رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وتركيا

رسائل عدة ترسلها زيارة الرئيس التركى التاريخية لمصر يوم الأربعاء الماضى، من هذه الرسائل ما يخص النهج المهنى والاحترافى للسياسة المصرية فى عهد الرئيس السيسى، ينتهج الرئيس سياسة تقوم على الواقعية والمصلحة الوطنية، والبُعد عن الشخصنة والانفعالات الطارئة من جهة، والعمل على الملفات العالقة بجهد سياسى وأمنى متخصص يراهن على التراكم وتجميع الأوراق، وطرح الخيار المناسب فى الوقت المناسب، بشكل عام يمكن القول إن السياسة المصرية فى عهد الرئيس بها نزعة رواقية.. والرواقية مذهب فلسفى يؤمن بالعمل والصبر وقبول الواقع كما هو ثم السعى لتغييره بالجهد.. وهذه كلها سمات واضحة فى سياسة مصر الخارجية خلال السنوات العشر الأخيرة.. العلاقة بين البلدين تاريخية وقديمة ومركبة تتجاور فيها عوامل التشابه والتحالف مع عوامل التنافس الذى هو أمر مختلف كليًا عن «العداء». منذ قرون والقاهرة دائمًا فى حسابات إسطنبول، وإسطنبول فى حسابات القاهرة.. بلدان كبيران لهما عمق حضارى كبير يشتركان فى القوة وفى الديانة وفى المذهب وفى قدرتهما الكبيرة على التأثير فى أحوال المنطقة والعالم كله.. من رسائل الزيارة أيضًا أنه لا يوجد أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، ولكن توجد مصالح دائمة على حد ما نسب لـ«ونستون تشرشل» السياسى البريطانى الأشهر.. منذ شهور نشرت الإذاعة الألمانية تقريرًا عن هجرة الصناعات التركية لمصر لأسباب متعددة منها موقع مصر على أبواب إفريقيا والخليج، ورخص تكاليف الإنتاج مقارنة بتركيا، ووجود سوق ضخمة قوامها ١١٠ ملايين مصرى، لذلك تنتظر مصر استثمارات تركية مباشرة فى حدود ستمائة مليون دولار، وهو شىء رائع ترحب به مصر لأقصى درجة. توطين صناعات تركية فى مصر فى مجالات النسيج والأجهزة الكهربائية وغيرها يعنى نقل خبرات حديثة فى صناعات تميز فيها الأتراك بالسعر المنافس والجودة العالية. هناك ملفات أخرى أمنية واستراتيجية مثل الموقف فى فلسطين واستقرار ليبيا وأوضاع شرق المتوسط، وهى كلها ملفات مهمة يتم العمل الاحترافى عليها بين البلدين منذ فترة طويلة وأدى النجاح فيها إلى زيارة الرئيس التركى مصر وانتظار تركيا زيارة الرئيس السيسى لإسطنبول فى أبريل المقبل.. من دروس التحول فى العلاقات المصرية التركية درس يتعلمه نفر من الذين هاجموا وطنهم لحساب الآخرين وظنوا أن لهم قيمة مستقلة فى حين أنهم لم يكونوا سوى أوراق ضغط خفيفة الوزن وأدوات تم استخدامها ثم التخلص منها فور انتهاء دورها، حتى إن البعض شبههم بالمناديل الورقية رخيصة السعر منعدمة الجودة. من الدروس أيضًا أن مصر بلد قوى وقادر وعفى، وأن الأزمات الطارئة لا تغير من وزن مصر ولا مكانتها، فلا أحد فى عالم السياسة يسعى لعقد تحالفات مع بلد ضعيف خاصة لو كان هناك سوء تفاهم سابق.. التحول من العداء للتحالف جهد سياسى ونفسى لا يبذله سياسى قدير وقديم مثل الرئيس أردوغان إلا إذا كانت مصلحة بلده تستدعى ذلك.. فى كل الأحوال فإن الزيارة حدث تاريخى ورسائلها إيجابية سواء فيما يخص السياسة المصرية وأسلوب إدارتها أو فيما يخص فوائد التحالف بين البلدين على شعبيهما وعلى أوضاع المنطقة كلها بشكل عام.