رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر.. تركيا.. تعاون بعد قطيعة

لو قلت لأحدهم إنني سوف أكتب مقالًا كي أعبر عن سعادتي بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمصر، ما صدقني من أحدثه، لأن موقفي كخصم سياسي لتوجهات أردوغان معلنة ولا تحتاج لتوضيح. 
وبالرغم من ذلك جاءت زيارة أردوغان للقاهرة؛ كي تعلن عن مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، هذه المرحلة التي تأخرت عشر سنوات دفعت العاصمتين ثمنًا باهظًا لها، شدًا وجذبًا وتنافرًا وصل إلى حد الخصومة الكاملة المعلنة.
وما بين 2013 و2024 جرت مياه كثيرة في النهر، وآخر تدفقات هذا النهر جاء طوفان اسمه طوفان الأقصى، وهنا كان لزامًا على مصر وتركيا، وهما أصحاب الموقف المتطابق في القضية الفلسطينية أن يقوما بتحييد التفاصيل والالتقاء في هذا الظرف العالمي الحرج، والذي قد يهدد بتصفية القضية الفلسطينية، أردوغان لاعب سياسي ماهر، جاء لربط السياسة بالاقتصاد، وهو بيت القصيد في علاقات الدول.
الزيارة التي خطفت الأنظار لم تكن وليدة حرب غزة فقط، ولكن سبقتها خطوات معقدة لعودة العلاقات بين الدولتين. 
الملف الليبي والوجود العسكري التركي في ليبيا كان واحدًا من الملفات التي جعلت التوتر في العلاقات بارزًا؛ لدرجة أن مصر أعلنت أن خط سرت / الجفرة هو خط أحمر لن تقبل مصر تجاوزه من ميليشيات الغرب الليبي.
استطاع ذلك الخط أن ينجح في نزع فتيل الأزمة، لكن ملف النفط والغاز في البحر المتوسط، وسعي كل من الدولتين للحصول على حصتها من تلك الثروات جعل التفاهم والحوار هو اللغة الأكثر حسما بين مصر وتركيا؛ لذلك رأينا مباحثات بين الدولتين على المستوى الأمني والاستخباراتي بهدف تحسين العلاقات.
وهنا بالتحديد بدأت تركيا في اتخاذ خطوات عملية؛ كي تطمئن مصر، حيث قامت تركيا بغلق منصات إعلامية لجماعة الإخوان وترحيل رموز ذلك التيار إرضاء لمصر. 
 هنا خرج التنسيق من الدوائر الأمنية لتدخل وزارتي الخارجية بالبلدين على خط الحوار ونشهد لقاءات وزيارات متبادلة، وهذا ما أدى إلى خطوة المصافحة بين الرئيسين السيسي وأردوغان في حفل افتتاح كأس العالم في قطر.
مصر الكبيرة دائما تتجلى في الأزمات الكبيرة، وقد شهدنا ذلك عندما ضرب الزلزال تركيا، وما كان من مصر الرسمية إلا أن هرعت إلى هناك؛ لتقديم المساعدات اللازمة، بل وقام الرئيسان السيسي وأردوغان بمكالمة تليفونية ذات علاقة بالمساندة المصرية للشعب التركي بعد كارثة الزلزال.
الآن وبعد عودة السفراء في يوليو الماضي وزيارة أردوغان إلى القاهرة كان من الطبيعي أن نستمع في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان أن هدفا طموحا لدى البلدين، وهو أن يزيد حجم التبادل التجاري بين مصر وتركيا إلى نحو 15 مليار دولار وهذا هو بيت القصيد، وإذا أضفنا لذلك التعاون المنتظر في موضوع غاز المتوسط يمكن لنا أن نطمئن.
اللاعب المصري ليس سهلا حتى يمكن مراوغته، لأنها مصالح بلادنا، ثابتون على المبادئ الأساسية، وأولها هو تحقيق مصالح الشعب المصري، ولا يمكن قبول أنصاف الحلول، لذلك نرى أن حزمة المصالح الاقتصادية بين مصر وتركيا لن تكتمل إلا بإخلاء الأراضي التركية من كل الذيول الإخوانجية أبناء اعتصام رابعة المسلح، هذا الإخلاء هو الضمانة الرئيسية لسنوات مقبلة من العمل المشترك.
وقد أحسن أردوغان صنعا في المؤتمر الصحفي المشترك عندما أكد في أكثر من موضع على أن تركيا تقف مع مصر الرافض لمخطط تهجير الغزاوية إلى سيناء وأن المساعدات التركية لشعب غزة تتم بتنسيق كامل مع الدولة المصرية، هنا تتقدم العلاقات المصرية التركية عشر خطوات للأمام، ويمكن للمتابع أن يتفاءل بالقادم من الأيام.