قِبل الاحتلال كل فترة زمنية قد تطول مدتها، ولكن بعد الأحداث الأخيرة أستيقظ يوميًا فى الصباح الباكر على صوت صافرات الإنذار التى تدعو المواطنين للفرار سريعًا من المنزل قبل قصفه، وبسبب اقتحامات الجيش الصهيونى لنا داخل المؤسسات المعنية برعاية المكفوفين يحدث شلل كامل لذوى الإعاقة؛ بسبب عدم قدرتنا على الركود والفرار مثلما يفعل الشخص المبصر».

ويقول: «نظل موجودين داخل المدارس ومخيم جنين، فى الضفة، لأيام كثيرة دون وجود أى من المستلزمات البشرية التى لا غنى عنها فى الحياة، فقد بقيت فى المخيم مع الكثير من الأسر والأطفال دون أن يكون بحوزتنا حليب للأطفال الرضع، أو طعام لنا ومياه صالحة للاستخدام، فالاحتلال لا يفرق بين الأسوياء ومتحدى الإعاقات المختلفة».

ويشير إلى حجم المآسى التى يتعرض لها فاقدو نعمة البصر، وأنها كفيلة بأن يتم تدوينها بالكتب ليعرف العالم الوجه الحقيقى للاحتلال وما يقوم به من انتهاكات بحق الإنسانية، مستدلًا بقصة صديقه الكفيف «على طعيمة».

ويوضح: «طعيمة من سكان الشيخ رضوان بمدينة غزة، وقد تم قصف الحى الذى كان يعيش فيه مع أسرته بالكامل، ولجأ مع من تبقى من ذويه إلى مدينة رفح الفلسطينية، بعد عذاب شديد فى التنقل، والتى تم قصفها أيضًا فى الآونة الماضية، ويبقى مع أسرته حاليًا فى غرفة بمنزل أحد المواطنين، والحل الوحيد أمامه للبقاء على قيد الحياة هو العيش على مياه الأمطار من خلال تجميع مياه السماء فى وعاء لاستخدامها فى إطعام الأطفال، الذين كادوا أن يموتوا خوفًا وجوعًا فى رفح».

ضحايا «العمى القسري» في غزة

جمعية تأهيل الكفيف:  فقدنا مصادر التمويل.. والاحتلال دمر البنية التحتية الداعمة

أوضح تيسير عودة، مدير جمعية تأهيل ورعاية الكفيف بمخيم جنين بالضفة الغربية: «أن الوضع الصحى والإنسانى للكفيف لا يختلف كثيرًا عن وضع عامة الشعب الفلسطينى، ولكن فى ظل هذه الأحداث الدامية يمكن التأكيد أن فاقدى البصر يواجههم الكثير من التحديات مثل عدم القدرة على الوصول إلى المراكز التعليمية والصحية الخاصة بهم بسبب إغلاق الاحتلال جميع الطرق المؤدية لهذه الجهات الخدمية».

وأضاف: «دمر الاحتلال البنية التحتية الداعمة لفاقدى البصر التى كانت تساعدهم على الوصول لمختلف الجهات والمراكز دون الحاجة لمرافق، لذا أصبح متحدو الإعاقة البصرية فى غزة لا تتوافر لهم أى خدمات، خاصة فى ظل حالة التخريب والتدمير المتعمد لكل أساسيات الحياة فى القطاع».

وتابع: «نسعى لأن يكون الكفيف مواطنًا منتجًا وفعالًا ومشاركًا فى بناء الوطن، كما أن هذه الجمعية تهدف بشكل أساسى إلى توفير جميع الاحتياجات لهذه الفئة التى تمكنها من التمتع بحياة كريمة».

وأوضح: «نسير على قدم وساق لتوفير فرص التعليم الأساسى والجامعى للمكفوفين، ونشر الوعى حول الإعاقة البصرية، وتزويد المكفوفين بالوسائل المطبوعة بطريقة برايل، وكذلك التعاون مع الهيئات المحلية والدولية المعنية بالمكفوفين لتنمية قدرات هذه الفئة وتمكينها من التواصل والتعامل المباشر مع الحاسوب والأجهزة الإلكترونية الحديثة».

وأكد أن الوضع الأمنى الراهن أثر سلبًا على الوضع الاقتصادى بشكل عام، حيث جرى إغلاق الأسواق، وتوقف العمل داخل المنظمات العامة والخاصة، كما أثر هذا الوضع المتدنى على حجم التمويل الخارجى الذى كان يأتى لدعم المكفوفين، ومعدل التبرعات المدنية الأهلية بشكل كلى، وهذه التبرعات كانت بمثابة شريان الحياة بالنسبة لهذه الفئة، خاصة لمن تزوج منهم وأصبح مسئولًا عن أسرة.

وأشار إلى أن متحدى الإعاقة البصرية بحاجة إلى الأمان والحرية حتى يتمكنوا من الحصول على الخدمات بسهولة، كما أن هذه الفئة فى أمسّ الحاجة أيضًا إلى التمويل والدعم المادى لسد احتياجاتها الأساسية من مأكل ومشرب.

ضحايا «العمى القسري» في غزة

رئيسة وحدة الصحة النفسية:لا نستطيع تقديم خدماتنا بسبب القصف وقطع الإنترنت 

قالت الدكتورة سماح جبر، رئيسة وحدة الصحة النفسية بوزارة الصحة الفلسطينية، عضوة مؤسسة بشبكة فلسطين العالمية للصحة النفسية، إنه فى حالات الطوارئ والحروب، مثل الاعتداءات المتكررة فى الضفة والقصف الإسرائيلى المتواصل فى غزة، تعانى الوحدة صعوبة الوصول إلى الحالات المحتاجة لرعاية نفسية خاصة فى قطاع غزة، نظرًا لعدم وجود أى مكان آمن، مع غياب تلبية الاحتياجات الأساسية من غذاء وماء وكهرباء ودواء.

وأضافت: «حتى بعد تطوير العلاج النفسى عن بُعد، أصبح الأمر معقدًا بعد انقطاع الاتصالات والإنترنت»، مشيرة إلى أن «فاقدى البصر وأصحاب الإعاقات يعانون بشكل مضاعف مقارنة بالأشخاص العاديين فى ظل الحرب الدائرة، وأنا أعرف أشخاصًا نزحوا نحو ٧ مرات من مكان لمكان آخر من أجل النجاة بأنفسهم، وللأسف إمكانية تكيف المكفوفين مع هذا الوضع الصعب بشكل استثنائى هى أدنى بكثير، كما أن منهم من فقد بصره إثر صدمات سابقة من الحروب، لذلك يعانون بشكل أكبر ظروف الحرب الحالية ويستعيدون دومًا ذكريات الصدمة الأساسية التى تسببت لهم فى إعاقة طويلة المدى فى حياتهم».

ولفتت إلى معاناة فاقدى البصر بسبب الحاجة الماسة إلى الاعتماد على الآخرين، سواء فى حركتهم اليومية أو نجاتهم الشخصية، فإذا غاب الشخص المرافق، مثلما حدث مع الكثير من الأسر المشتتة، يضاعف ذلك تأثرهم من الإعاقة فى الوقت الذى يحتاجون فيه إلى خدمات الصحة النفسية بشكل أكثر من غيرهم، كما أن من يعتنى بهم هو فى الأساس يحمل أعباءً أكبر ويحتاج أيضًا لدعم نفسى ولوجستى للتكيف مع الظروف المحيطة به.

الدكتورة سماح جبر

«جميع الصور التعبيرية المستخدمة في التحقيق تم توليدها باستخدام الذكاء الاصطناعي»